بقلم علي قيس:

ثمة ما يشبه الرأي الشائع أن تنظيم داعش ما كان ليجد أرضا خصبة واستعدادا لاستقبال عناصره لولا وجود عوامل سبقت فترة ظهوره. والناظر إلى خريطة المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيم، يجد أنها تشترك في اسم المكون الغالب عليها، وهو المكون السنّي.

فما هي العوامل التي استغلها داعش لاحتلال تلك المناطق؟

"بعد 2003 تقسمت المناطق في العراق إلى سنّية وشيعية وكردية، وللأسف جميع المناطق السنّية اعتبرت من بقايا النظام السابق، وتعرضت للتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى الأمني"، يقول المتحدث باسم عشائر محافظة صلاح الدين مروان جبارة في حديث لموقع (إرفع صوتك)، مضيفا "فالقيادات والعناصر الأمنية في تلك المناطق، كانت خاضعة لتأثير القيادات في بغداد، وكانت ممثلة من مكون محدد" في إشارة الى الشيعة.

الأزمة بين السنة وحكومة المالكي

ويتابع بالإشارة الى أزمة ثقة بين أبناء تلك المناطق والحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي، وهي أزمة تضافرت مع المشاكل الأخرى السياسية والاقتصادية والخدمية و"كوّنت أرضية خصبة لسيطرة داعش على تلك المناطق"، بحسب جبارة الذي يؤكد "لم تكن المناطق السنّية حاضنة لداعش أو مرتعا لهم اطلاقا. بل السياسات الخاطئة التي انتهجها (رئيس الوزراء) نوري المالكي هي التي فرضت داعش على تلك المناطق وجاءت بهم إليها".

اقرأ أيضاً:

هكذا وجد سكان الفلوجة العائدون مدينتهم

مع بدء عملية تحرير الموصل، نصائح لسكان المدينة

وبعد حزيران 2014، تعرضت جميع البنى التحتية في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم إلى التدمير، فضلا عن عمليات القتل التي مارسها عناصر داعش بحق أبنائها. وهو ما خلق أجواءً جديدة من العلاقة بين أهالي تلك المناطق والحكومة، يتحدث عنها جبارة قائلا "هناك اليوم تعاون كبير بين أبناء تلك المناطق والأجهزة الأمنية في محاربة التنظيم. وهناك بصيص أمل بعد الإصلاحات الحكومية، رغم أن عجلتها تدور بشكل بطيء. لكن نأمل بعد طرد داعش أن يتم إصلاح الملفات التي أدت إلى ظهور التنظيم المتطرف في تلك المناطق".

داعش درس لكل العراقيين

ما ورد على لسان المتحدث باسم عشائر محافظة صلاح الدين، لقي تأييدا من قبل سعد الحديثي، المتحدث باسم مكتب رئيس الحكومة حيدر العبادي، الذي أكد في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن "الجميع استفاد من أخطاء المرحلة السابقة. ما حدث درس مهم لكل العراقيين، لا بد من إعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب بكل أطيافه"، مضيفا "موقف أبناء تلك المدن في دعم القوات المسلحة والقتال إلى جانبهم والترحيب بالقوات المحررة، يؤكد أن المرحلة المقبلة سوف تكون مختلفة عن المرحلة الحالية".

ويرى الحديثي أن "أجواء الثقة اليوم تعززت بشكل كبير. وستكون المرحلة المقبلة مرحلة تعاون وتنسيق"، مؤكدا على أن الحكومة "لن تسمح بأي ممارسات فئوية من أي طرف كان، وسنعمل على الانفتاح على أبناء هذه المدن وإشراكها بشكل فاعل في عملية التحرير وعمليات الاستقرار والإعمار والبناء لاحقا".

