بقلم خالد الغالي:

ما الذي يمكن أن يجمع السعودية والأزهر ومنظري السلفية الجهادية؟

الجواب: الثلاثة يعتبرون أن داعش خوارج. فشهران فقط بعد إعلان تنظيم داعش "الخلافة" في حزيران/يونيو 2014، أصدر المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، بيانا يصف فيه التنظيم المتشدد بـ"الخوارج". أما الأزهر فوصف مقاتلي داعش، في بيان في آذار/مارس 2015، بأنهم "خوارج وبُغاة يجب على ولاة الأمر قتالهم... فهم لا يختلفون شيئا عن الخوارج الذين تمردوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه واتهموه بالكفر".

https://twitter.com/AlAzhar/status/572846589196312576

ويعد صدور وصف كهذا من هيئة كبار العلماء والأزهر تجاه داعش أمرا طبيعيا. إلا أن المفاجأة تكمن في أن كبار الشيوخ المحسوبين كمنظرين للتيار السلفي الجهادي انضموا إلى لائحة من يرون أن داعش خوارج. بل إن الشيخ السلفي السوري أبا بصير الطرطوسي كان أحد أوائل من أطلقوا هذا الوصف بداعش منذ بداية سنة 2014، أي حتى قبل سيطرتهم على الموصل وإعلان الخلافة.

https://twitter.com/Abubaseer123/status/423313791271456768

وكرر الطرطوسي هذا الوصف في فتوى له، في تموز/يوليو 2014، ردا على إقدام داعش على تفجير قبور ومساجد إسلامية قديمة في الموصل. وتبعه على النهج ذاته الشيخ الأردني أبو قتادة الفلسطيني الذي وصف داعش بـ"كلاب أهل النار"، وكذا المحامي والداعية السلفي المصري المؤيد للقاعدة هاني السباعي. أما آخر المنضمين إلى القائمة، فليس إلا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي وصف داعش في شريط صوتي له، في أيار/مايو 2016، بـ"الخوارج الجدد" و"التكفيريين الجدد".

داعش يدفع التهمة

لم يكن لداعش أن يصبر على وصف مثل هذا، خاصة أنه يضرب بعمق ادعاءه أنه حركة سلفية على منهج أهل السنة والجماعة. وانبرى منظروه لدفع التهمة، وكتب عضو "الهيئة الشرعية" في التنظيم، البحريني تركي البنعلي رسالة من 22 صفحة خصصها كلها لرد تهمة الخوارج. جاءت الرسالة بعنوان "تبصير المحاجج بالفرق بين رجال الدولة الإسلامية والخوارج"، قبل أن يتبعها برسالة ثانية ردا على الأردني المتشدد أبي قتادة الفلسطيني، بعنوان "الإفادة في الرد على أبي قتادة".

للخروج بنتيجة مفادها أنه لا علاقة لداعش بالخوارج، اعتمد البنعلي مقاربة تقوم على مقارنة الأصول العقدية لتنظيمه بأصول فرق الخوارج الأولى. هكذا فإن داعش، حسب ادعاء البنعلي، لا يقول بتكفير مرتكبي كبائر الذنوب ولا يكفر عموم المسلمين، ولا يتبرأ من الصحابة الذين تبرأ منهم الخوارج الأولى كالخليفتين علي وعثمان، كما أنه لا يسقط بعض الحدود الشرعية التي أسقطها الخوارج مثل رجم الزاني المحصن. ويضيف البنعلي أن الخوارج لا يشترطون أن يكون الأمير من قريش، بينما داعش يرفض إمارة غير القرشي، متبعا في ذلك مذهب غالب أهل السنة. بل إن البنعلي يتوسع ليناقش الصفات المظهرية التي عرف بها الخوارج الأولون، فيقول إنهم كانوا -كما تنبأت بذلك الاحاديث النبوية- يحلقون رؤوسهم، أما رجال داعش فلا يفعلون ذلك.

ولم يفت منظر داعش التلميح إلى أن الدولة السعودية الأولى، التي أسسها محمد بن سعود بدعم من الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كانت بدورها عرضة لتهمة الخوارج حتى من قبل علماء معروفين في العالم الإسلامي. واعتبر البنعلي أن "التاريخ يعيد نفسه" مع داعش.

وتوالت الردود على داعش، مكذبة التنظيم في ادعائه عدم تكفير المسلمين واستباحة دمائهم ومشددة على أن الصفات سابقة الذكر، على غرار التكفير بكبائر الذنوب والتبرأ من الصحابة، هي مجرد معالم عرفت بها فرق الخوارج الأولى تاريخيا وليست معايير أو ضوابط شرعية في تصنيف  الخوارج.

https://twitter.com/islamicsham/status/492624680587509761

تقول فتوى لهيئة الشام الإسلامية، وهي مؤسسة سلفية لها أكثر من فرع في سورية، "ليس في النصوص الشرعية ما يدل على أن من شرط الخوارج أن يخرجوا على إمام المسلمين، أو يكفروا بكبائر الذنوب. وما هذه التعريفات والأصول التي ذكرها أهل العلم للخوارج إلا ضوابط تقريبية ومعالم لوصف ما آلت إليه فرق الخوارج في عصورهم". أما الضابط المعتبر، تؤكد فتوى الهيئة، والقول الفصل في تعريف الخوارج وإلحاق هذا الوصف بطائفة أو فرقة من الفرق فهو ما ورد في النصوص الشرعية، وقد فصلت السنة النبوية في صفات الخوارج.. ومن أهمها: التكفير، واستباحة الدماء، وسوء الفهم لنصوص القرآن والسنة، والطَّيش والسَّفه.. و"هذه الأوصاف منطبقة على تنظيم الدولة أشدّ الانطباق"، تشدد الفتوى.

*الصورة: يرفض داعش وصفه بالخوارج/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".