الأردن – بقلم صالح قشطة:

بحسرة، يروي محمد هادي وهو شاب في مقتبل العشرين من العمر أتى لاجئاً من وطنه العراق إلى العاصمة الأردنية عمّان، قصة إحدى الفتيات اللواتي تم سبيهن من قبل داعش. وقصتها، كما يقول، لا تنم سوى عن بشاعة هذا التنظيم وأفعاله.

"لقد خطفوها وباعوها في سوق الرق بعد اغتصابها ببشاعة، وكلما ملّ منها من اشتراها يقوم ببيعها مرة أخرى بثمن أرخص كونها أصبحت مستهلكة"، يقول الشاب، مشيراً إلى أنّه قد تمّ بيع الفتاة مرتين حتى جاء اليوم الذي هربت به عندما ألقت بنفسها في نهر دجلة وعبرت إلى الجانب الآخر سباحة حتى استقبلتها القوات العراقية.

"صحيح أنها نجت بحياتها، لكنها لا تزال تعيش آثار الدمار النفسي والجسدي الذي سببه داعش في حياتها"، يضيف الشاب خلال حديثه إلى موقع (إرفع صوتك).

داعش يمثل نفسه

ينتقل الشاب للحديث عن تمثيل داعش للإسلام قائلاً "لا يمكنني استيعاب فكرة أن داعش يقوم بتطبيق تعاليم أي من الأديان أو الطوائف التي أتت جميعها لتعزيز الخير والإنسانية واحترام الآخر".

اقرأ أيضاً:

ابنة الشرقاط أمل محمد عزاوي: حلم بالحرية من داعش

داعش يشوّه صورة “الأمة الوسط”

ويتابع الشاب "داعش يمثل نفسه فقط، والسنة منه أبرياء، فالسنة يتبعون أشرف الخلق وهو رسول الله ودين رسول الله الإسلام" مؤكدا أن الإسلام دين سماوي يحث من يعتنقه على السلام، "أما داعش فهو بعيد كل البعد عن السلام".

"لا أنكر وجود المتطرفين من كل الطوائف، لكن هؤلاء تحديداً لا يمثلوننا".

خوارج

هذا ما يؤيده كذلك العشريني عمار الدليمي، الذي اضطر للانتقال من مدرسته في بغداد إلى إحدى مدارس الأنبار حيث تقطن عائلة والدته. وبعد انتقاله بفترة قصيرة، دخل داعش منطقة الأنبار.

وبحسب الدليمي، فقد قام التنظيم بتوجيه العديد من التهديدات لمن يرفض التعاون معهم، بل قام أفراده فعلاً بتنفيذ ما هددوا به وقاموا بتفجير منازل البعض من أهالي المنطقة لرفضهم الالتحاق بالتنظيم، وقاموا بقتلهم كونهم يرون أنهم مرتدون.

وبحسب الدليمي فإن تنظيم داعش وأفراده لا يمثلون طائفة السنة لا من بعيد ولا من قريب، كون ما يقومون به لا يمت للسنة بصلة، التي يرى أنهم "خوارج" عنها.

وفي حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) يقول الشاب متسائلاً "في معتقد السنة فإنه لا يجوز للمسلم قتل أخاه المسلم، أعتقد أنهم لا يمثلون المسلمين أيضاً، فأي إسلام الذي يقتل الناس ويقوم بتشريدهم؟ وهذا هو سبب المعاناة التي عشتها مع عائلة والدتي في الأنبار، فقد دمرت منازلهم وتم تشريدهم. هل هناك أي دين يحث على القيام بذلك؟".

ويسترسل الشاب في الحديث عن معاناته بسبب تنظيم داعش، حيث كان قد تعرض لتهديدات من قبل التنظيم بسبب رفضه الانضمام لصفوفهم كونه لا يزال طالباً على مقاعد الدراسة. "من هددني كان من أعز أصدقائي في المدرسة، فقد كان مقتنعاً بأنه يمثل الدين الإسلامي ويطبق السنة، وكان دائماً يقول إنهم أتوا لمحاربة الشيعة، لكن هذا غير صحيح، فلقد دخلوا ودمروا مناطق السنة وقتلوا أهاليها منذ بداية الأمر".

