مراجعة علي عبد الأمير:

يعتقد مختصون أميركيون أنّه ما زال بالإمكان الإفادة من دروس تجربة بلادهم في العراق وأفغانستان، حتى وإن كانت دروسا تأتي بشق الأنفس، لكنها تظل ضرورية لإلحاق هزيمة دائمة بداعش والقاعدة وغيرهما من الجماعات الإرهابية.

وعن هذا الموضوع، يكتب د. روجر مايرسون، الأستاذ في جامعة شيكاغو والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2007، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية لدى العراق وأفغانستان "جي كايل ويستون"، والذي وضع كتابا بعنوان "مرآة الاختبار: أميركا في حربي العراق وأفغانستان".

ويرى مايرسون وويستون، في مقال مشترك نشراه في ملحق "مراجعات" الأسبوعي بصحيفة "وول ستريت جورنال"، أنّه وفي أعقاب الحروب الطويلة والمؤلمة في العراق وأفغانستان، فإن الأميركيين قلقون من فكرة بناء الدولة، لكنهما يستدركان بالقول إن الجيش العراقي، جنبا إلى جنب مع العمليات الخاصة الأميركية وشركاء آخرين، شن هجوما لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل من داعش، وإذا كان على هذه الحملة أن تنجح على المدى الطويل، فإن بناء الدولة أمر ضروري، بل هو "الطريقة الوحيدة لتحقيق تقدم حقيقي في هزيمة الدولة الإسلامية والقاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية".

اقرأ أيضاً:

التطرف يرسم صورا كاريكاتيرية عن الله والنبي

الأمم المتحدة تتلقى تقارير عن مذابح داعش في الموصل

وبحسب معطيات التاريخ الحديث في الشرق وتحديدا من الباكستان إلى اليمن مرورا بسورية، فإن المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة والمناطق غير المستقرة يمكن أن تحتضن التهديدات الكبيرة، ومجرد شن ضربات عسكرية لتدمير قواعد الإرهابيين من دون محاولة جدية بعد ذلك لإعادة بناء تلك المناطق، تبدو أشبه بـ"قصف الجحيم للخروج منها"، فالتدخل يجب أن يكون أكثر حذرا، وترك قدر من الاستقرار والحكم الرشيد، يساعد على ضمان طرد الجهاديين بما لا يمكنهم من العودة إلى تلك المناطق.

ويضع الكاتبان "خمس قواعد لبناء سليم للدولة" وفق تجربة بلادهما في العراق وأفغانستان، وهي:

* إنس الإمبريالية: أي السيطرة الاستعمارية المباشرة. ففي القرون الماضية، كان قلق المخططين العسكريين يخفت عند الوصول إلى إعادة البناء بعد الحرب، وهو قلق غالبا ما يعقب انتصار عن طريق الغزو المباشر. ومحاولة واشنطن لتثبيت بعض المستبدين بعد تدخلها لم تعد تعمل الآن، بل سيؤدي إلى إذكاء عدم الثقة، والدعوة إلى الإنتفاضات، وزيادة التوتر مع القوى الكبرى الأخرى بما يؤثر على الولايات المتحدة ومكانتها إقليميا ودوليا. وأفضل خدمة للمصالح الأميركية من خلال تثبيت القادة الشرعيين، وبناء دولة ناجحة يعني بناء الدولة الديموقراطية.

* تجنب المركزية: لتشكيل حكومة يمكن أن تقف على قدميها، يجب على الولايات المتحدة مساعدة القادة الوطنيين لتطوير الدعم السياسي اللازم لدرء المتمردين، الانتهازيين والجيران، حكومة جديدة يجب أن تجد حلفاء نشطين في كل جزء من البلاد، ويجب أن يكون هؤلاء الحلفاء موثوق بهم. في المقابل، يجب أن يضمنوا أن ولاءهم يكسبهم المكافآت والأمن على المدى الطويل.

لكن التفاوض مع قادة محليين يمكن أن يكون مكلفا وشاقا، فغالبا ما يفضل القادة المحليون التركيز على إرضاء الجماعات الخاصة، من الرفاق والمقربين. وحصر فوائد السلطة بدائرة صغيرة وإهمال المناطق النائية وجعلها تحت رحمة الفاسدين، يعبر عن سياسة مركزية قصيرة النظر تخلق حالة الضعف.

* ادفع باتجاه تقاسم السلطة: المفتاح هنا هو الدستور الاتحادي الذي يوزع السلطة بين الحكومات الوطنية والمحلية. ففي كثير من الأحيان في العراق وأفغانستان، ركز صنّاع السياسة الأميركية على تطوير قدرات الحكومة الوطنية من أعلى إلى أسفل. بينما الأحكام الدستورية التي تمنح سلطة كبيرة للحكومات البلدية والمحلية المنتخبة يمكن أن تساعد على ضمان أن هناك قادة في كل جزء من البلاد. يجب أن تمول هذه الحكومات المحلية بصورة عادلة، جدا، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بتقاسم الموارد الوطنية، مثل حقول النفط في العراق.

توفير كادر متخصص: الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق كانت من دون وكالة واحدة مستعدة لمواجهة تحديات بناء الدولة. بينما كان لا يكفي ترك هذه المهمة للجيش، والفشل الذريع في العراق بعد غزو عام 2003 أثبت ذلك.

وبحسب الكاتبين، فإن بلادهما بحاجة إلى وكالة جديدة مكرسة بشكل واضح لبعثات بناء الدولة، من الأميركيين ذوي المهارات المتخصصة. وهؤلاء الخبراء عليهم الجمع بين معرفة الحكم المحلي، والدهاء المالي، والمهارات الإدارية والقدرة اللغوية، جنبا إلى جنب مع التدريب العسكري الأساسي اللازم لبناء الثقة في مناطق الصراع.

* تقديم التزام مستدام: تحتاج الولايات المتحدة أن تكون قادرة على تقديم الدعم الموثوق طويل الأجل للحكومات الصديقة التي تواجه حركات التمرد من دون الالتزام بالتدخل العسكري الهائل. وهي سياسة أكثر استدامة مما كان عليه في السنوات الأخيرة، وتقوم بناء على إرسال مساعدات وفرق من المستشارين الأميركيين بدلا من التركيز على نشر كتائب الحشد العسكري، فيمكنك بزيادة عدد الجنود والمعدات أن تنتصر، ولكن لا يمكن لك أن ترتقي بالثقة مع المجتمعات المحلية.

وينظر الأميركيون في كثير من الأحيان بأسى إلى النتائج الأخيرة لبناء الدولة، فـ"في أفغانستان دعمنا حكومة مركزية فاسدة في بلد جامح تعوّد على الحكم اللامركزي. وفي العراق، وجدنا أنفسنا متشابكين مع الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة برئاسة نوري المالكي، الذي مهد الطريق لظهور (دولة إسلامية) من خلال استعداء الأقلية السنية في البلاد".

وإن بناء سليما للدولة يعني "ليس مجرد عالم أكثر حرية وأكثر استقرارا، ولكن أميركا أقوى وأكثر أمنا، ومن دون تلك العمليات العسكرية الطويلة التي كلفتنا وشركائنا المحليين غاليا".

 *الصورة: عسكري عراقي في ناحية الشورة جنوب الموصل/وكالة الصحافة والفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".