سورية: "مفاصل اتخاذ القرار بيد العلويين"

وفي سورية، وعلى الرغم من الجدل الذي أثاره ظهور التنظيمات المتطرفة فيها، لكن أسباب الظهور قد لا تختلف كثيرا عنها في العراق، بحسب ما يوضح عضو الائتلاف السوري المعارض سمير نشّار لموقع (إرفع صوتك).

"السنّة يشعرون بأنهم مهمشون منذ 40 عاما"، حسب قول نشّار. "شدة القمع والاستنجاد بالمليشيات الشيعية، وخصوصا حزب الله في عام 2013، خلق حالة التطرف المضاد للنظام السوري في سورية".

ويتابع نشّار "النظام السوري كان يقوم على نظام أقلّوي، جميع مفاصل اتخاذ القرار في  سورية على الصعيد السياسي والعسكري والأمني كانت بأيدي فئات أغلبها ينتمي إلى المكون العلوي"، مضيفا "هم فقط تعاملوا مع عناصر أو قوى من السنة فقط في المجال الاقتصادي، وبالتالي لم يكن هناك حضور سنّي حقيقي في سورية".

لا يمكن مقارنة الوضع السوري بالعراقي

"منطق الفرز الطائفي لا يتحدث به سوى من أبتلي بمرض الطائفية"، هكذا يرد المحلل السياسي المقرب من الرئيس السوري عفيف دلة على طرح نشّار، مضيفا في حديث لموقع (إرفع صوتك)، "الحديث عن فرز طائفي في سورية لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، حتى لو أراد البعض ذلك، لأن المجتمع السوري متنوع ومتعدد وبنسب كبيرة، لا يمكن معها التهميش على أساس المكون".

ويتابع دلة "لا نستطيع مقارنة الوضع السوري مع ما يحصل في العراق، وما انسحبت إليه الحكومة العراقية، فحكومتنا ستستمر بعملها وفق الدستور الشرعي، وتقوم بدورها في حماية الدولة من التنظيمات المتطرفة".

*الصورة: مقاتلون من أبناء العشائر في الأنبار/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Red Cross volunteers bury the remains of civilians killed in the Democratic Republic of Congo North Kivu province village of…
متطوعون من الصليب الأحمر يدفنون ضحايا هجوم مسلح مرتبط بداعش في جمهورية الكونجو- أرشيفية

بينما تبذل جهات إنفاذ القانون، ومؤسسات الرقابة المالية في العالم جهوداً مضنية لعزل أنشطة تنظيم "داعش" الاقتصادية عن النظام المصرفي العالمي، كان التنظيم ينسج في الظل شبكته المالية الخاصة، مستفيدا مما راكمته التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة من تجارب، ومستغلاً الثغرات المتاحة في المنظومة المالية العالمية، لتوسيع وإنعاش أنشطته المدرّة للدخل، وتحقيق فعالية أكبر في حركة الأموال بين "ولاياته" وخلاياه المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم.

استطاع تنظيم "داعش" من خلال خططه الاقتصادية، وشبكاته المالية المعقدة  تحقيق اكتفاء ذاتي لأخطر فروعه النشطة في وسط إفريقيا، (فرعي الكونغو والموزمبيق)، وعبر وصلهما بخطوط شبكة دعمه الممتدة بين أوروبا  وجنوب إفريقيا والصومال والخليج والشرق الأوسط. وهي شبكة محمية بطبقات من الوسطاء والشركات الاستثمارية ومكاتب تحويل الأموال، لكن جزءاً منها جرى تفكيكه وتعطيل فعاليته.

تحويلات مالية من جنوب افريقيا

في 7 من نوفمبر الماضي أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بياناً ثانياً بشأن الانشطة المالية لداعش في جنوب افريقيا، وفرضت بموجبه عقوبات على خلية من 4 أفراد و 8 شركات استثمارية. الشخصيات الخاضعة للعقوبات وهي نوفل أكبر، ويونس محمد أكبر، ومحمد أكبر، وعمر أكبر، تعمل تحت إشراف فرهاد هومر وهو جهادي كانت الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات عليه في مارس من العام الماضي، واستهدفت العقوبات شركاتهم العاملة في مجالات تعدين الذهب والبناء، ويضطلعون بدور حيوي في الاسناد اللوجستي لفروع "داعش" في وسط إفريقيا والموزمبيق، وتحويل الأموال إليها عبر نظام "الحوالة".

