المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

بوجه بشوش يقف بجانب عدة شباب يراقبهم ويوجههم في أداء مهاهم في المشروع الذي افتتحه في منطقته الفقيرة، والتي تشهد نسبة بطالة مرتفعة، أملا منه في رد الجميل لهذه البلدة التي ترعرع  فيها، وغادرها إلى أوروبا بحثا عن مستقبل أفضل، بعدما ضاقت به سبل الاستمرار فيها.

رحلة الرعب

قاسم بنصالح، مواطن مغربي تجاوز عقده الرابع بقليل. غادر قريته الأم  نواحي مدينة وزان، خلال تسعينيات القرن الماضي عبر قوارب الهجرة السرية باتجاه أوروبا، حيث استطاع الوصول إلى السواحل الإسبانية سباحة، بعدما قام المهرب برميهم على بعد عدة أميال من اليابسة خوفا من خفر السواحل الإسباني.

في حديثه لموقع (إرفع صوتك) يحكي قاسم، كيف تمكن من النجاة بعدما ارتمى بين أحضان أمواج البحر الأبيض المتوسط في ليلة ظلماء، لينجو بأعجوبة حين قذفته الأمواج إلى اليابسة.

"استفقت منهك القوى ووجدت نفسي ملقى على الشاطئ، إلا أنني قاومت واتجهت صوب أقرب تجمع سكني بإحدى البلدات الإسبانية، وهنا بدأت حكايتي مع الغربة"، يروي بنصالح الذي يشير إلى أنّه كان أمام مفترق طرق، إما أن يسلم نفسه للشرطة لتعيده إلى بلده حيث السجن ينتظره، أو العيش متخفيا بين الإسبان في انتظار فرصة عمل تحقق مراده الذي أتى من أجله.

وبحسرة يتذكر بنصالح كيف غادر المغرب في اتجاه المجهول من دون أن يدري أحد بمصيره. "غادرت بلدتي وأنا في سن الـ25، لم أودع أسرتي ولا أصدقائي، كان همي أن أغادر المغرب لأضمن مستقبلي، بعدما يئست من البطالة والبؤس الذي تعيشه أسرتي ومئات من الشباب مثلي".

نقطة التحول

ويمضي بنصالح في سرد قصة هروبه من الفقر إلى ما وصفه بـ "الفردوس الأوروبي آنذاك"، بالقول "اشتغلت في كل المهن، من راع للخنازير ومنظف للإسطبلات، إلى حارس ليلى في إحدى التجمعات السكنية". وبعد تسوية وضعيته القانونية، وتحوله من مهاجر غير شرعي إلى مهاجر شرعي يملك أوراق إقامته، افتتح بنصالح مطعما للطبخ المغربي، وهو مشروع صغير أدرَّ عليه أموالا وفيرة، وهنا كانت نقطة التحول نحو تحقيق الحلم.

ويتذكر بنصالح كيف زرع الحماس في مهاجرين مغاربة لإنشاء مشاريعهم الخاصة إسوة بما فعله، حيث يقول "منَّ الله علي برزق وفير خلال السنوات الأولى لافتتاح مشروعي، وقمت بتوسيعه لاستقطاب زبائن جدد من مختلف الجنسيات، كما كنت أبحث عن المهاجرين المغاربة لأشغلهم معي، دون تركهم عرضة للإهانات التي تعرضت لها سابقا، وكذا لتشجيعهم على تسوية وضعيتهم والحذو مثلي بإقامة مشاريع ذاتية صغيرة".

حلم التغيير

ويحكي بنصالح قصة عودته للمغرب، وكيف وجد الظروف كما تركها ليبدأ بالتغيير من نقطة الصفر. "عدت للمغرب قبل خمس سنوات وكلي أمل في أن أساهم بالتغيير الذي حلمت به في شبابي"، ويقول إنه قرر أن يفتتح مشروعا يمكّن شباب المنطقة من الاشتغال ومحاربة البطالة، وبالتالي تكوين مشاريعهم الخاصة، "عوض الارتهان لليأس وانتظار المجهول".

"منطقتنا غنية بخيرات الطبيعة، ومن ضمنها زيت الزيتون، لذا كانت الفكرة أن نقوم بجمع الزيتون وعصره وتصديره للخارج، حيث الطلب مرتفع على هذا المنتوج المغربي الأصيل"، يتابع بنصالح مشيراً إلى أنّ 10 شباب عملوا معه في البداية وسرعان ما تضاعف العدد ليصبحوا اليوم أكثر من 34 فردا يزاولون عملهم بشكل مستمر، إضافة إلى عشرات الشباب والشابات ممن يشتغلون معهم بشكل موسمي.

وهكذا أصبحنا نشكل خلية تشتغل بحماس في البحث عن أجود ثمار الزيتون بمنطقة تاونات ووزان، أدرنا عجلة الاقتصاد المتوفقة منذ عقود بهذه المنطقة المهمشة، وساهمنا بالتعريف بمنتوج مغربي أصيل على مستوى العالم، يضيف بنصالح.

مشروع إنقاذ

محسن ورشيد، أخوان انضما لمشروع بنصالح منذ بدايته، وأصبحا مشرفين على العمال نظرا لخبرتهما في المجال، يعبران بارتياح كيف أنقذهم السيد بنصالح من براثن البطالة والفقر، وأعاد لهم الأمل في المستقبل.

يقول محسن لموقع (إرفع صوتك) "لم تسعفني ظروف عائلتي المادية لإتمام دراستي، وغادرت مقاعد الدراسة في سن مبكر، وكذلك أخي، لنقرر العمل في ميدان الزراعة، نشتغل أسبوعا، ونتعطل شهورا، لكن مشروع السيد بنصالح أعاد فينا روح المبادرة والبحث عن البديل عوض النكد وانتظار المعجزات".

فيما يدين رشيد بالفضل للسيد بنصالح الذي شجعه على العمل رغم عدم اقتناعه في البداية بجدوى المشروع، حيث يقول لموقع (إرفع صوتك) "لم أكن مقتنعا بالفكرة ظنا مني أنني سأشتغل مياوما كعادتي، إلا أني اكتشفت فيما بعد أن الأمر لا يحتاج سوى للإرادة نحو التغيير للبداية في شق مشوار النجاح".

*الصورة: أشجار زيتون في المغرب/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".