بقلم إلسي مِلكونيان:

مع انضمام آلاف من الشباب تونسي للقتال في صفوف داعش في سورية والعراق وليبيا، بذلت السلطات الكثير من الجهود من أجل تقويض تأثير التيارات المتشددة على شبابها، كضبط الحالة الأمنية، وملاحقة الخلايا الإرهابية وتفكيكها.

ويصاحب الجهد الحكومي جهود أخرى يبذلها أئمة المساجد ومجموعات شبابية لمحاربة الأفكار التي يبثها التنظيم المتشدد في المجتمع.

لكن محاربة المجتمع لداعش في تونس لا تنبع من موقف دفاعي عن الطائفة أو تصحيحي لأفكار التنظيم التي أصّلها في المذهب السني كما في دول المشرق العربي، وإنما من منطلق تنويري للأفكار الدينية المغلوطة التي روجها داعش في صفوف الشباب.

من داخل المسجد

لا تزال المساجد في تونس تلعب دوراً رائداً في تعليم مبادئ الدين الإسلامي من عقيدة وتجويد للشباب والأطفال في مختلف الولايات التونسية.

اقرأ أيضاً:

رجل دين وسياسي شيعي: داعش يمثل الوهابية وليس السنّة

ماذا يقول طلاب الشريعة في الجزائر عن مرجعية داعش الدينية؟

ويقوم الأئمة بشرح المفاهيم التي شوهها داعش للمصلين. يقول الإمام فاضل عاشور، وهو إمام لأحدى الجوامع في العاصمة تونس، في مداخلة لموقع (إرفع صوتك) "نواجه الأفكار الدخيلة والغريبة بتقديم التعريفات الحقيقية لإسلام التسامح والرقي من أجل بناء الأسرة والمجتمع ونقوم بتوعية شبابنا من النصوص ومفاهيم السنة التي وظفها لأغراضه".

ويضرب الإمام مثالاً عن المفاهيم المغلوطة التي يروجها التنظيم. كالردة والجهاد، لكنه يركز في خطبه مثل غيره من الأئمة على أن القرآن خال من "المصطلحات الحربية" و"مفهوم الإمارة" التي ينشرها داعش. ويوضح للمصلين أيضاً، ماهية ميثاق المدينة وهو ميثاق المواطنة الذي يقضي بالتعايش مع الآخرين (من كافة المذاهب) داخل المدينة الواحدة، ويتم رفض مفهوم الكفر بالمفهوم الداعشي لأنه تبني أفكار الجاهلية والقتل.

دور خجول

لكن قدرة المساجد في التأثير على الفكر لا تزال خجولة والسبب يكمن "في التضييق الذي مورس على السنة من خلال الوهابيين الذين ينفقون مئات الدولارات على المراكز الإسلامية في الدول العربية وهم يملكون ضعف الإمكانيات المالية"، حسب عاشور.

ويشير الإمام أيضاً إلى أسباب سياسية واجتماعية أخرى ساهمت في إضعاف تأثير الأئمة على عقول المصلين، من ضمنها ظهور دعاة شوهوا مفاهيم السنة لخدمة الإسلام السياسي مثل القرضاوي، وإطلاق عفو عام بعد الثورة أعاد إلى الحياة السياسة شبانا ارتكبوا أعمالاً إرهابية وجرائم حق عام أو جرائم عسكرية، قبل تاريخ 14 كانون الثاني/يناير 2011، وأساءوا للدين والوطن. فاعتقد آخرون أنه بإمكانهم الانخراط بأعمال عنف مماثل.

كما ساهم غياب مشروع وطني واضح أمام الشباب في زيادة دوافع انخراطهم في الجماعات المتشددة، لأنهم أصبحوا أمام واقع اقتصادي أو اجتماعي باتت فيه الجماعات الإرهابية تمثل متنفساً لتحقيق مطلبهم في الحياة.

ومن أجل زيادة دورهم وزيادة تأثيرهم في المجتمع، يطالب أئمة المساجد الحكومة بقانون يحميهم من الاعتداءات الإرهابية "يتعرض الكثير من الأئمة إلى الاعتداءات بسبب مقاومتهم لأفكار هؤلاء المتشددين (أثناء خطبهم في الجامع)"، حسب عاشور.

جهود إضافية: المثقفون في مواجهة الإرهاب

وبجهود مماثلة لتلك التي يبذلها الأئمة في المساجد، تسعى مجموعات شبابية لمحاربة داعش وغيرها من التنظيمات في الأحياء الفقيرة. منها مجموعة "فني رغماً عني" المؤلفة من شباب من الأحياء الشعبية التونسية.

وتعمل المجموعة على تأسيس فضاءات ثقافية ضمن المدارس، تدرب الطلاب على تقنيات مسرح الشارع وتنقلها بعدئذ إلى عرض أوسع في الساحات العامة في المجتمعات المحلية.

وقد لا تناقش هذه المنظمات من خلال عروضها استغلال داعش للسنة، وذلك بسبب النسيج المتجانس للمجتمع التونسي (ذو الغالبية  السنية)، لكنها تركز على ضرورة التعايش السلمي في ظل الاختلاف الفكري الذي يجمع بين أطياف المجتمع الواحد وخاصة في الأحياء الفقيرة التي تواجه تهديداً لمخاطر التطرف.

يقول سيف الدين جلاطي، مدير المجموعة، لموقع (إرفع صوتك) "لمسنا تفاعلاً من الناس من خلال العمل الأخير الذي قدمناه في مدرسة ابتدائية منطقة القصرين الحدودية بين تونس والجزائر وأسميناها فضاء الشعانبي" والقصيرين هي منطقة يقع فيها جبال الشعانبي وتعتبر من أبرز المواقع التي تتعرض لتفجيرات وعمليات إرهابية من قبل داعش وكتيبة عقبة بن نافع.

وعلى الرغم من أن المجموعة تقدم عملاً لعامة الناس بكافة الفئات العمرية، لكن يبقى تأثيرها خجولا أيضاً. ويقول جلاطي "هناك نقص في تسليط الضوء على مبادرات كهذه من قبل الأجهزة الحكومية".

*الصورة: مسيرة في تونس ضد التشدد- حيث يصاحب الجهد الحكومي جهود من قبل المجتمع لمكافحة الإرهاب/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".