صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

يفترش علي شوعي ووالدته المسنة، باحة المركز الوطني لعلاج الأورام وسط العاصمة اليمنية صنعاء، منذ غادر منزله في محافظة حجة شمالي غرب البلاد قبل نحو عام، للبحث عن علاج لإصابته بسرطان القولون.

نظر شوعي، 25 عاماً، إلى عدسة كاميرا مراسل (إرفع صوتك)، فيما كانت والدته تجلس إلى جواره، وقال، “أنتظر الموت في أي لحظة، أشتري أسبوعياً علاجات بما يزيد عن 50 ألف ريال (نحو 166 دولاراً)، أحصل عليها من فاعلي الخير”.

“السرطان تسبب في انتفاخ بطني وورم في أقدامي، لا أستطيع أن أمشي”، أضاف شوعي، لموقع (إرفع صوتك)، بلسان متلعثم، جراء مضاعفات المرض التي أصابته بصعوبة في النطق.

ومثل عشرات المرضى هنا في المركز الوطني لعلاج الأورام، يشتكي شوعي أيضاً من غياب الأدوية المجانية، باستثناء “المهدئات البسيطة” أحياناً.

“أتمنى من الله الشفاء، ما بش فائدة منهم”، قال شوعي في إشارة إلى المركز الحكومي المختص بعلاج الأورام، الذي عبرت منظمة الأمم المتحدة عن قلقها المتزايد من احتمال إغلاقه بسبب محدودية الموارد المالية وشح المستلزمات الطبية.

مستغلون

على بعد أمتار قليلة من شوعي في باحة المركز، ترقد على الأرض إيمان عبد الجبار، وهي امرأة مسنة مغطى جسدها بالكامل. تقول ابنتها، التي كانت تجلس إلى جوارها (فضلت التحفظ على اسمها)، إنهم نقلوها من مدينة إب (وسط اليمن) قبل نحو شهرين للعلاج في صنعاء، “لكننا حتى الآن لم نصل إلى نتيجة”.

وأضافت لموقع (إرفع صوتك) “الأطباء والطبيبات يتغيبون، ولم يفيدونا بشيء، فقط طالبوا منا إجراء فحوصات وشراء أدوية كلفتنا مبالغ كثيرة، المركز لا يقدم شيء، وبائعي الأدوية يستغلوننا”.

شعور بالغضب

وهذا ما يؤكده إبراهيم شكري، 35 عاما، الذي يتردد منذ شهر ونصف على المركز، لمعالجة والدته المصابة بسرطان البنكرياس.

“الأطباء يكتبون لك روشتتات (وصفات طبية للحصول على الدواء) لتحضرها من خارج المركز”، يقول شكري الذي كان يبدو عليه الشعور بالغضب، وهو يقلب بين يديه أوراق ملونة مدون عليها أصناف من العلاج.

وأضاف، لموقع (إرفع صوتك) “لا أدري كيف أعمل، من أين أدفع 57 ألف ريال (نحو190 دولار) تكاليف هذا العلاج!”.

تبرير رسمي

ولا يخفي مدير عام المركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء، الدكتور عفيف النابهي المشاكل الكثيرة التي يعانون منها جراء انعدام الموارد المالية.

“لدينا مشاكل كثيرة وعميقة لكن الأهم هو ما يجري في البلد الآن”، يقول النابهي في إشارة إلى الحرب الدائرة منذ نحو عام ونصف.

ويوضح لموقع (إرفع صوتك) أن المركز كان لديه موازنة علاجات حوالى مليارين و500 مليون ريال سنوياً (أكثر من 8 ملايين دولار)، تم تخفيضها في عام 2015 إلى 50 في المئة، بينما رفض التجار استيراد الأدوية طوال العام الماضي وحتى اللحظة لعدم سداد مديونية المركز لهم البالغة مليار و250 مليون ريال (أكثر من أربعة ملايين دولار) قيمة العلاجات في 2014.

ويؤكد أنه حالياً لا توجد علاجات في المركز، وأن هذه المشكلة تفاقمت بدءا من العام الجاري. وبسبب غياب الإمكانيات المالية لم يستطع القائمنو على المركز صيانة بعض الأجهزة، وشراء مصادر مشعة للأجهزة الخاصة بالعلاج الاشعاعي، وبالتالي هذه وغيرها متوقفة عن العمل.

وباستثناء منظمة الصحة العالمية، التي قال إنها دعمت المركز العام الماضي بعلاجات بقيمة 300 ألف دولار تقريباً، ينفي الدكتور عفيف النابهي استلام أي مساعدات من بقية المنظمات الدولية الأخرى.

عواقب وخيمة

وتُقدر عدد الاصابات السرطانية في اليمن بحوالي 13 ألف حالة إصابة جديدة سنوياً، تصل منها حوالى سبعة آلاف حالة إصابة إلى المركز الوطني بصنعاء، حسب إحصائيات رسمية.

وحذرت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة (30 أيلول/سبتمبر 2016) من أن الحرب المستمرة منذ أكثر من 18 شهراً في اليمن خلفت آثاراً كارثية على النظام الصحي الذي كان يعاني أساساً العديد من المشاكل قبل الأزمة الراهنة.

وذكرت المنظمة في تغريدات على “تويتر” أن هناك العديد من المرضى والجرحى يعانون فعلاً من العواقب الوخيمة للحرب، والتي أثرت على خدمات الرعاية الصحية في جميع المحافظات.

*الصورة: مرضى وأقاربهم يجلسون في باحة المركز الوطني لعلاج الأورام، وسط صنعاء/‫إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".