مشاكل لا تنسى

وبعد صمت دام للحظات، عاد الفتى لمتابعة روايته، لكن بصوت يزيد حرقة عن بداية حديثه، مؤكداً أن داعش ترك في حياته العديد من المشاكل والقصص التي يتألم منها دائماً، ولا يستطيع أن ينساها أو يتخطاها حتى اليوم.

"فقدت العديد من الأشياء الثمينة في حياتي، حتى أعز أصدقائي سفيان الذي رافقته ذات يوم للعب كرة القدم بجانب شاطئ نهر الفرات، وكان يسبقني بعدة خطوات، وبمجرد اقترابه من النهر وقع في مرمى نار أحد قناصة داعش الذي أرداه قتيلاً بلا أي ذنب".

ويتابع حديثه عن مدرسته التي كان داعش سبب انقطاعه عنها وخسارته لسنوات من حياته، وعن أصدقائه في العمل الذين تمت تصفيتهم على يد التنظيم، حيث اضطر للعمل بعد توقفه عن الدراسة، وكان عمله في مجال السيراميك.

في يوم من الأيام، ذهب الشاب إلى موقع العمل ولم يجد أيا من زملائه، ليكتشف لاحقاً أنه تمت تصفيتهم من قبل داعش لرفضهم الانصياع لتعليماتهم، وكان عقابهم أن تفجرت منازلهم فوق رؤوسهم.

"هرعت لأرى كل هذا الدمار بأم عيني، وقتها أدركت حجم المأساة التي يعيشها أهالي بلادي، وعندما شعرت بأن تهديداتهم باتت قريبة مني بشكل جدي قمت باللجوء إلى الأردن علّني أتمكن من مواصلة حياتي بعيداً عنهم".

*الصورة: لاجئون عراقيون في الأردن/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Red Cross volunteers bury the remains of civilians killed in the Democratic Republic of Congo North Kivu province village of…
متطوعون من الصليب الأحمر يدفنون ضحايا هجوم مسلح مرتبط بداعش في جمهورية الكونجو- أرشيفية

بينما تبذل جهات إنفاذ القانون، ومؤسسات الرقابة المالية في العالم جهوداً مضنية لعزل أنشطة تنظيم "داعش" الاقتصادية عن النظام المصرفي العالمي، كان التنظيم ينسج في الظل شبكته المالية الخاصة، مستفيدا مما راكمته التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة من تجارب، ومستغلاً الثغرات المتاحة في المنظومة المالية العالمية، لتوسيع وإنعاش أنشطته المدرّة للدخل، وتحقيق فعالية أكبر في حركة الأموال بين "ولاياته" وخلاياه المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم.

استطاع تنظيم "داعش" من خلال خططه الاقتصادية، وشبكاته المالية المعقدة  تحقيق اكتفاء ذاتي لأخطر فروعه النشطة في وسط إفريقيا، (فرعي الكونغو والموزمبيق)، وعبر وصلهما بخطوط شبكة دعمه الممتدة بين أوروبا  وجنوب إفريقيا والصومال والخليج والشرق الأوسط. وهي شبكة محمية بطبقات من الوسطاء والشركات الاستثمارية ومكاتب تحويل الأموال، لكن جزءاً منها جرى تفكيكه وتعطيل فعاليته.

تحويلات مالية من جنوب افريقيا

في 7 من نوفمبر الماضي أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بياناً ثانياً بشأن الانشطة المالية لداعش في جنوب افريقيا، وفرضت بموجبه عقوبات على خلية من 4 أفراد و 8 شركات استثمارية. الشخصيات الخاضعة للعقوبات وهي نوفل أكبر، ويونس محمد أكبر، ومحمد أكبر، وعمر أكبر، تعمل تحت إشراف فرهاد هومر وهو جهادي كانت الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات عليه في مارس من العام الماضي، واستهدفت العقوبات شركاتهم العاملة في مجالات تعدين الذهب والبناء، ويضطلعون بدور حيوي في الاسناد اللوجستي لفروع "داعش" في وسط إفريقيا والموزمبيق، وتحويل الأموال إليها عبر نظام "الحوالة".

