بقلم حسن عبّاس:

الموصل هي أكبر مدينة يحتلها داعش في العراق وسورية. ولذلك، فإن طرد التنظيم المتطرّف منها يحمل رمزية كبيرة.

ومن ناحية ثانية، هي أكبر حاضرة سنّية في بلاد الرافدين. ولذلك، فإن تحريرها سيفتح الباب بلا ريب على نقاش حاد حول إدارة المناطق العراقية بشكل عام.

واعتبر المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والي نصر "استعادة الموصل سيمثل هزيمة تاريخية ورمزية لتنظيم الدولة الإسلامية" وسيتيح لواشنطن "إعلان أن مهمتها قد أُنجزت".

الوحدة الوطنية الوليدة

وذكّر رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي بأن "سيطرة داعش على الموصل خلقت مشاكل كثيرة للعراقيين وكانت عامل تفرقة وتسببت بانكسار الجيش العراقي وبتغيير ديموغرافي في محافظة نينوى".

وأضاف لموقع (إرفع صوتك) أن "تحريرها سيشكّل عامل وحدة للعراقيين، فقد أنتجت المعركة الدائرة خطاباً رسمياً وشعبياً ضد التدخّل التركي، ورأينا رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني يشيد بالجيش العراقي".

وبعد انطلاق معركة تحرير الموصل، قال البرزاني إن "هذه هي المرة الأولى التي يبذل البيشمركة والجيش العراقي دماءهما في جبهة واحدة، وضد عدو واحد، وهذا مشجع لصورة التعاون بين أربيل وبغداد مستقبلاً".

ولكن لدى الهاشمي هواجس يطرحها التفكير في إجابات عن سؤال "ماذا بعد الموصل؟". وشرح أن "كل دولة حين تدخل حرباً عليها وضع خطتين، خطة ألف عسكرية وخطة باء لما بعد الحرب".

وعلّق "لم توضع خطة باء بينما مليون ونصف المليون مدني يعيشون في الموصل ويحتاجون إلى تطمينات حول التعامل معهم وحول مستقبلهم".

ولكن الأمر لم يفت برأي الهاشمي. وقال إن الحكومة عليها العمل على إعادة النازحين بعد انتهاء الحرب وعقد مصالحة وطنية تتأسس على أجواء الوحدة القائمة حالياً، لأنها عامل مساعد لوضع استراتيجية لما بعد داعش، وذلك "كي لا ننتهي من داعش وننتقل إلى حرب بين المكوّنات العراقية".

واعتبر الهاشمي أن العراق اليوم أمام فرصة تاريخية إذ تدعمه 60 دولة هي الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب "وهذه فرصة لن تتكرر وعلى الطبقة السياسية أن تكون على قدر المسؤولية"، مضيفاً أن الوحدة الوطنية ضد التدخل التركي يجب أن تنسحب على موقف مماثل ضد التدخلين الإيراني والسعودي في الشؤون العراقية.

وقال "معركة الموصل بوابة إلى عراق موحّد ولكن الفشل في إدارة المرحلة القادمة قد يؤدي إلى تقسيم العراق".

قلق من الآتي

واعتبر مؤسس صفحة "عين الموصل" على فيسبوك، وفضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن المشاعر بخصوص عملية تحرير الموصل "مختلطة مع بعضها، فالوضع خطير جداً بعد التحرير".

القلق على ما سيأتي بعد هزيمة داعش يسيطر على ابن الموصل. واعترف بذلك وقال "نعم، أنا قلق أكثر من كوني سعيد بما يجري، فنحن بانتظار المصير وليس التحرير".

برغم ذلك فإن الفرحة جزء من مشاعره المختلطة ولكن هذا الشعور لا يهيمن عليه. وبرأيه "فرحة التحرير هي للناس البسطاء الذين يريدون العيش فقط".

وقال "بالنسبة إلينا، نترقب كل لحظة ونعرف ماذا يعني المصير، ونعرف أن هنالك مَن يسعى إلى تخريب المدينة".

ورأى أن "المعركة هي قرار سياسي وليس عسكرياً، ولا توجد خطط واضحة لما بعد التحرير، ولا توجد خطط أساساً لمرحلة شهر واحد بعد التحرير".

وأضاف "لنقل إن 500 ألف مواطن نزحوا، هؤلاء منهم ما لا يقل عن 100 ألف أعمارهم تراوح بين 18 و40 سنة، وهم مشتبه بهم وسيخضعون للتحقيق"، وتساءل "مَن يضمن سلامتهم؟ مَن يضمن تحقيقاً عادلاً معهم؟".

وأكّد "نحن نثق بقدرة الجيش العراقي نعم، ونعتقد أن للجيش العراقي فرصة في أن ينجز عمله بمستوى عالٍ من الكفاءة، ولكن هذا لا يكفي. المدينة ستتمزق لو تسلمتها الحكومة العراقية".

والمطلوب برأيه هو "سلامة وأمن مدينة الموصل ومنع تمزيقها أو تسليمها للقوى العشائرية في مصادرة لأصوات أكثر من مليون حضري موصلي يشكّلون قلب المدينة وروحها".

وأضاف "لن نسمح بأن يتسلم مقدراتنا شيخ عشيرة، نحن لسنا عشائر، ولم نتخلص من (الرئيس العراقي الأسبق) صدام (حسين) وداعش ليقودنا شيخ العشيرة مرة أخرى".

طبيعة المعركة العسكرية والمشاركين فيها هي مما يثير قلقه. وإذا كان ككثيرين قلقاً من طموح الحشد الشعبي في الموصل بعد تحريرها، إلا أنه يضيف أن "العشائر لا تقل سوءاً"، ويتخوّف من آثار الأطماع التركية من جانب، والكردية والشيعية من جانب آخر على وحدة الموصل. وبرأيه، "تقسيم الموصل يعني ضياعها إلى الأبد".

وأبدى اعتقاده بأن "الموصل أمام مصيرين كلاهما مرّ: إما أن تقع تحت النفوذ الشيعي وهذا ما لن يرضي أطرافاً كثيرة، أو يتم تسليم مصيرها إلى أهل الأقضية والنواحي، وهو الذي يرجّح حدوثه"، والحل الثاني يثير قلقه خاصةً أنه يرى أنه مدعوم من قوى إقليمية وبالأخص السعودية وتركيا والخليج.

ويبدو أن مؤسس صفحة "عين الموصل" ملّ من انتظار تبنّي رؤية عراقية وطنية ترسم مستقبلاً أفضل للموصل وأبنائها. ولهذا قال "نريد حماية دولية أو إشراف دولي أو معاينة دولية أو سمها ما شئت. فأي حلول عراقية للموصل ما بعد داعش هي حلول غير مجدية، والحل الأمثل هو تطبيق نموذج كوسوفو".

الصورة: علم عراقي أمام رشاش مثبت على آلية عسكرية/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".