سرمد
سرمد

بقلم سرمد الطائي:

لن تكون مجرد "أكبر معركة" يخوضها العراقيون ضد الإرهاب منذ سقوط صدام حسين، لأن الموصل هي أشد اختبار تعرض له هذا النظام الدستوري المضطرب، ولكن الشرعي الذي يحظى بدعم القوى الكبرى في العالم.

وبعد أن تدرب الشباب باحتراف مشهود في المعارك السابقة، لم نعد نخشى أن يتلقوا هزيمة أمام داعش الذي تكسرت دفاعاته وحيله الغريبة في عشرات المدن، ومع هذه الروح الجديدة التي تنبعث في القوات العراقية ومعظم الأطراف المسلحة الساندة.

لكن البلاد أمام معركة أكبر من السلاح. ونحتاج "روحاً جديدة" تنبعث في أروقة السياسة الجامدة تقريباً، مثل النشوة التي انبعثت بين صفوف المقاتلين الأبطال وهم أحلى الشباب الذين نخسر كل يوم كوكبة مضحية منهم، من كل المكونات العراقية.

النظام السياسي في العراق حاول إعادة بناء نفسه مرات عدة، أبرزها في صفقة تمرير حكومة نوري المالكي الثانية ضمن اتفاقية أربيل عام 2010، ثم في محاولة استجواب نوري المالكي عام 2012، ثم في تشكيل حكومة حيدر العبادي 2014. لكن الاتفاقات بقيت في الغالب حبرا على ورق. والأمر مخيب لأن جملة "إعادة التأسيس" تساوي "إنقاذ الشرعية الواقعية" التي يؤمن بها معظم أبناء الشعب. وبدون أن نمتلك شرعية بهذا الحجم سنظل نستخدم شرعية الحد الأدنى، التي تفهمها الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، غير أنها لن تحقق الاستقرار.

وفي معركة الموصل لدينا يوم فاصل حين يختفي داعش من محافظة نينوى، حيث سنكون أمام أسئلة الحكم والأمن والقيادة داخل هذا المجتمع المتنوع. ولم تطرح بغداد حتى الآن تصوراً جديداً حول مستقبل الحكم والقيادة والأمن في تلك اللحظة.

وإذا لم يكن هناك تصور جديد فإننا سنكون نزفنا دماءً كثيرة مقابل سياسة قليلة محدودة وعاجزة، أخطر ما فيها أنها تهدر كل التضحيات، لأننا في هذه الحالة مرشحون لتكرار الأخطاء ذاتها. وعلينا أن نستعد لتقبل نتائج مشابهة، في مجتمع غاضب من عدم حصول إصلاح إداري وسياسي، وتكرار الأساليب القديمة في قمع الغضب والاحتجاج، وضياع البوصلة في إدارة الصراع الإنساني الطبيعي داخل المجتمعات الكبيرة. وهذه ظروف قد تنتج رد فعل معترض في بحر سنة أو اثنتين. وهذا غضب ستستغله التنظيمات الإرهابية ذاتها لصناعة "داعش جديد".

وستبدو هذه الفرضية مكررة كثيرا، على لسان الأميركيين والأوروبيين وبعض المسلمين، وأيضا على لسان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي نفسه وفي مواقف حلفائه المعتدلين. لكن الجديد أننا قدمنا تضحيات كثيرة من أجل "تصحيح الأوضاع" في المناطق المضطربة. وإذا لم نقم بهذا التصحيح الآن فإننا سنخون كل الدماء والتضحيات الكبيرة التي أريقت بأمل "إصلاح النظام".

وفي لحظة الفرح بتفوق قواتنا العراقية وكل من يساندها وطنياً ودولياً، ينبعث القلق من عدم وجود حوار عراقي راسخ حول فرصة "التأسيس الجديد للنظام السياسي" لتغيير نهج الإدارة والحكم، وتطبيق دستورنا بروحه اللامركزية، بنحو يضمن لأهل نينوى أن يتولوا أمورهم بأنفسهم وبمساعدة أكيدة وعميقة من بغداد، بوصفها روح العراق. وهذا أمر لا يقبل التسويف لأنه سيرسل رسالة ضمان وطمأنينة سياسية قوية لأهل نينوى، ومعهم أهالي كل المدن المحررة من داعش.

لكن غياب هذا الجدل عن نقاشاتنا السياسية سيجعلنا نظهر أمام العالم على شكل أمة لا تعبأ بتضحيات أبنائها، ولا بأهمية هذا الدعم الدولي الكبير للمعركة. وأول ما نريد أن نشاهده ويشاهده العالم معنا هو حوار كبير بين مراكز القوى الفاعلة في "مناطق النزاع" والعاصمة بغداد. ومن شأن هذا أن يصبح "عملية سياسية جديدة" تتحكم حتى في التدخلات الإقليمية والدولية، وتجعلنا كنظام، بمستوى تضحيات أحلى الشباب العراقيين في الجبهات، لأن البنادق وحدها لم تنجح في صوغ استقرار اجتماعي طوال خمسين عاما من الاحتراب العراقي الداخلي حول معنى "العراق".

نبذة عن الكاتب: سرمد الطائي، كاتب عراقي من مواليد البصرة، خريج المركز الدولي للدراسات الاسلامية في ايران – قم. كاتب وصحفي منذ عام 1997، عمل في قناة الحرة عراق في بغداد من 2004 إلى عام 2007.  معلق سياسي وكاتب عمود “عالم آخر” في جريدة المدى.

لمتابعة سرمد على فيسبوك إضغط هنا

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".