بقلم حسن عبّاس:

لا. ليست تلك العين التي يقول البعض إنها تُلحق الضرر بالناس نتيجة نظرة حسد. فهي سبع عيون ترمز إلى سبع مشكلات رئيسية تعاني منها الدولة العراقية وتبدأ كلها بحرف العين.

ولـ"السبع عيون" قصة مع العراقيين. فهي تعويذة شهيرة تعود أصولها إلى العصر البابلي، ويعتقد كثيرون أنها قادرة على إبطال مفعول "نظرات الأعين الشريرة"، ولذلك لا يزالون حتى الآن يعلّقونها على مداخل منازلهم وأماكن أخرى.

اقرأ أيضاً:

مع بدء عملية تحرير الموصل، نصائح لسكان المدينة

هكذا وجد سكان الفلوجة العائدون مدينتهم

في حديثه إلى موقع (إرفع صوتك)، لخّص عميد كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين في بغداد عامر الفيّاض مشكلات الدولة العراقية بسبع نقاط واختار لها تسميات تبدأ كلها بحرف العين.

"العراق تحكمه معادلة الماضي السيئ والمستقبل صعب التحقيق"، قال الفياض شارحاً أن السبب الأول في اللااستقرار العراقي يعود إلى موروث الحكم الواحد وعملية الانتقال الصعبة نحو بناء دولة مدنية ديموقراطية "وما بينهما من مشكلات".

البداية مع تحدّي الإرهاب

"السبب الرئيسي وراء عدم الاستقرار والعبث العام بالأمن في العراق هو أن العراق يواجه تحدّي الإرهاب، ومفتاح تحقيق الأمن هو مكافحة الإرهاب"، قال فيّاض داعياً إلى تركيز التفكير على إنتاج خطاب وطني لمواجهة الإرهاب كي يمكن للقانون أن يأخذ مجراه وللمؤسسات أن تعمل.

وبرأيه، "لا بد من إزاحة مشكلة الإرهاب"، كي يمكن للعراقيين التفكير في المشاكل الكثيرة التي تحول دون نجاحهم في بناء دولة مدنية ديموقراطية.

و"إزاحة الإرهاب تعني كشف الغطاء عن أسباب لااستقرار العراق الأخرى"، قال فيّاض، مضيفاً "أتفهّم مَن يتحدث عن صراع المكوّنات العراقية والتمايز القومي وغبن السنّة وهيمنة الشيعة، لكن الوقت الآن غير مناسب لحلّ هذه المشكلات قبل إزاحة الإرهاب، وهذه الإزاحة هي المفتاح لتوفير البيئة المناسبة لإيجاد حلول للمشاكل الأخرى".

وبرّر الفيّاض وجهة نظره بأن "الإرهاب يسعى إلى تدمير الدولة العراقية ويجب أولاً تقديم معالجات إجرائية للحفاظ على الدولة الوطنية".

السبع عيون

يعاني العراق من مجموعة منوّعة من الأزمات يرى الفيّاض أن المسؤول عنها هو النظام السياسي، ويعني بالنظام السياسي الحكومة ورئيسها والمجلس التشريعي ورئاسة الجمهورية والسلطة القضائية ممثلةً بالمجلس الأعلى للقضاء.

ويسمّي الفيّاض هذه المشكلات بالسبع عيون لأنّه اختار لها أسماء تبدأ بحرف العين، وهي:

1ـ العمى بالأولويات

وهي برأي الفيّاض أم المشاكل وتحضر في مجالات مختلفة، ولذلك تحضر في الأعين-المشاكل الأخرى جميعها. فترتيب الأولويات لدى العراقيين لا يتناسب مع الحالة التي يعيشونها. وقال إنه يجب وضع التصدّي للإرهاب ولهدر المال العام على رأس الأولويات.

2ـ العوز التشريعي

وشرح الفيّاض أن مجلس النوّاب يُصدر تشريعات وفق أولويات غريبة في وقت هنالك عوز في التشريعات الضرورية لبناء وإعادة بناء الدولة، وكّان هنالك "عمى بالأولويات".

وقال إنه منذ عام 2003 حتى اليوم حصلت ثلاث انتخابات نيابية تشكّلت على أثرها ثلاثة مجالس تشريعية. وتساءل "كيف يُعقل أن تحصل ثلاث انتخابات وقانون الأحزاب السياسية لم يُعدّ إلا عام 2016؟".

واعتبر أن أحد أسباب ظهور ميليشيات وتنظيمات عنيفة هو عدم وجود قانون ينظّم الحياة الحزبية. فـ"أيّ كان يفتح مقرّاً ويؤسس حزباً بلا ضوابط"، كما قال.

وأضاف أن دستور 2005 أكّد على ضرورة إقرار قانون النفط والغاز ولكن حتى الآن لم يجرِ ذلك مع أنه قانون تأسيسي كفيل بحلّ كل المشاكل الناجمة عن الخلاف على توزيع عائدات النفط بين الحكومة المركزية والحكومات الاتحادية.

وتابع أنه حتى الآن لا يوجد قانون انتخابات بل يُعتمد على ما يُعرف بـ"أمر بريمر" ومجموعة لوائح تصدر بناءً على رغبات ومصالح نافذين.

3ـ العوق المؤسساتي

وفي هذا الإطار، ضرب الفيّاض مثل عدم تأسيس المجلس الاتحادي (مجلس شيوخ)، مع أن الدستور أكّد على ضرورة تأسيسه ومنحه صلاحيات توازي صلاحيات مجلس النواب.

كما تحدّث عن عدم تشكيل مجلس خدمة عامة، وهو أمر نصّ عليه الدستور أيضاً، وهو مجلس له دور في معالجة مشكلة البطالة، إحدى أبرز الأزمات في العراق، بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات.

4ـ العبث بالمال العام

والعبث بالمال العام، كما شرح الفيّاض، يلحق به عبث بالأمن العام ما يشكّل الأساس لتفاقم ظاهرتي الإرهاب والجريمة المنظمة.

وقال إن العراق متقدّم في مراتب مستوى الفساد عالمياً، وهو أمر ينبغي إيجاد حلول جذرية له.

4ـ العقم الإنتاجي

ولاحظ الفيّاض أن هنالك "خصوبة استهلاكية" في وقت تقصّر الحكومة في بناء مصانع جديدة وإعادة بناء مصانع مدمّرة أو متضرّرة، كما أنها لا تدعم المبادرات الزراعية.

6ـ العجز الخدمي

فالحكومة العراقية، قال الفياض، مقصّرة في تقديم الخدمات الأساسية من كهرباء وصحة وبنى تحتية للمواطنين.

7ـ العرج المعرفي والثقافي

ولفت الفياض إلى أن مستوى التعليم تراجع كثيراً في العراق ونظرة العالم إلى الشهادة العراقية صارت دونية، محمّلاً المسؤولية للنظام السياسي الذي أدت ممارساته إلى ذلك بسبب سياسات المحاصصة والتعيين على أسس مذهبية وجهوية وعشائرية.

وبعد عرض كل هذه المشاكل التي تؤدي إلى تردّي حال العراقيين اعتبر الفيّاض أن الحل يبدأ بالقضاء على الإرهاب وبالتخلّي عن نظام المحاصصة.

وختم بالقول "في العراق رجال سياسة كثيرون ولكن هنالك نقص في رجال الدولة فليس كل سياسي رجل دولة".

*الصورة: امرأة عراقية تمرّ أمام حائط معروضة عليه تعويذات "السبع عيون"/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".