بقلم حسن عبّاس:
يحاول البعض ربط جرائم داعش بالطائفة السنّية على أساس أن إرهابيي التنظيم هم من أبناء هذه الطائفة. لكن نظرة إلى واقع ما يحصل في سورية والعراق يثبت أن جرائم هذا التنظيم طالت بشكل أساسي السنّة لا أبناء الطوائف الأخرى.
حقيقة الأمر أن فكر داعش التكفيري يستهدف كل أقلية تخالفه عقائدياً ولكنه أيضاً يستهدف الأكثرية الكبيرة من السنّة الذين يختلفون معه على تفسيره للشريعة.
والسؤال هو لماذا يستهدف داعش السنّة بشكل أساسي؟ عن ذلك، أجاب الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنيّة معتبراً أن استراتيجية داعش هي السبب وراء ذلك.
اقرأ أيضاً:
رجل مغربي: يحرجني مذهبي الديني
شانيل تحت الوصاية
وقال لموقع (إرفع صوتك) إن "استراتيجية داعش العسكرية قامت أساساً على فكرة التمكين، أي السيطرة المكانية على مناطق ولم تقم على مجرّد القيام بهجمات انتقامية كما الحال مع تنظيم القاعدة"، وأضاف "بالتأكيد لا يمكن أن يسيطر إلا على مناطق سنّية".
وتابع "أولوية داعش هي قتال ما يسمّيه بالعدو القريب، يعني مَن يعتبرهم مرتدّين، وهم مسلمون سنّة، وبعد ذلك تأتي محاربة مَن يسميهم بالصفويين، أي الشيعة، ثم محاربة مَن يسمّيهم بالصليبيين، أي الغربيين".
سنّة العراق... الضحية الكبرى
بيّن مسار الأحداث أن داعش لا يقبل مشاركة أحد في الهيمنة. فقضى تدريجياً على كل تشكيل عسكري أو سياسي مناوئ له، حتى تلك المتطرّفة التي تقترب منه في أفكارها المغالية.
وشرح أبو هنيّة أن داعش عمل على تجريد خصومه السنّة من عناصر قوّتهم.
ونفّذ داعش منذ البداية عمليات اغتيال للأئمة ورجال الدين المناوئين له أو الذين يفضّلون الإبقاء على خصوصية لهم في علاقتهم مع الناس.
ففي الموصل، قتل التنظيم في الأشهر الأولى بعد سيطرته على المدينة أكثر من 50 رجل دين مرّة بحجة انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين ومرّة أخرى بسبب موالاتهم لفصائل ترفض الاندماج في التنظيم.
وفي مدينة الفلوجة، قتل أكثر من 30 عالم دين من الدعاة وأئمة المساجد.
وبالإضافة إلى استهدافه رجال الدين، استهدف داعش أصحاب الكفاءات العلمية الذين رفضوا مبايعته، فسقطت غيلةً نتيجة ذلك عشرات الضحايا، منهم على سبيل المثال لا الحصر عميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة الفلوجة الدكتور خليل خلف جاسم.
وفي الموصل اغتال في أشهر أكثر من 70 طبيباً وممرضاً.
ومن جانب آخر، راح التنظيم الإرهابي يغتال القيادات المحلية التي لم تواليه، فاغتال أكثر من 30 مختار منطقة.
ومن أبرز الاغتيالات التي نفّذها لمنع المجتمعات المحلية من تنظيم نفسها بعيداً عنه، عملية اغتيال الشيخ أحمد خزعل في الفلوجة لأنه كان يحظى بنفوذ محلي ويطالب بتشكيل لجنة من وجهاء المدينة وأئمة المساجد لإدارة المدينة وإعادة عمل الدوائر المدنية والخدماتية.
احتكار حمل السلاح
وعلى صعيد آخر، برزت سياسة استهداف داعش لكل الفصائل السنّية المقاتلة مع أن عدداً كبيراً منها هو فصائل متطرّفة وتناصب الحكومة العراقية العداء لا بل أنها مثله تدعو إلى "الجهاد".
لكن حتى هذا التقاطع معه لم يشفع لها، فداعش يكره الشراكة مع أيّ كان.
وفي هذا الإطار، راح يتهم بعض الفصائل بأنها "صحوات"، مشبهاً إيّاها بالفصائل التي رضيت في مرحلة معيّنة التعاون مع السلطات الرسمية الأميركية والعراقية من أجل استعادة الأمن والاستقرار.
ففي قضاء أبي غريب، اغتال داعش أكثر من 300 عنصر وقيادي ينتمون إلى تنظيم "كتائب ثورة العشرين".
وتبقى أفظع جرائم داعش تجاه خصومه السنّة ما ارتكبه بحق أبناء عشائر البونمر المعارضة له والتي قاتلته لمدّة تسعة أشهر.
فبعد محاصرة مناطقهم وإنهاكهم، دخل التنظيم إلى مناطقهم ولكنه لم يرأف بهم فأعدم أكثر من 400 شاب وشيخ منهم.
سورية: السنّة يتصدّرون ضحايا الإعدامات
ولا يختلف الوضع في سورية عنه في العراق.
ولا شك في أن أفظع الجرائم بحق السنّة السوريين هي تلك التي ارتكبها بحق أكثر من 930 مواطناً من أبناء عشيرة الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي.
وفي تقرير أصدره في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان 4441 حالة إعدام نفّذها داعش، منذ إعلانه عن "خلافته" في 29 حزيران/يونيو 2014 حتى 29 أيلول/سبتمبر 2016.
واللافت أن 2421 شخصاً من هؤلاء الضحايا هم مدنيون وبينهم 86 طفلاً و131 امرأة.
وطبعاً لا ننسى إعدامه عشرات الأسرى من مقاتلين ينتمون إلى فصائل عسكرية مسلّحة على خصومة معه وبعضها متطرّفة مثل جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وغيرها.
بجرائمه التي أرعبت المجتمعات المحلية، نجح داعش في منع أي انتفاضة ضدّه، ولكن قد تسفر ممارساته لاحقاً عن أمور ترتد عليه.
فعلى سبيل المثال، وصف أبو هنيّة الموصل بأنها "حاضنة اضطرارية لداعش لا اختيارية"، شارحاً أن سبب تقبّل داعش هو عدم وجود بديل له في ظل أزمة طائفية حادّة.
ولاحظ أبو هنيّة أن "داعش غطاؤهم السنّة ومشكلتهم الأساسية مع السنّة، فالسنّة هم حاضنتهم وهم خصمهم الأول في الوقت نفسه".
وخلص الباحث الأردني إلى أن محاربة داعش تحتاج في النهاية إلى إطار سنّي، محذّراً من أنه إذا لم تُحلّ الأزمة السنية لن يتحقق السلم وقد يختفي داعش ليظهر تنظيم آخر بعد فترة.
*الصورة: مقاتلان من العشائر السنية في الأنبار/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659