بقلم حسن عبّاس:

"جعلناكم أمة وسطاً"، "إن الدين يُسر"، "إيّاكم والغلوّ في الدين"، "هلك المتنطعون"... هذا ما تقوله النصوص التأسيسية للإسلام من قرآن وسنّة. وعليه، من العجيب أن يأتي داعش محاولاً تصوير نفسه ممثلا للإسلام الصحيح.

"الأمة الوسط"

وفي تفسيره لعبارة "الأمة الوسط" الواردة في الآية 143 من سورة البقرة، قال أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر الدكتور عبد المنعم فؤاد لموقع (إرفع صوتك) إن هذا يعني أن يكون المسلمون وسطاً في الملبس والمأكل والمسكن وكل شؤون الحياة وأضاف "فالله الذي خلق الإنسان هو الذي يعرف ما يريح الإنسان".

اقرأ أيضاً:

ابنة الشرقاط أمل محمد عزاوي: حلم بالحرية من داعش

لاجئون عراقيون في الأردن: داعش قتل السنّة

لطالما عرّف المسلمون أنفسهم بأنهم "أمة وسط"، مستندين في تعريفهم إلى الآية القرآنية التي تقول "جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً".

وفي تفسير هذه الآية، قال مفسّرون "يعني أهل دين وسط، بين الغلو والتقصير، لأنهما مذمومان في الدين".

وبرأي عبد المنعم فؤاد، "هذه الوسطية يختص بها المسلمون بشكل عام بسنّتهم وشيعتهم".

ولذلك، تابع، فإن "داعش بخروجه عن الوسطية اختلق نهجاً لا يقول به لا القرآن ولا الأحاديث النبوية".

بالإضافة إلى الآية القرآنية المذكورة، كثيرة هي الأحاديث التي حذّر فيها النبي من الغلو والتطرّف. ومنها حديث "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه". وفي تفسير الحديث المذكور، قال ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري" إنه يعني "لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب".

ومن أحاديث النبي قوله "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك مَن كان قبلكم الغلو في الدين"، وقوله "هلك المتنطعون. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون"، وقد فسّر العلماء "التنطّع" بأنه الغلو في العبادة والمعاملة.

كما روت السيّدة عائشة أنه "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه".

مَن يشوّه الصورة؟

لتنظيم داعش استراتيجيات إعلامية كُتب عنها الكثير، وتهدف إلى احتلال حيّز واسع في وسائل الإعلام، ومنها مقاطع الفيديو المصنوعة بجودة عالية جداً ومنها عرضه لجرائمه الغريبة الخارجة عن المألوف.

"قوّة الإعلام المعادي للإسلام هي التي روّجت للصورة التي تربط الإسلام بالعنف"، قال عبد المنعم فؤاد وأضاف أن "إصرار الآخر على الصورة الخطأ يدل على جهله".

إذن، مسألة إزالة الارتباط بين صورة الإسلام وصورة تنظيم داعش ليست، أو على الأقل ليست حصراً، مسؤولية المسلمين. فالمسلمون مستمرون في وسطيتهم وعلى الإعلام وعلى الآخر التركيز على ذلك بدل التركيز على جرائم داعش ونسبتها إلى الإسلام .

ويستغرب فؤاد كيف يريد البعض محاكمة الإسلام بسلوكيات مجموعة من الأشخاص. ويقول "من غير اللائق أن يحاكَم دين بسلوكيات بعض مَن ينتسبون إليه وإلا نحيد عن الموضوعية"، مضيفاً أن الإسلام لا يجب أن يُحمّل تبعات تصرّفات أفراد يقومون بفعلة ويرمون التهمة على الإسلام.

وأكّد أن "التطرّف والإرهاب لا ينبعان من دين من الأديان بل ينبعان من النفس الإجرامية".

وتابع: "مَن يدّعي أن هنالك نصوصاً دينية حرّكته هو مخطئ. النصوص الإسلامية تدعو إلى التسامح وثقافة "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" و"جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". هذه هي الثقافة التي يدعو إليها الإسلام".

وأكّد أنه "ليس في القرآن آية للقتال بلا سبب".

وشرح أن القرآن يقول "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة:190).

كما أن القرآن يقول "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" (التوبة:6)، أي إذا طلب مشرك الأمان من مسلم فعلى الأخير إعطاءه الأمان وتعريفه على الإسلام ثم السماح له بالعودة إلى دياره حين يريد.

لكن البعض يعتبر أن على المسلمين الرافضين لربط تصرّفات داعش بالإسلام القيام بعمل كبير لإزالة هذا الربط.

ومن الأمور التي تُطرح في هذا الصدد فكرة ضرورة إجماع المؤسسات الإسلامية الكبرى على تكفير هذا التنظيم وإخراجه من الإسلام.

لكن لفؤاد رأي آخر يبدأه بتساؤل "ما الفائدة من تكفير الأزهر لداعش؟ هل ستنتهي المشكلة؟". ويجيب "ستظل المشكلة قائمة".

وقال إن "التكفير يرتبط بالقلوب والعقائد وأي مؤسسة لا يحق لها التنقيب عمّا في القلوب فما في القلوب لا يعلمه إلا الله".

وبعد إشارته إلى أن "الرسول حذّرنا من التكفير"، حذّر من أنه "إذا انتشر فكر التكفير سيذهب كل شخص إلى تكفير مَن لا يعجبه رأيه"، وهذا أمر خطير على المجتمعات الإسلامية.

إذن ما العمل؟ هل يُترك داعش بلا حساب؟ هنا يشير فؤاد إلى أن عناصر داعش مجرمون و"المجرمون يجب أن يُعاقَبوا بالقانون".

وذكّر بالحكم الذي قاله الأزهر بعد جريمة إعدام الطيّار الأردني معاذ الكساسبة وجاء فيه "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" (المائدة:33).

*الصورة: "مسحراتي" في شوارع القاهرة/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".