أربيل - بقلم متين أمين:
يقف المواطن سلام خالد من مدينة الفلوجة مصدوما أمام منزله المحترق الذي عاد إليه مع عائلته في اليوم الثاني من سماح الجهات الحكومية في محافظة الأنبار للعوائل النازحة بالعودة إلى الفلوجة التي تحررت من تنظيم داعش قبل نحو أربعة أشهر.
يقول سلام الذي تحدّث لموقع (إرفع صوتك) عبر الهاتف واصفاً المشهد أعلاه إنّه في بادئ الأمر صُدم برؤية منزلهم وتذكر ما تعرضت له عائلته وأهل المدينة.
"خلال فترة أقل من عام، فقدت إثنين من أشقائي اللذين كانا منتسبين إلى الأجهزة الأمنية. قتلوا في العمليات العسكرية ضد داعش. وداعش كان على علم بأننا أخوة وننتمي الى القوات العراقية، لهذا استولى على منزلنا خلال فترة احتلاله المدينة".
اقرأ أيضاً:
مع بدء عملية تحرير الموصل، نصائح لسكان المدينة
ما العوامل التي رسمت جغرافية داعش في العراق وسورية؟
ويتابع سلام أن عناصر داعش كتبوا على جدران المنزل (وقف الخلافة الإسلامية) وسرق مسلحو التنظيم أثاث المنزل وكل القطع مما خف وزنها وغلا ثمنها. وقبل هروبهم من الفلوجة، أضرموا النيران في المنزل.
ومنزل سلام الذي يقع على شارع رئيسي في المربع السكني الأول من مدينة الفلوجة كان المنزل الوحيد المحترق تماما من بين المنازل الواقعة على الشارع، حيث تشهد المنطقة هدوءا كبيرا وهي خالية من السكان الذي لم يعودوا إلى منازلهم بعد. فعائلة سلام هي العائلة الأولى التي عادت إلى هذه المنطقة من الفلوجة التي تشهد تدريجيا عودة سكانها إليها منذ نحو شهر.
التنظيم أحرق عددا كبيرا من منازل الفلوجة ونهب محتوياتها، ولم يترك داعش مبنى حكوميا في المدينة إلا ودمره خلال فترة سيطرته على القضاء الذي يشهد منذ عام 2003 وحتى قبل أشهر معارك مستمرة وتدهورا أمنيا ملحوظا، حسب قول سلام. ودمّر داعش بنية الفلوجة التحتية بالكامل وقضى على ما كانت تمتلك من خدمات رئيسية كمياه شرب وكهرباء وخدمات بلدية.
الجانب الإيجابي
ويشيد سلام بالجانب الإيجابي والإنسانية في مدينته المنكوبة، مشيراً إلى أنّه رغم كل ما شهدته من مأساة وكارثة حقيقية، وجد بعض الخيريين قد افتتحوا مطعما مجانيا داخل المدينة يقدم وجبتين رئيسيتين من الطعام للعوائل العائدة بشكل مجاني. والبعض الآخر من هؤلاء الخيرين جلب مياه الشرب عن طريق عجلات حمل من بغداد ووزِعت على العوائل، إضافة الى جهود دائرة الماء ودائرة الإطفاء بتوفير المياه لغسل منازل العائدين، "فمنازلنا متروكة منذ ثلاث سنوات تقريبا".
ويشير إلى أن مولدات توليد الطاقة الكهربائية جُلبت من بغداد وشُغل البعض منها. أما بالنسبة للكهرباء الوطنية فما زلت منقطعة إثر التدمير الذي أصابها. "لذا ورغم مرور 20 يوما على بدء عملية عودة العوائل الى الفلوجة ولحد الآن لا توجد أي بوادر لتصليح الطاقة الكهربائية".
ويصف سلام مشهد الدمار الذي لحق بقطاعي الماء والكهرباء في الفلوجة. "الأسلاك مقطعة. فداعش سرق كافة الزيوت الموجودة في محولات الكهرباء واستخدمها كوقود لمولداته. لهذا جميع المحولات بحاجة الى صيانة. وبأثر القصف وسقوط القذائف، تعرضت أنابيب مياه الشرب للدمار".
وضع الفلوجة
ويلفت سلام إلى أن التنافس السياسي بين سياسي المحافظة أثر سلبيا على وضع الفلوجة، وتسبب في تأخير إعمارها وإعادة الخدمات إليها.
وبحسب عدد من سكان الفلوجة العائدين إليها، فإن مواد البنزين والنفط الأبيض وغاز الطبخ أصبحت متوفرة وفي متناول يد المواطنين. لكن المدينة تعاني من ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه والبضائع الاخرى لصعوبة دخولها إلى المدينة بسبب الضغط الذي يشكله العودة الهائلة لسكان المدينة على السيطرات ونقاط التفتيش الواقعة على أبواب القضاء.
