الجزائر – بقلم أميل عمراوي:
على غرار البلدان المغاربية، تكتسي الزوايا الدينية بالجزائر أهمية قصوى في فهم معاني الدين الإسلامي إتباعا للسنة النبوية بإحدى الطرق المتفق عليها، مثل الطريقة القادرية والتيجانية والرحمانية وغيرها.
وتعد الزوايا في الجزائر، كما في المغرب وتونس، منظومات دينية صوفية تضطلع بتلقين تعاليم الإسلام على نهج معين موروث عن إمام أو مأثور عن جماعة دينية معروفة. هذا النهج يعرف بـ "الطريقة".
وقد تكفلت تلك الطرق وأخرى، بنشر تعاليم الإسلام وتلقين مبادئه السمحة المرتبطة عضويا بالممارسات اليومية على الرغم من محاولات محو الشخصية الإسلامية عن الجزائر من طرف القوى الاستعمارية عبر التاريخ. فهل تستطيع هذه الزوايا الاستمرار بمهمتها في ظل الخراب الفكري الذي تنشره التنظيمات الإرهابية باسم الإسلام؟ وهل يعترف متّبعو الطرق الصوفية لداعش مثلا بانتمائه للسنة؟
في هذا المقال، يرصد موقع (إرفع صوتك) ردود فعل بعض مرتادي الزوايا بالجزائر ورأيهم في سنّية داعش وكذا رؤيته للرسالة المحمدية وعلاقات المسلمين بغيرهم من الأجناس والديانات.
يقول عمي صابر، في العقد الثامن من عمره، إنّه لم يكن يتصور أن يصل بعض المسلمين إلى هذا المبلغ من العداء للحياة. ويؤكد براءة الإسلام ممّا يقوم به أنصار القتلة من متبعي تنظيم داعش الذي يعتبر نفسه مدافعا عن سنة النبي محمد والإسلام بشكل عام.
مرتزقة بلا دين
"يعتقدون أنهم ينتصرون للسنة هكذا؟ إنهم مرتزقة لا دين لهم، لم نقرأ في أي كتاب ما يحكمون به، أنا من متبعي الطريقة التيجانية وأؤكد براءتنا من هكذا مجرمين"، يقول عمي صابر.
وتنتشر الطريقة التيجانية في كل من تونس والجزائر والمغرب وبعض الدول الأفريقية مثل نيجيريا والسنغال، كما أن لها أتباعا في كل من مصر وفلسطين.
باكير نصايبي، جزائري ينحدر من ولاية ورقلة، يقول إنه من متبعي الطريقة القادرية التي تنتشر كذلك في كل من السودان والصومال على وجه الخصوص، وهي من أكبر المدارس الصوفية في العالم ولها متبعون كثر في جميع أنحاء أفريقيا.
يقول باكير إنه تلقن تعاليم الدين الإسلامي منذ صغره متبعا الطريقة القادرية، وأنه لم يفكر في انتماء داعش لأنه لا يرى له مرجعية فكرية ولا منهجية تقربٍ لله.
"لو لم تبادرني بالسؤال، لما فكرت في الموضوع، داعش مجموعة من المجرمين وحسب".
واغتنم باكير فرصة حديثنا إليه ليبرئ ذمته وإخوانه، على حد تعبيره، مما يقوم به تنظيم داعش في البلاد العربية والغرب وقال "السنة النبوية حسب الطريقة القادرية بريئة من هكذا أفعال".
جاؤونا بالذبح
عمي قدور من محافظة مستغانم، يؤكد أنه مستاء من الطريقة التي يعالج بها المتشددون نوازل العصر (المستجدات التي تطرأ من منظور ديني).
ويصف الرجل الذي يتبع الطريقة السنوسية التي تعتبر مستغانم عاصمة لمتبعيها، عناصر داعش بالمعتدين على سنة النبي.
"بالموازاة مع اعتدائهم على الإنسانية، هم يعتدون على سنة النبي، ترى في وجوههم نارا لا تمت للحياة بصلة. ألا يقولون أنهم جاؤونا بالذبح؟".
وتعتبر الطريقة السنوسية من الطرق الصوفية المنتشرة غرب الجزائر ويعود تأسيسها إلى عهد الأدارسة الذين حكموا المغرب خلال القرن التاسع وتتميز هذه المدرسة بطرق معالجتها للمشاكل الراهنة بمقاربات دينية لا تضع حدا بين الحداثة وأصول الدين.
ويتساءل عمي قدور المتقاعد من سلك التعليم عن حقيقة ادعاء داعش انتماءه لسنة النبي محمد ويرجح أن يكون ذلك مخططا لضرب قواعد الأمة الإسلامية التي تمزقها المذهبية بين السنة والشيعة في كل من العراق و سورية على وجه الخصوص.
"لا أظن أن ادعاءهم بريء، يحاولون زرع مزيد من الفرقة في أوساط الشباب خصوصا في العراق وسورية".
و يقول خطابي محمد في حديثه لموقع (إرفع صوتك)، وهو أحد رواد زاوية سيدي حسن بمحافظة سطيف شرق الجزائر، أن الدور الحقيقي للزوايا لا يقتصر على التنديد بما يقترفه داعش في العالم فحسب، بل من الواجب محاربته من خلال زرع أصول السنة الصحيحة عبر الخطب والملتقيات الفكرية وحث الشباب على عدم الخوض في مسائل فقهية يجهلونها وترك أمور الدين لمن تعنيه.
"لا بد من محاربة داعش هذا بكل الطرق. إنه يسيء للإسلام أكثر من أي كان، أنا سني وأبادله ذات العداء الذي يكنه للإنسانية كلها: سنة وشيعة ومسيحيون ويهود".
وبالموازاة مع ادعائها الانتماء للسنة النبوية، تحاول القنوات الإعلامية لتنظيم داعش التشكيك في مرجعية الزوايا. كما تحاول مسح جميع مآثر السلف الصالح الذي يعتبر مرجعية لمتبعي الطرق بهدم أضرحتهم حتى تبرز تنكرها للزوايا و الإسلام في طبعته الصوفية.
*الصورة: واحدة من زوايا الجزائر/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659