بقلم حسن عبّاس:
معركة الموصل هي معركة عراقية تعني العراقيين بالدرجة الأولى. ولكن لا يمكن إغفال بعدها الإقليمي وتضارب رؤى القوى الإقليمية حول النتائج المتوخاة منها.
فما تريده إيران غير ما تريده تركيا. وما تريده كلتاهما يختلف عن الرغبات السعودية. وبدورها لمصر رؤية خاصة حول المطلوب إنجازه.
"تشنّج" سعودي
لا تخفي الرياض قلقها من معركة الموصل وتصوّب بشكل أساسي على القوى المشاركة في المعركة وبالأخص على الحشد الشعبي.
وأبدى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير معارضة بلده لـ"أي مشاركة للمليشيات الشيعية"، بحسب وصفه، معتبراً أنها "تُدار من الحرس الثوري الإيراني"، وأن مشاركتها قد تتسبب بارتكابها مجازر سيستغلها المتطرّفون الذين يجنّدون لداعش.
وفي تعليقه على حدّة الخطاب السعودي، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة أن "الموقف السعودي متشنّج لأن الرياض تشعر بقلق حقيقي من تمدّد النفوذ الإيراني".
وقال لموقع (إرفع صوتك) إن سياسة السعودية تغيّرت تماماً في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز فبعد أن كانت تستخدم أساليب المال والديبلوماسية وإطفاء الحرائق انتقلت إلى التدخل المباشر مع خوضها حرب اليمن.
وأشار إلى أن "المملكة تخشى أن يتمدد النفوذ الإيراني إلى منطقتها الشرقية الغنية بالنفط".
وعدا أسباب القلق المذكورة التي يعتبرها نافعة "موضوعية"، لفت إلى سبب آخر هو أن "السعودية دولة وهابية من الناحية الفكرية وتعادي الشيعة إيديولوجياً إلى حد ما وبينها وبين الشيعة صراع مذهبي لا فقط سياسي، فالبعد المذهبي حاضر دائماً ليغذّي سياساتها".
التدخّل التركي
سبقت حرب التصريحات بين المسؤولين الأتراك والعراقيين انطلاق معركة تحرير الموصل ولا تزال مستمرة. وتعارض أنقرة مشاركة الحشد الشعبي وعناصر موالية لحزب العمّال الكردستاني في المعركة.
وأكّد الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أن بلده سيتدخّل في المعركة، وطرح نفسه حامياً لسنّة العراق بقوله "لا نرغب في أن يقع أشقاؤنا العرب السنّة والتركمان هناك فريسة لأحد".
وفي مقال بعنوان "تركيا ليست غريبة عن الموصل" نُشر في صحيفة "ديلي صباح"، اعتبر الكاتب التركي إلنور تشيفيك أن "تركيا تريد الحفاظ على وضع العرب السنّة في الموصل، ولا ترغب في رؤية الميليشيات الشيعية وهي تدخل المدينة وتزرع بذور صراع طائفي واسع على بوابتنا".
وتابع أن تركيا قد تتدخّل مباشرة كما فعلت في سورية "إذا لم ينجح الأميركيون في إبعاد الميليشيات الشيعة العراقية وحزب العمال الكردستاني من الموصل".
وكتب "يؤكد المسؤولون الأتراك عن حق أنه إذا أُجبر أهالي الموصل على الفرار من أراضيهم، فسينتهي المقام بهم جميعاً في تركيا، وليس في واشنطن أو في أي بلد أوروبي آخر. ولذلك فإن من الطبيعى أن تكون تركيا لاعباً في اللعبة، وليست بالرجل الغريب مثلما يود رئيس الوزراء العراقي أن يراها".
وعن الموقف التركي، أشار حسن نافعة إلى أن "مشكلة السياسة التركية الرئيسية هي حزب العمال الكردستاني وأنقرة مستعدة للتحالف حتى مع مجموعات إرهابية لدرء هذا الخطر عن نفسها وقد مارست ذلك عملياً في بداية الأزمة السورية حين فتحت حدودها أمام كل الجماعات الإرهابية".
وأضاف "لكن عندما دارت الأمور وبدأت تكتشف أن الأكراد في سورية وتركيا تزداد فرصهم في تشكيل دولة موحّدة أدركت أن عليها التصرّف بنفسها لاستئصال هذا الاحتمال فأطلقت عملية درع الفرات".
واعتبر أن "أنقرة مستعدة للعب على الوتر الطائفي لتحجيم نفوذ خصومها الأكراد".
الهدوء الإيراني
في تصريحات مسؤوليها، تكرّر إيران أنها لا تقوم بأي دور مباشر في معركة الموصل بل تقدّم فقط مهام استشارية بناء على طلب الحكومة، وتردد أنه لا يحق لأحد التدخل في الشؤون العراقية بدون إذن الحكومة العراقية.
واعتبر الكاتب ورئيس تحرير صحيفة الوفاق الإيرانية مصيّب النعيمي أن "إيران تؤيد تحرير أي شبر من أراضي العراق وسورية من المجموعات الإرهابية".
وأضاف لموقع (إرفع صوتك) أن معارضة إيران لوجود قوة تركية في العراق هو دعم لرفض العراقيين هذا الأمر، ولكنّه أشار إلى أن "تركيا تدعم مجموعات مسلّحة إرهابية في سورية والعراق ولولا دعمهم في سورية لما وصلوا إلى العراق".
واعتبر أن "مصلحة إيران تتطلّب وجود عراق مستقر ذي سيادة بدون أن تكون أيّة قوّة أجنبية مسيطرة عليه فبين الدولتين حدود طويلة".
وإذ أكّد وجود فِرَق إيرانية عسكرية استشارية في العراق، لفت إلى أن "العراقيين والأكراد هم مَن طلبوا مساعدة إيران حين تمدد داعش".
ولكن محللين كثر يعتبرون أن خطاب إيران الهادئ ناتج عن قوة نفوذها في العراق بحيث تستطيع أن تمرّر رغباتها عبر القنوات الرسمية.
الدعم المصري
موقف الخارجية المصرية عبّر عنه المتحدث الرسمي باسمها، المستشار أحمد أبو زيد، فأبدى دعم القاهرة لمعركة العراق ضد الإرهاب بدون أي تحفّظ، مشيراً إلى أن التنظيمات الإرهابية لا يمكن لها أن تصمد أمام إرادة الشعوب المحبة للسلام والاستقرار.
وفي تعليقه على الموقف المصري، أشار حسن نافعة إلى أن "مصر تتابع باهتمام ما يجري في العراق وتعتبر معركة الموصل مهمّة ومتقدمة في سبيل القضاء على الإرهاب".
وبعد إشارته إلى أن هنالك قوى إقليمية تقرأ المعركة قراءة طائفية، أكّد أن "الموقف المصري لا يقرأ ما يجري على هذا النحو. فمصر تعتبر أن الحكومة العراقية، وخاصة بعد تغيير رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، تعبّر عن الموقف العراقي الجامع".
واعتبر أن "الموقف المصري يتّفق إلى حد كبير مع الموقف الرسمي للحكومة العراقية وكذلك مع الموقفين الإيراني والروسي ولكن بدون تطابق كامل معهما".
وبرأيه، "تعتبر مصر أن القضية الرئيسية هي الإرهاب ولا تريد إثارة معارك جانبية على حساب القضية الرئيسية".
*الصورة: قرية عراقية في محافظة نينوى تبعد 25 كيلومتراً شرق الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659