ويشير العائدون إلى أن داعش تسبب في تدمير المدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية، حيث حولها إلى مقرات لمسلحيه ومعامل للمتفجرات. الأمر الذي أدى إلى استهداف هذه المؤسسات من قبل طائرات الجيش العراقي والتحالف الدولي. بينما فجر التنظيم بشكل مباشر عند احتلاله الفلوجة مبنى قائمقامية القضاء والمجلس المحلي وكل مراكز الشرطة والمحكمة.
أضرار مادية ونفسية
ويوضح سلام بالقول إنّه هناك نوعان من الأضرار التي تسبب بها داعش لأهالي الفلوجة، الأولى نفسية والأخرى مادية. الأولى تتمثل بـ "الظلم والعار" الذي لحق بهذه المناطق بسبب تواجد داعش فيها على الرغم من عدم قبول أهلها بهم. والأضرار المادية تتمثل بنزوح أهاليها وتهجيرهم، حيث اضطروا لصرف كل ما يملكون ليستطيعوا الصمود لأن المدة طالت لأكثر من عامين.
أما المواطن بشير الحسن فقد اضطر إلى تأجير منزل في الفلوجة بعد عودته إليها لأن منزله دُمر بالكامل. ويقول لموقع (إرفع صوتك) إن نحو 80 في المئة من منازل مدينة الفلوجة تعرضت للتدمير، "فالأضرار التي لحقت بمنازلنا أضرار كبيرة إثر المعارك والقصف. مثلا أنا منزلي دُمر بالكامل فاضطررت الى تأجير منزل في المدينة، لأن الفلوجة شهدت حتى الآن عودة 20 في المئة فقط من سكانها".
ويدعو الحسن مواطني الأنبار ومن ضمنهم مواطني قضاء الفلوجة إلى أن يتكاتفوا ويقفوا بوجه جميع التنظيمات الإرهابية التي ستحاول أن تدخل هذه المدن مجددا. مؤكدا أن سكان الأنبار يتكاتفون مع القوى الأمنية والعشائر للحد من عودة داعش وغيرها من التنظيمات إلى المناطق السنية من العراق.
ويكشف المواطن محمد علي جاسم، أحد المواطنين العائدين إلى الفلوجة مؤخرا، أن نسبة التدمير الذي تعرضت له المدينة متباين من منطقة إلى أخرى. ويوضح بالقول "هناك مناطق دُمرت بالكامل، ومناطق أخرى نسبة الدمار الذي لحق بها قليل. لكن تنظيم داعش سرق غالبية المنازل وألحق بها الأضرار".
ويُخمن جاسم الخسائر التي لحقت بمنزله وممتلكاته الخاصة بنحو خمسين مليون دينار عراقي، أي ما يقارب 40 ألف دولار أميركي. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "نعيش حالة من القلق على أملاكنا التي ضاعت بسبب داعش بسبب غياب التعويض من قبل حكومة الاتحادية. فمن الصعب أن نعيد ونستعيد ما كنا نملك".
ويشير إلى أن إعادة هذه الأملاك إلى ما كانت عليه قبل داعش تحتاج إلى وقت طويل، "فأنا أبلغ من العمر 50 عاما وكنت قد أكملت تأسيس حياتي من منزل وممتلكات وسيارة والآن عدت الى نقطة الصفر، وهذا شعور مؤلم جدا ومحبط".
إجراءات أمنية
ويمر المواطن النازح أثناء عودته إلى الفلوجة بعدة إجراءات أمنية مشددة وبمجموعة من السيطرات تبدأ من لحظة خروجه من إقليم كردستان العراق وحتى وصوله إلى بوابة الفلوجة. وقد تستغرق إجراءات دخول الفلوجة لوحدها نحو ليلة أو ليلتين، ويُسلط جاسم الضوء على هذه الإجراءات، قائلاً إن عدد العائلات العائدة وصل حتى الآن إلى نحو ثلاثة آلاف عائلة وهناك الكثيرة منها قد باتت ليلة أو ليلتين في السيطرة تنتظر دورها للدخول الى المدينة.
"الإجراءات الأمنية صعبة جدا ومشددة، لكن نحن لا نعترض عليها بالرغم من أنها تؤذي المواطنين خاصة كبار السن والأطفال والمرضى، وكان ينبغي أن تُتبع إجراءات أسهل أو آلية أسهل لدخولنا للمدينة وبشكل أمني محكم".
*الصورة: تنظيم داعش ترك الفلوجة مدمرة بعد نهبه لممتلكات سكانها/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659