ومن خلال نظام "الحوالة" تم تحويل حوالي 342 مليون دولار من جنوب إفريقيا إلى فروع وخلايا داعش في الصومال وكينيا ونيجيريا وبنغلادش باستخدام آلاف الشرائح الهاتفية غير المسلجة للتملص من الرقابة، وتمويه هوية القائمين بالمعاملة، وكل ذلك حدث بين عامي 2020 و 2021 بحسب صحيفة "صنداي تايمز" الصادرة في جنوب إفريقيا. ويتم تحويلات الأموال على دفعات صغيرة حتى لا تثير الشكوك.

وكشفت دراسة نشرتها جامعة جورج واشنطن في يونيو الماضي عن جانب من المعاملات المالية التي تتم بين خلايا داعش في جنوب إفريقيا وبين "ولاياتها" في الصومال والموزمبيق وشرق الكونغو. وفنّدت الدراسة نموذجاً لهذه التحويلات التي تتم برعاية شركة Heeryo Trading Entrprise وهي شركة صومالية وجنوب افريقية مسجلة في جوهانسبرغ وتقوم بعملياتها في العاصمة الصومالية مقاديشو. الشركة سهّلت نقل مئات الآف من الدولارات من الصومال إلى جنوب إفريقيا ومن جنوب إفريقيا إلى كينيا حيث ينتظرها الموزعون الماليون لنقلها إلى أوغندا، ويعبرون بها الحدود لتسليمها إلى فرع "داعش" في شرق الكونغو، أو تنقل إلى تنزانيا ومنها إلى فرع داعش في الموزمبيق.

 

سبق لقيادة تنظيم "داعش" المركزية في سوريا والعراق أن اعتمدت نظام الحوالة المالية أواخر 2017 لدعم "القوات الديمقراطية المتحالفة" في الكونغو عشية إعلان ولائها للتنظيم، وكان وليد أحمد زين المواطن الكيني الذي التحق والده وأخوه بالتنظيم في سوريا، قد تلقى مبالغ مالية ضخمة عبر حوالات مالية(حوالي مليون وخمسمئة ألف دولار)، من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وقام بإعادة تحويلها إلى فروع داعش في وسط وشمال إفريقيا.

وجاء في تقرير أعدته مجموعة أبحاث الكونجو بجامعة نيويورك ومؤسسة بريدجواي التي نقلت عن مصادر أمريكية ومنشق من القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونجو أنّ  زين، الذي وصف بأنه "ميسّر مالي" دفع المال للقوات الديمقراطية المتحالفة على الأقل مرة واحدة.

 

زكاة وجزية

إلى جانب الحوالات المالية التي تتلقاها فروع داعش في وسط افريقيا، توجد أيضا أنشطة ذاتية تعتمد عليها محليا في تعزيز دخلها المالي، وتمويل عملياتها، ومنها فرض الرسوم والضرائب وجباية ما تسميه "الزكاة" من الأهالي الذين يعيشون في مناطق سيطرتها. ولأن فرعي داعش في الكونغو والموزمبيق ينشطان في مناطق يعيش فيها المسلمون والمسيحيون فإن عوائدهما في هذه الحالة تكون مضاعفة، من خلال فرض "الزكاة" على المسلمين و"الجزية" على المسيحيين.

ففي العام الماضي حذر فرع داعش في المزمبيق، عبر بيان خطي تداولته صفحات محلية، المسيحيين من عواقب عدم دفع الجزية، وخيرتهم بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو "الاستعداد لحرب لا نهاية لها" بحسب البيان.