ومن خلال نظام "الحوالة" تم تحويل حوالي 342 مليون دولار من جنوب إفريقيا إلى فروع وخلايا داعش في الصومال وكينيا ونيجيريا وبنغلادش باستخدام آلاف الشرائح الهاتفية غير المسلجة للتملص من الرقابة، وتمويه هوية القائمين بالمعاملة، وكل ذلك حدث بين عامي 2020 و 2021 بحسب صحيفة "صنداي تايمز" الصادرة في جنوب إفريقيا. ويتم تحويلات الأموال على دفعات صغيرة حتى لا تثير الشكوك.

وكشفت دراسة نشرتها جامعة جورج واشنطن في يونيو الماضي عن جانب من المعاملات المالية التي تتم بين خلايا داعش في جنوب إفريقيا وبين "ولاياتها" في الصومال والموزمبيق وشرق الكونغو. وفنّدت الدراسة نموذجاً لهذه التحويلات التي تتم برعاية شركة Heeryo Trading Entrprise وهي شركة صومالية وجنوب افريقية مسجلة في جوهانسبرغ وتقوم بعملياتها في العاصمة الصومالية مقاديشو. الشركة سهّلت نقل مئات الآف من الدولارات من الصومال إلى جنوب إفريقيا ومن جنوب إفريقيا إلى كينيا حيث ينتظرها الموزعون الماليون لنقلها إلى أوغندا، ويعبرون بها الحدود لتسليمها إلى فرع "داعش" في شرق الكونغو، أو تنقل إلى تنزانيا ومنها إلى فرع داعش في الموزمبيق.

 

سبق لقيادة تنظيم "داعش" المركزية في سوريا والعراق أن اعتمدت نظام الحوالة المالية أواخر 2017 لدعم "القوات الديمقراطية المتحالفة" في الكونغو عشية إعلان ولائها للتنظيم، وكان وليد أحمد زين المواطن الكيني الذي التحق والده وأخوه بالتنظيم في سوريا، قد تلقى مبالغ مالية ضخمة عبر حوالات مالية(حوالي مليون وخمسمئة ألف دولار)، من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وقام بإعادة تحويلها إلى فروع داعش في وسط وشمال إفريقيا.

وجاء في تقرير أعدته مجموعة أبحاث الكونجو بجامعة نيويورك ومؤسسة بريدجواي التي نقلت عن مصادر أمريكية ومنشق من القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونجو أنّ  زين، الذي وصف بأنه "ميسّر مالي" دفع المال للقوات الديمقراطية المتحالفة على الأقل مرة واحدة.

 

زكاة وجزية

إلى جانب الحوالات المالية التي تتلقاها فروع داعش في وسط افريقيا، توجد أيضا أنشطة ذاتية تعتمد عليها محليا في تعزيز دخلها المالي، وتمويل عملياتها، ومنها فرض الرسوم والضرائب وجباية ما تسميه "الزكاة" من الأهالي الذين يعيشون في مناطق سيطرتها. ولأن فرعي داعش في الكونغو والموزمبيق ينشطان في مناطق يعيش فيها المسلمون والمسيحيون فإن عوائدهما في هذه الحالة تكون مضاعفة، من خلال فرض "الزكاة" على المسلمين و"الجزية" على المسيحيين.

ففي العام الماضي حذر فرع داعش في المزمبيق، عبر بيان خطي تداولته صفحات محلية، المسيحيين من عواقب عدم دفع الجزية، وخيرتهم بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو "الاستعداد لحرب لا نهاية لها" بحسب البيان.

