بغداد – بقلم دعاء يوسف:

أثارت قدرة داعش في السيطرة على بعض المدن، التي عرف عنها أنها ذات أغلبية سنية، تساؤلات وتحليلات واتهامات لعدد من العراقيين من مختلف الأديان والمكونات العرقية في مدى صحة ما يتداول عن أن داعش "يمثل السنّة".

من ضد داعش أو معه؟

يقول حيدر الدايني، 37 عاماً، وهو يعمل في معرض لبيع السيارات ببغداد، إنّ داعش لا يمثل السنّة. "ليس ذلك على الأقل بالمعنى الكامل، فغالبية السنّة في بداية ظهور داعش لم يحددوا انتمائهم  مع أو ضد هذا التنظيم".

ويعتقد أنّ هذا يعود لخوفهم من تداعيات الموقف. ويسرد حيدر، وهو من أبناء الطائفة الشيعية، قصة صديقه الذي كان يخشى الحديث عن داعش بسوء رغم أنه قد نزح من مدينة صلاح الدين منذ العام 2014. كان يخشى ويخاف على أقربائه الذين لم يستطيعوا الفرار من المدن التي سيطر عليها هذا التنظيم.

"كان يبدو قلقاً ومتوترا كلما طرح اسم هذا التنظيم... لم يكن يعرف من ضد داعش أو معه"، حسب قوله.

ويضيف "ربما هذا الأمر كان القشة التي قصمت ظهر البعير وما دفع مكونات المجتمع العراقي إلى اتهام السنّة بأن داعش يمثلهم".

مراحل ظهور داعش

"لا أعلم إلى أين يرجع العداء بين السنّة وبقية المكونات الدينية في العراق، هل هو خلاف ديني بالفعل؟"، يتساءل استيفان شيت، 29 عاماً، وهو من أبناء المكون المسيحي.

ويقول الشاب الذي يعمل الآن في مطعم شعبي ببغداد، في حديث لموقع (إرفع صوتك)، "أحيانا تدفعنا ممارسات هذا التنظيم الإرهابي لصب غضبنا على الدين الإسلامي، وخاصة المذهب السني، وكأننا نصدق من دون تفكير أن داعش يمثلهم".

ويضيف ستيفان الذي ما زال حتى الآن غير مقنع بأن داعش يمثل السنّة "ربما يعود سبب الاتهامات الموجهة للسنة لمراحل ظهور داعش في المدن التي يسكنون فيها، إذ أصبحت جماعات السنّة المعارضة للحكومة تعرف باسم داعش بعد أن بسط نفوذه في السنوات الأخيرة".

عداوة واقتتال طائفي

ولا يتهم جبار أجود، 54 عاماً، السنّة بالتواطؤ مع داعش. "قد نصرخ بأن داعش يمثل السنّة، لكن هناك حقيقة هامة في ذلك، وهي أن السنّة تعرضوا أيضا للقتل على الأراضي التي كانت بقبضة هذا التنظيم الإرهابي. فهل يعد ذلك القتل لمئات من أبناء الطائفة السنية في تلك الأراضي مجرد صدفة؟".

ويضيف جبار، وهو من أبناء الطائفة الشيعية، ويعمل في محل لبيع الملابس النسائية ببغداد "بالنسبة للسنة عموماً قد لا يكون هناك مجالاً لتصديقنا أن داعش يمثلهم، لكن ما حدث خلال أعوام الاقتتال الطائفي يدفع لاتهامهم".

ويشير إلى ضرورة تكاتف وتعاون جميع مكونات الشعب العراقي وأديانه لتغيير الأفكار السلبية التي اتسعت رقعتها في المجتمع عن أن داعش يمثل السنّة.

تأجيج الصراعات

ويتهم صلاح الربيعي، 33 عاماً، وهو من أبناء الطائفة الشيعية، الدول المجاورة للعراق ووسائل إعلامها بتأجيج الصراعات الشيعية-السنية في العراق ودعم مزاعم أن داعش يمثل السنّة.

ويضيف الشاب الذي يعمل في محل بيع وتجهيز الأدوات الكهربائية "لعل الاتهامات التي تطلق بين الحين والآخر حول الحشد الشعبي العراقي الذي يقاتل داعش الإرهابي، واعتباره قوات إيرانية شيعية غرضها القضاء على السنّة المساندين للسعودية في العراق، هي التي جعلت لمزاعم داعش في تمثيلهم للسنة مؤيدين".

ويشير إلى أن الإشاعات التي تطلق على مدار السنوات الماضية ضد شيعة العراق بدت وكأنها تساند هذه المزاعم.  "وبغض النظر ما إذا كانت حقيقة أم لا، فإن الكثير من مكونات المجتمع العراقي أظهروا شيئا من  تضامنهم مع المزاعم".

ويتابع "الذين تضامنوا مع هذه المزاعم أو على الأقل تأثروا بها قد تناسوا أن الكثير من أبناء الطائفة السنية اليوم قد تطوعوا لمحاربة داعش بقوات الحشد الشعبي وغيرهم انتسبوا للجيش العراقي لمساندته في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي".

حملات مضادة

وحتى الآن، تواجه مزاعم داعش بتمثيلهم للسنة حملات مضادة من مختلف مكونات المجتمع العراقي. يقول شاهر جبر، 28 عاماً، وهو من أبناء الصابئة المندائية، إنّ "حملات التعايش السلمي ونبذ الكراهية والعنف والطائفية التي يحرص الشباب على إدامتها من شأنها أن تضرب هذه المزاعم".

ويعتبر ذلك الأمر إلى جانب مساعدة النازحين من مختلف المكونات والمذاهب الدينية العراقية بين المدنيين هو دليل على أن العراقيين لا يصدقون أو يلتفتون لمزاعم داعش بتمثيلهم للسنة.

ويشير شاهر، الذي يعمل في محل لبيع التحف والأنتيكات القديمة ببغداد، إلى أنه يمكن أن يكون هناك شك قليل في أن هذه المزاعم التي أطلقت كانت لتوريط السنّة وإشعال الفتنة وتأجيج الصراعات أكثر، وبالتالي تصب الأمور في مصلحة داعش في أن يبقي على سيطرته لأطول فترة ممكنة.

"على سنة في العراق أنّ يفعلوا شيئاً لوقف هذه المزاعم والاتهامات، كأن  يشاركوا كلهم في حملات التعايش السلمي والتطوع بمعارك القضاء على هذا التنظيم"، يقول الشاب في إشارة لضرورة الخروج من الأزمة التي تواجه السنّة للحد من مزاعم داعش في تمثيله لهم والتصدي لها.

*الصورة: "على سنة في العراق أنّ يفعلوا شيئاً لوقف هذه المزاعم والاتهامات"/إرفع صوتك

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".