تلجأ فروع داعش في إفريقيا إلى فرض الضرائب على السكان المحليين وابتزاز الشركات والمقاولات وفرض رسوم باهضة عليها ضمن خطة تمويلية عممتها قيادة داعش في سوريا والعراق على كل ولاياتها البعيدة، ويشكل مردودها جزءاً من ميزانيتها الضخمة. ففي الصومال مقر "مكتب الكرار" الذي يدير شؤون ولايات وسط إفريقيا ويمدها بدعم مالي سخي، يقوم فرع داعش في إقليم بونتلاند شمال الصومال بفرض رسوم شهرية على الشركات التجارية تحت التهديد بتخريب ممتلكاتها ومصالحها. وفي 2018 كانت عوائده الشهرية من هذه الرسوم حوالي  700 ألف دولار. وفي أبريل الماضي أحرق التنظيم مقاولة محلية بعدما رفض أصحابها دفع 500 ألف دولار له.

تنخرط أيضا فروع داعش في وسط أفريقيا في أنشطة تجارية مشبوهة، مثل التهريب، وتجارة الذهب والأخشاب والكاكاو وغيرها، وأكدت دراسة جامعة جورج واشنطن المشار إليها سابقاً أن هذه الأنشطة تشكل نسبة قليلة جداً مقارنة بالأموال التي تصل من الخارج، وأن عوائد تجارة الأخشاب التي يديرها فرع الكونغو لا تتجاوز 15 ألف دولار سنوياً.

تجارة السبي والرهائن

يشكل الاختطاف بغرض الفدية تقليداً مشتركاً بين الارهاب والجريمة المنظمة، غير أن فرع داعش في وسط افريقيا أضاف إلى هذا الاقتصاد الإجرامي المربح، قطاعاً مربحاً آخر وهو تجارة "السبي".

فقد كشفت مراسلات داخلية للتنظيم أن فرع داعش في الموزمبيق فرض مبالغ مالية معينة مقابل تحرير "السبايا" اللواتي يحتفظ بهن في معاقله. وهذه المعاملة تشمل فقط "السبايا" اللواتي لا يصلحن، بحسب التنظيم الإرهابي لـ"المتعة" الجنسية، كالمصابات بمرض الإيدز، أو الكبيرات في السن. وتم تخيير أهاليهن بين دفع الأموال أو إعدامهن.

ينهض اقتصاد الارهاب في جزء كبير منه على عوائد الاختطاف واحتجاز الرهائن.

لا توجد أرقام محددة عن العوائد التي يجنيها تنظيم داعش في وسط إفريقيا من اقتصاد الفدية، لكن لا شك أنها إضافة إلى أرقام الحوالات قد أحدثت طفرة في النشاطات الارهابية لفرعي داعش في شمال الموزمبيق وشرق الكونغو. حوالي 68 ألف دولار من أموال الحوالات سلمت مباشرة لأفراد في خلايا تورطت في سلسلة من الهجمات الانتحارية في أوغندا في 2021، وهجمات في رواندا والكونغو.

عزّز اقتصاد الإرهاب الذي رعاه مكتب "الكرار" في الصومال بقيادة عبد القادر مؤمن  ميزانية داعش في شرق ووسط إفريقيا، فكان يرسل بشكل دوري دفعات مالية إلى عدد من ولايات وخلايا داعش في إفريقيا والشرق الأوسط واليمن وتركيا. ووصف المكتب في رسالة له إلى أمير إدارة "الولايات" البعيدة في سوريا وضعه المالي بالقول: "الأموال التي تصلنا من مفصل الاقتصاد كافية للضروريات والكماليات"، ووافق على إرسال فائضها إلى اليمن مباشرة، وسيبحث عن وسيلة آمنة لإرسالها أيضا إلى الخليج وتركيا. وهي مفارقة لافتة أن تذهب أموال الإرهاب في زمن داعش من إفريقيا إلى الخليج بعدما كان العكس هو الشائع في العقود الماضية.