تلجأ فروع داعش في إفريقيا إلى فرض الضرائب على السكان المحليين وابتزاز الشركات والمقاولات وفرض رسوم باهضة عليها ضمن خطة تمويلية عممتها قيادة داعش في سوريا والعراق على كل ولاياتها البعيدة، ويشكل مردودها جزءاً من ميزانيتها الضخمة. ففي الصومال مقر "مكتب الكرار" الذي يدير شؤون ولايات وسط إفريقيا ويمدها بدعم مالي سخي، يقوم فرع داعش في إقليم بونتلاند شمال الصومال بفرض رسوم شهرية على الشركات التجارية تحت التهديد بتخريب ممتلكاتها ومصالحها. وفي 2018 كانت عوائده الشهرية من هذه الرسوم حوالي  700 ألف دولار. وفي أبريل الماضي أحرق التنظيم مقاولة محلية بعدما رفض أصحابها دفع 500 ألف دولار له.

تنخرط أيضا فروع داعش في وسط أفريقيا في أنشطة تجارية مشبوهة، مثل التهريب، وتجارة الذهب والأخشاب والكاكاو وغيرها، وأكدت دراسة جامعة جورج واشنطن المشار إليها سابقاً أن هذه الأنشطة تشكل نسبة قليلة جداً مقارنة بالأموال التي تصل من الخارج، وأن عوائد تجارة الأخشاب التي يديرها فرع الكونغو لا تتجاوز 15 ألف دولار سنوياً.

تجارة السبي والرهائن

يشكل الاختطاف بغرض الفدية تقليداً مشتركاً بين الارهاب والجريمة المنظمة، غير أن فرع داعش في وسط افريقيا أضاف إلى هذا الاقتصاد الإجرامي المربح، قطاعاً مربحاً آخر وهو تجارة "السبي".

فقد كشفت مراسلات داخلية للتنظيم أن فرع داعش في الموزمبيق فرض مبالغ مالية معينة مقابل تحرير "السبايا" اللواتي يحتفظ بهن في معاقله. وهذه المعاملة تشمل فقط "السبايا" اللواتي لا يصلحن، بحسب التنظيم الإرهابي لـ"المتعة" الجنسية، كالمصابات بمرض الإيدز، أو الكبيرات في السن. وتم تخيير أهاليهن بين دفع الأموال أو إعدامهن.

ينهض اقتصاد الارهاب في جزء كبير منه على عوائد الاختطاف واحتجاز الرهائن.

لا توجد أرقام محددة عن العوائد التي يجنيها تنظيم داعش في وسط إفريقيا من اقتصاد الفدية، لكن لا شك أنها إضافة إلى أرقام الحوالات قد أحدثت طفرة في النشاطات الارهابية لفرعي داعش في شمال الموزمبيق وشرق الكونغو. حوالي 68 ألف دولار من أموال الحوالات سلمت مباشرة لأفراد في خلايا تورطت في سلسلة من الهجمات الانتحارية في أوغندا في 2021، وهجمات في رواندا والكونغو.

عزّز اقتصاد الإرهاب الذي رعاه مكتب "الكرار" في الصومال بقيادة عبد القادر مؤمن  ميزانية داعش في شرق ووسط إفريقيا، فكان يرسل بشكل دوري دفعات مالية إلى عدد من ولايات وخلايا داعش في إفريقيا والشرق الأوسط واليمن وتركيا. ووصف المكتب في رسالة له إلى أمير إدارة "الولايات" البعيدة في سوريا وضعه المالي بالقول: "الأموال التي تصلنا من مفصل الاقتصاد كافية للضروريات والكماليات"، ووافق على إرسال فائضها إلى اليمن مباشرة، وسيبحث عن وسيلة آمنة لإرسالها أيضا إلى الخليج وتركيا. وهي مفارقة لافتة أن تذهب أموال الإرهاب في زمن داعش من إفريقيا إلى الخليج بعدما كان العكس هو الشائع في العقود الماضية.