بقلم زهران معالي:
يدفع ازدياد أعداد الخريجين من الجامعات والمعاهد الفلسطينية سنويا، في ظل عدم مقدرة الاقتصاد الفلسطيني بشقيه العام والخاص على توفير فرص عمل كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الاشخاص الذين يدخلون سوق العمل سنوياً، إلى ارتفاع نسبة البطالة والهجرة وكل ما تجره البطالة من أمراض على المجتمع.
وتؤكد إحصائيات رسمية لجهاز الإحصاء الفلسطيني للربع الثاني من عام 2016، أن معدل البطالة بلغ 26.9 في المئة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية 358,700 شخصاً، بواقع 203,600 في قطاع غزة، 155,100 في الضفة الغربية.
التفاوت في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة لا يزال كبيرا، حيث بلغ المعدل في قطاع غزة 41.7 في المئة مقابل 18.3 في المئة في الضفة الغربية. أما على مستوى الجنس فقد بلغ المعدل 22.1 في المئة للذكور مقابل 44.7 في المئة للإناث، وفق ما أظهرت تلك الاحصائيات.
ويرجع ارتفاع معدل البطالة في قطاع غزة إلى استمرار الحصار المفروض عليه من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2007، وإغلاق السلطات المصرية الأنفاق التي كانت تستغل لتهريب البضائع والتي كانت تشكل هي وما ينتج عن دخول البضائع من حركة عمل تمثل فرصة لتشغيل ما يصل إلى آلاف الغزيين.
وتعرّف البطالة حسب معايير منظمة العمل الدولية (ILO) على أنها "مجموع الأفراد الذين ينتمون لسن العمل ولم يعملوا أبداً خلال فترة الإسناد في أي نوع من الأعمال"، وكانوا خلال هذه الفترة مستعدين للعمل وقاموا بالبحث عنه جديا بإحدى الطرق مثل مطالعة الصحف، التسجيل في مكاتب الاستخدام، سؤال الأصدقاء والأقارب أو غير ذلك.
واقع الشباب
ولعل فئة الشباب الأكثر تضررا من البطالة هي الحاصلة على شهادات علمية جامعية بذلوا سنوات من أعمارهم للحصول على مؤهلات علمية من المفترض أن تضمن لهم فرصا أكبر في الوظائف. إلا أن أحلامهم تحطمت بصخرة التخرج. فالواقع الذي يواجهونه يأتي بنتائج عكس المسلمات النظرية حيث تشهد أوساط الخريجين زيادة دراماتيكية في معدلات البطالة مقارنة بغيرهم.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للربع الأول لعام 2016، فإن معدل البطالة بين الشباب بعمر (15-29) سنة بلغ 39 في المئة. وسُجل أعلى معدل للبطالة بين الأفراد في الفئة العمرية بعمر (20-24) سنة بواقع 43 في المئة، مقابل 35 في المئة بين الأفراد (25-29) سنة.
كما تركزت البطالة بين الشباب (15-29) سنة للذين لم ينهوا أي مرحلة دراسية بواقع 55 في المئة.
أما الشباب الذين أكملوا دراستهم وحاولوا أن يحسنوا من فرصهم في الحصول على فرصة عمل فقد بلغ معدل البطالة بينهم 51 في المئة خلال الربع الأول 2016.
كان نصيب خريجي العلوم التربوية وإعداد المعلمين الأعلى في البطالة إذ بلغ 64 في المئة، بينما سجل الخريجون من تخصص القانون أدنى معدل بطالة، إذ بلغ 25 في المئة.
وتشير إحصائيات وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية إلى أنه يتخرج حوالي 30 ألف خرّيج سنويّاً، هذا كله يسبب مشكلة معقدة وتزداد تعقيدا كل عام.
إحصائيات صادمة، مجرد التخيل بأن أكثر من نصف الشباب من دون فرصة عمل تتحقق بها طموحاته في الزواج والبناء وتكوين أسرة، يشعرك باليأس. فتخيل حجم اليأس بينهم. هذا الرقم بين من لم يكملوا الدراسة. تخيّل كم توفر هذه البطالة من بضائع للتطرف، بسبب قلة الفرص وقلة الحيلة، والغضب الكامن في النفوس في ظل وصول أشباك التطرف لكل بيت في ظل التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي.
الهجرة
وأظهرت نتائج مسح الشباب الفلسطيني لعام 2015 أن حوالي ربع الشباب في فلسطين لديهم الرغبة للهجرة للخارج.
ومما لا شك فيه أن للأوضاع السائدة في القطاّع دور في زيادة نسبة الرغبة في الهجرة للخارج. إذ بلغت نسبة الشباب الذين يرغبون في الهجرة للخارج في قطاع غزة 37 في المئة مقابل 15 في المئة بالضفة الغربية. وأظهرت النتائج أن 63 في المئة من الشباب الذين يرغبون في الهجرة لا يفكرون بهجرة دائمة.
ويدل ارتفاع احصائيات الرغبة في الهجرة على حجم السعي الجاد في البحث عن فرصة أمل في الحياة في ظل انعدام فرصة لحياة كريمة إثر وحش البطالة. ولكن ماذا لو كان باب الهجرة ضيقا أمام تلك الطاقات، في ظل تطرف يحاصر الاقليم؟
الآثار الاجتماعية
ليس للبطالة وغيرها من مسببات الإحباط وقلة الأمل إلا عوارض لا تسر في المجتمع، ومنها ارتفاع معدلات الانتحار، خاصة في قطاع غزة. حيث تزايدت حالات الانتحار بشكل لافت خلال العام 2016 وسُجلت أكثر من 9 حالات ما بين الشنق أو إحراق النفس أو القفز من علو. في حين بلغ عدد حالات الانتحار عام 2015 بأكمله 5 حالات، وفق مركز الميزان لحقوق الإنسان.
وحسب المركز، فإن عشرات الحالات تُقدم على الانتحار شهريا عبر تناول الأدوية بشكل غير صحيح وشنق النفس أو الحقن بإبر هواء. إلا أن فشل هذه المحاولات ونجاة مرتكبيها يحجبها عن الإعلام.
ويرجع المركز ارتفاع أسباب الانتحار إلى الأوضاع الإنسانية في القطاع التي وصلت إلى حد غير مقبول من الفقر والبطالة لمعدلات تعدّ الأعلى في العالم.
ووفق إحصائيات إدارة التخطيط والبحوث بالشرطة الفلسطينية في الضفة الغربية لعام 2015، فقد سجل وقوع (18) حالة انتحار وكانت الأداة الأكثر استخداما الشنق وعددها 13. إلا أن دافع الأمراض النفسية شكلت أعلى نسبة فيها، في حين سجل (425) حالة شروع بالانتحار.
فشباب فلسطين الذين يعانون من ارتفاع البطالة وما تجره على المجتمع من آثار سلبية، بحاجة ماسة لمن يمد يد العون حتى يجدون فسحة من أمل في عمل يحقق من خلاله أحلامه، وضرورة لكبح جماح التطرف الذي يغزو المنطقة بأكملها.
عن الكاتب: زهران معالي، صحافي فلسطيني من جنين، حاصل على بكالوريوس اللغة العربية والإعلام من الجامعة العربية الأميركية، عمل في مواقع إخباريّة فلسطينية وعربية.
لمتابعة زهران على فيسبوك إضغط هنا.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.