المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

منذ إعلان خلافته المزعومة على عدة مناطق في سورية والعراق، قدّم تنظيم داعش الإرهابي نفسه كممثل للمسلمين السنة، على الرغم من استهدافه لهم أيضاً وكذلك استهدافه الشيعة والمسيحيين والأيزيديين وطوائف وقوميات أخرى. لكن معظم أهل السنة الذين تحدّث معهم (إرفع صوتك) في المغرب يقولون إنّهم براء مما يدعيه تنظيم داعش، وإنّهم لا يرتضون بمن يمثلهم بسفك الدماء وخراب الأرض.

داعش لا يمثل السنة

جلال لكحل، 37 عاماً، مواطن مغربي يرى أن التأويل المتشدد للدين ساهم في فسح الطريق أمام داعش لتقديم نفسه ممثلا لأهل السنة والجماعة، خاصة بعد بروز تيارات متشددة تفسر الدين بما يتماشى مع أهوائها، على حد تعبيره.

ويستطرد جلال بقلق يبدو على محياه "لا ننكر أن في الطائفة الإسلامية السنية تيارات متشددة، لكنها تبقى منحصرة في بعض الأئمة والشيوخ الذين غالوا في تشديد أحكام الدين، وهو ما اتخذه تنظيم داعش مبررا له للقيام بجرائمه التي يندى لها الجبين".

اقرأ أيضاً:

لماذا أكثرية جرائم داعش ارتُكبت بحق السنّة؟

عراقي ينادي عبر (إرفع صوتك): أغيثوا ضحايا الإرهاب وذويهم

وبنبرة تملؤها الحسرة والتأسف على حال المسلمين اليوم، يضيف جلال في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أن أتباع المذهب السني لا يعترفون بداعش ولم يمنحوه شرعية تمثيلهم، بل يحاربونه بكل ما أوتوا من قوة، وخاصة بفضح ادعاءاته وأفكاره المغلوطة حول الإسلام.

فاطمة الزهراء، 23 عاماً، طالبة في كلية الاقتصاد بالرباط، ترى أن داعش أهان الإسلام والمسلمين عموما والسنة على وجه الخصوص، بادعائه تمثيلهم، "غير أنه للأسف وجد في التيارات السنية المتطرفة من يدعمه، ليزيد في غيّه من دون قيود، ما دام أهل السنة يتحاشون محاربته لدواع دينية لا نفهمها".

وتضيف الشابة المغربية بتأثر "نحمد الله أن المغرب لا تتواجد فيه طائفية كتلك التي في بعض بلدان الشرق الأوسط الشقيقة، وإلا فإن الأمور كانت ستسوء ما دام التيار السلفي متجذر في المجتمع المغربي، ويتحاشى الحديث عن داعش وجرائمه في حق الأبرياء"، قبل أن تستدرك بالقول "هذا ليس معناه أن السلفيين يدعمون داعش، بل هناك فئة متشددة منهم تتغاضى عن الخوض في ما يدعيه داعش".

المذاهب الإسلامية بريئة

في محطة لسيارات الأجرة الصغيرة بالعاصمة الرباط، يجلس الحسن، وهو شيخ ستيني، وسط سيارته التي يعمل بها سائقا لسيارة الأجرة الصغيرة، ويستمع بإمعان لبرنامج ديني تبثه إذاعة دينية مغربية حول التدين الصحيح، وعند مبادرته بالسؤال حول زعم داعش تمثيله لأهل السنة، انتفض وقال إن ذلك غير صحيح "والإسلام بريء من هذه الافتراءات".

"لا يقتصر الأمر على المسلمين السنة أو الشيعة، بل إن داعش لا يمثل أي مسلم كيفما كانت طائفته وتوجهه، إنه يمثل نفسه فقط"، يضيف الشيخ الستيني وعلامات الغضب تسيطر على كلماته.

ويستطرد الحسن أن فهم الدين بشكل صحيح، ومواجهة داعش بنقيض ما يدعيه ظلما وعدوانا على الإسلام، سيظهر للعالم بأن هذا التنظيم لا أساس ديني له كما يزعم، بل همه تشويه الإسلام، وتنفير الناس منه بغية السيطرة على أرزاقهم وأموالهم كما نرى ذلك في لييبا والعراق وسورية.

التفرقة تغذي داعش

في منتصف الطريق، يلتحق بنا مواطن أربعيني فضل عدم ذكر لقبه العائلي والاكتفاء باسمه الشخصي، رشيد، ىسرعان ما شارك في نقاشنا مع سائق السيارة، ليعبر بغضب شديد أن داعش أضحى وصمة عار في جبين كل مسلم وخاصة السنة، "حتى أنني أجد حرجا في الإعلان عن مذهبي الديني مخافة تصنيفي ضمن خانة داعمي داعش، ما دام يقدم نفسه ممثلا شرعيا للسنة" يقول رشيد.

ويضيف رشيد، الموظف في إدارة عمومية، أن حالة الانقسام التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم بين التيارات والطوائف الدينية، تعتبر مغذيا أساسيا لداعش "الذي يجد قوته في اختلاف وتشتت المسلمين، ليقدم نفسه ممثلا لهم وخليفة سيوحدهم تحت راية الإسلام".

"أهل السنة والجماعة بكل أطيافهم ليسوا في حاجة لمن يمثلهم بالإرهاب"، يقول رشيد، بل يحتاجون إلى التوحد على كلمة واحدة للوقوف كالصف المرصوص في وجه هؤلاء الطغاة الذين مرغوا رؤوسنا في التراب أمام باقي الديانات، "حتى صرنا نتحاشى أن نعلن عن توجهنا الديني".

*الصورة: "لا ننكر أن في الطائفة الاسلامية السنية تيارات متشددة/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".