المغرب - بقلم زينون عبد العالي:

"خطاب التطرف والإرهاب وجد ضالته في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي أوساط المواطنين البسطاء ممن يغلب عليهم الجهل والفقر والأمية"، الكلام هنا لمواطن مغربي تحذوه رغبة في محاربة الفكر المتشدد ونشر قيم السلم والأمن في المجتمع المغربي. "هذا أمر خطير وجب التصدي له بحزم".

ويضيف المواطن المغربي رشيد العمار، 45 عاما، في حديثه لموقع (إرفع صوتك)، أن تنامي موجات التكفير والتطرف أصبحت تقلق راحته كمواطن وكأب لأسرة يخاف عليها من استهداف المتطرفين، خاصة أولئك الذين يدعون الحفاظ على القيم والأخلاق وتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها.

جبهة ضد الإرهاب

وفي ظل ما اعتبروه تناميا في خطاب الكراهية والتطرف، ارتأى فاعلون مدنيون وحقوقيون تأسيس "الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب" للحيلولة دون استمرار انتشار الفكر المتطرف في المغرب.

تأسّست الجبهة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وتهدف أساسا إلى مناهضة التطرف في جميع أشكاله والعمل على الوقاية من انتشاره في المجتمع المغربي، إضافة إلى التركيز على مجابهة خطاب التطرف الديني السائد حاليا وغيره من نزوعات التطرف وما يحرض على مصادرة حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة وحقوق المرأة والحق في الاختلاف الذي وصل إلى حد تكفير كل من يتبنى الاختيار الديموقراطي، بحسب ما ورد في البيان التأسيسي للجبهة والذي يتوفر موقع (إرفع صوتك) على نسخة منه.

"لاحظنا تناميا في الخطاب الذي يحرض على التطرف والعنف والإرهاب من طرف مسؤولين في مؤسسات رسمية، ووفي المساجد والزوايا، كما وصل الأمر ببعض نشطاء الإسلام السياسي إلى الدعوة علنا إلى قطع رؤوس من يخالفوهم"، يقول أحمد الدريدي أحد مؤسسي الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب بالمغرب.

ويضيف الدريدي في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّهم في الجبهة قاموا بدعوة الأحزاب السياسية المغربية إلى إدراج محاربة الإرهاب والتطرف ضمن برامجها الانتخابية، كما اقترحوا توقيع ميثاق شرف لمناهضة الإرهاب والتطرف لتوقيعه من طرف زعماء الأحزاب، "غير أننا منعنا من ذلك".

وكانت السلطات الأمنية بمدينة الدار البيضاء قد منعت نشاطا دعت إلى تنظيمه جبهة محاربة التطرف والإرهاب، يتمحور حول توقيع ميثاق بين زعماء الأحزاب السياسية المغربية لتضمين برامج أحزابهم مضامين تحارب الفكر المتطرف والمتشدد، ولم تقدم السلطات مبررات المنع حسب الدريدي الذي أكد في حديثه أنّهم حصلوا على ترخيص إقامة النشاط في مكان عمومي، كما أكد العديد من زعماء الأحزاب حضورهم لتوقيع الميثاق.

"رغم المنع الذي واجهنا أثناء توقيع ميثاق مناهضة التطرف والإرهاب"، يقول الدريدي، " إلا أن ذلك لم يحد من عملنا، فقد اقترحنا إدخال تعديلات في المناهج التربوية وتنقيحها من كل ما يمت بصلة إلى الفكر المتشدد ويشجع على الإرهاب، لضمان تربة سليمة لأطفالنا.

تأثير المبادرة

وعن التأثير الذي أحدثته المبادرة في المجتمع المغربي، يرى الدريدي أن الجميع يلتف حولها والكل يساهم في التصدي للفكر المتطرف الذي أضحى منتشرا بقوة في الفترة الراهنة من دون أن يجد من يتصدى له، "بل نجحنا في الضغط على عدم السماح لشخص سلفي بالترشح في الانتخابات، نظرا لأفكاره التي تعادي الديموقراطية".

ياسين الربعي، 26 عاماً، طالب في كلية الآداب بالرباط، يرى أنه لا يجب أن تكون مبادرات محاربة التطرف والإرهاب موجهة ضد الأشخاص. "فالإرهاب لا يرتبط بالتيار الإسلامي أو الأصولي فقط، بل هو موجود في أي مكان ووقت، وبالتالي فالمبادرات يجب أن تكون ضد الأفكار وليست ضد الأشخاص"، يقول ياسين الربعي.

في مقابل ذلك، يقول الدريدي إن الجبهة ليس موجهة ضد أشخاص بعينهم أو جهة سياسية كما يتم الترويج له من طرف تيار الإسلام السياسي بالمغرب، بل هي موجهة ضد من يهدد الأمن والاستقرار بأفكاره المتطرفة.

ويضيف الربعي أن جبهة مناهضة التطرف والإرهاب كان لها وقع إيجابي عليه، حيث "أحيت في نفسي الشجاعة لمواجهة أصحاب الفكر المتشدد الذين يرغبون في فرضه على الجميع بداعي أنهم حماة الدين".

"نواجه الكثير من حاملي هذا الفكر كل يوم سواء في الجامعة أو الشارع، ولا نجد وسيلة لمواجهتهم إلا بالفكر.. نتمنى أن تساعدنا الجبهة في التكوين والتوعية بما يجب القيام به لمواجهة هؤلاء"، يقول الربعي.

تهديدات في ارتفاع

في حين ترى شيماء الغازي، وهي مستخدمة في مركز اتصال، أن مظاهر التطرف أصبحت مستشرية بقوة في العالم الافتراضي، وهو ما يحد من حريتها في التعبير ويهدد سلامتها، خاصة في ظل التهديدات التي يتلقاها البعض بالقتل والذبح.

وتضيف شيماء في حديثها لموقع (إرفع صوتك) أن الجبهة التي تم تأسيسها للوقوف في وجه من يهدد حرية المغاربة وأمنهم يجب أن تُدعم من طرف الجميع، ما دامت تدافع عن قيم الحرية والأمن والاستقرار، "فمحاربة الإرهاب تقع على عاتق الجميع وعلينا دعم كل مبادرة تسير في هذا الاتجاه".

وترى شيماء أن مراقبة المتطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي وإن كانت تدخل ضمن عمل الأجهزة الأمنية، إلا أنها يجب أن تكون كذلك من طرف المساندين للجبهة، لأن كثرة دعاة التطرف والإرهاب كثر، ويجب محاربتهم بشتى الوسائل.

وكانت الجبهة قد أدانت "التهديدات بالقتل" التي تلقاها رسام كاريكاتير مغربي من طرف مجهولين بعدما قام بمشاركة الكاريكاتير الذي شاركه الصحافي الأردني المغتال ناهض حتّر، واعتبرت في بيان يتوفر موقع (إرفع صوتك) على نسخة منه أن مثل هذه التهديدات تهدف بالأساس إلى خلق حالة من الهلع والترهيب والخوف وإلى  ضرب الاستقرار.

*الصورة: إمرأة تضع ورقة كتب عليها "لا للإرهاب" في العاصمة المغربية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".