بقلم حسين الوادعي:
بعد كل عملية إرهابية، تتعالى أصوات السياسيين والمفكرين بضرورة تزامن المواجهة العسكرية مع المواجهة الفكرية للإرهاب.
لكن الحرب الفكرية لم تبدأ بعد. وأتوقع انها لن تبدأ ما لم تنفتح ثغرة في النفق المسدود.
أحد أهم الأسباب أن القاعدة وداعش ليس لهم أفكارهم الخاصة، ولا مرجعياتهم الخاصة، وإنما ينهلون من نفس المرجعيات التي ينهل منها بقية الحركات والمذاهب الإسلامية.
الأفكار المحركة لداعش مثلا هي: الجهاد والشهادة وتحكيم الشريعة والدولة الإسلامية (الخلافة) والتكفير والحاكمية والولاء والبراء والفرقة الناجية. وهذه الأفكار ليست غريبة أو معزولة، بل مشتركة في الموروث الإسلامي القديم والمعاصر. غير أن داعش تفسرها بطريقة أكثر راديكالية.
والمواجهة الفكرية المفترضة مع داعش لا شك أنها مضطرة لمواجهة هذه الأفكار ونقدها وتأسيس اختلاف جذري مع داعش حول الطريقة والهدف معا.
بعبارة أخرى: يرفض أغلبية المسلمين "أفعال" داعش والقاعدة الإرهابية وليس "أفكارهما". والاختلاف معهما لا زال اختلافا حول "الطريقة" وليس حول "الهدف"!
إذا اقتربنا من الرموز الفكرية لداعش، سنجد أيضا أنها رموز مشتركة مع نسبة كبيرة من المسلمين. لا يزال ابن تيمية مثلا المرجعية الرئيسية لفتاوى الجهاد والتكفير لمعظم الجماعات الإرهابية من جماعة الجهاد في السبعينيات وحتى داعش اليوم. كما يعد محمد بن عبد الوهاب المصدر الرئيسي لأفكار "الشرك" والتكفير والـ "لا تسامح" تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى.
وإذا كانت داعش قد أعلنت تأسيس الخلافة الإسلامية عام 2013، فإن حسن البنا هو صاحب فكرة بعث الخلافة كشرط ضروري لنهضة المسلمين وتحويلها إلى هدف أعلى للجماعات الإسلامية من بعده.
إلى جانب ذلك، لعب المودودي وسيد قطب دوراً محورياً في خلق "الأيديولوجية الإسلامية" بتحويل الإسلام إلى نظام شامل وشمولي شبيه بالشيوعية أو الفاشية، وأسسا لفكرة "الجاهلية المعاصرة" التي تقذف بأغلبية المسلمين خارج دائرة الإسلام.
ونصل لذروة الأيديولوجيا الإسلامية الجهادية عند عبد الله عزام، منظّر الجهاد العالمي الذي بدأ بـ "نصرة المسلمين" في أفغانستان ثم توسع على نفس المبدأ ليشمل نصرة المسلمين في كل مكان. وليصبح "الجهاد" هو القيمة الأعلى في الإسلام.
ابتلعت الأيديولوجيا الإسلاموية الدين الإسلامي.
وبدون عملية إصلاح ديني جريئة، من المستحيل التفريق بين الدين والأيديولوجيا أو بين المعتدل والمتطرف. وسأذكر أمثلة توضح ما أقصده.
عندما أحرق داعش الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة، استند إلى فتوى لرجل الدين المؤثر ابن تيمية. كما أشار في الفتوى التي نشرها إلى إجماع المذاهب الإسلامية على جواز التحريق. بل إن داعية إخوانيا مشهورا مثل وجدي غنيم لم يُخف مع عملية الحرق وإدانته للطيار. المشكلة أصبحت أكثر تعقيدا عندما اتضح أن الموروث الإسلامي مليء بالفتاوى والأحداث العنيفة التي استخدم فيها حرق المعارضين ابتداء من عصر الخلفاء الراشدين.
وعندما انصدم العالم بجرائم سبي الأيزيديات واغتصابهن، دافع الشيخ صالح الفوزان (وهو عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية) عن مبدأ السبي وأكد أنه حكم ثابت من أحكام الإسلام وأن من يعارضه ملحد وجاهل. الأزهر أيضا كان له صوت قوي عبر الدكتورة سعاد صالح، التي أن السبي حكم ثابت في الإسلام، وأن من حق المنتصر الاستمتاع بالنساء الأسيرات.
وهذا هو المأزق الذي وجدت الدول الكبرى المتضررة من الإرهاب نفسها فيه.
لكن هل يمكن أن نحارب أيديولوجيا من دون أن نذكر اسمها أو "مكوناتها"؟
عندما نمتلك القدرة على تقديم نسخة حقيقية للإسلام المعتدل والمتصالح مع العصر. وهذه مهمة صعبة جداً.
لمتابعة حسين الوادعي على فيسبوك إضغط هنا. وعلى تويتر إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.