بقلم علي عبد الأمير:

ماذا لو تم نزع القناع المقدس عن الطائفيين؟ هل ستنكشف حقيقتهم ككائنات طفيلية قاتلة لمجتمعاتهم؟ فالطائفيون الشيعة والسنة ومنذ العام 2003 حين انقضوا على العراق الغني، يربحون دائما مالا ووجاهة ونفوذا مقابل مواطنين يخسرون على مختلف الصعد.

كيف يمكن كشف حقيقة الطائفية بوصفها تجارة رابحة لأصحابها وقاتلة للمعتقدين بها من عامة الناس؟ ما هي المؤسسات المالية وأشكال النفوذ التي حققها الطائفيون؟ وما الأثمان الباهظة التي دفعها المواطن حيال تقدم الطائفية تحت رايات مقدسة؟

الكشف عن حقيقة الطائفيين بوصفهم تجارا.. هل سيجعل الطريق سهلا أمام إنهاء سطوتهم ونفوذهم القاتل؟ ومن سيتولى ذلك الكشف لا سيما أنّ الوقت يبدو شديد التعقيد، فهناك تداخل المواقف والأفكار، وهناك الإرهاب ونتائجه الكارثية. وقبل كل ذلك هناك إحساس بسلطة الطائفيين القوية ونفوذهم المتعاظم وتضاؤل القدرة على مواجهتهم!

الطائفية: أفضل الأيام ربحا!

وبحسب وجهة نظر تقدم معطياتها تفسيرات لأسس عالمنا المعاصر، وتقوم على التفسير الاقتصادي حتى للمعتقدات الكبرى، بل "تستطيع تقييم الأديان والأفكار والقوانين وحتى الحقوق"، كما يقول عمر نزار، فإن "أسوأ أيام مرت على العراق هي أيام الحرب الطائفية" مستدركا "لكن وعلى حد قول أكثر من تاجر، كانت أفضل الأيام ربحا".

ويتساءل الناشط في مجال الحريات الفكرية والتعبير، ضمن مشاركة منه في نقاش حول الموضوع اقترحه كاتب السطور، "لنتصور كيف كان السياسي يتكسب من الحرب الطائفية، حين يرسم خطوطها وانحناءاتها وزواياها وأنواع الحرق التي تحتاجه لإشعال المشاعر".

"تجارة الدين" وامتلاك البسطاء

وفي النقاش ذاته، كان الحديث قد ذهب إلى أنّ الإتجار بالدين أسهل الطرق للسيطرة على عقول البسطاء، غير أنّ مهمة "كشف زيف الطائفيين ومدى خطورة طروحاتهم على المجتمع فهي مهمة على الدولة القيام بها" كما يذهب إلى ذلك، سهيل كبّة، عبر ما يلي من الخطوات والإجراءات:

* تأصيل روح المطالبة بالحقوق العامة والشخصية

* المطالبة بتشريع قوانين مهمة منها قانون تجريم الكراهية والعنف والطائفية السياسية

* تشريع قانون لتنظيم عمل الأحزاب لا يجيز قيام أحزاب دينية

* تكريس فصل السلطات

وهذا من دون أن ينسى "الاهتمام بالتعليم، وحبذا لو تم رفع دروس التربية الإسلامية، والتعويض عنها بدروس الأخلاق والمقارنة بين الأديان".

وردا على سؤال "هل يمكن تشريع قانون تجريم الكراهية والعنف والطائفية من قبل قيادات تتسيد المشهد السياسي في البلاد وتحض على الكراهية والعنف والطائفية؟"، يوضح سهيل كبّة أنّه "علينا فضح كل الممارسات الخاطئة في العملية السياسية، واستخدام الأدوات المتاحة وفقا للدستور ومنها حق التظاهر لفضح الفساد والمفسدين، ولزيادة الوعي وقلب الطاولة على رؤوس صناع القرار. يبقى الأمل موجودا ما دامت موجودة وفاعلة تلك الأقلام والعقول التي تتبنى موضوعة الحداثة وترك الماضوية والتشبث بحق المواطن من الخدمات وقيام الحكم الرشيد".

الطائفية: بزنس سهل، وخبزة ممتازة

ويرسم الكاتب صالح الحمداني، صورة للمنطقة المشتركة ما بين التاجر والسياسي الطائفي العراقي، فـ"مثلما يذهب التاجر العادي إلى آسيا أو جنوب شرقها، أو حتى أوروبا، ليجلب منها - ما طاب للزبائن من بضائع - لدكانه. يولي تاجر الطائفة شطر وجهه نحو دول الجوار من أجل أن يجلب - ما طاب للزبائن من بضائع - لدكانه هو الآخر!".

وبحسب هذه القراءة، فنحن حيال "دكاكين مفتوحة لكل الأطراف، تغذيها أموال النفط، بضاعتها التفرقة الطائفية والعنصرية وحتى الجنسية، وزبائنها: سذج، وعميان، ومتحمسون! بزنس سهل، وفيه (خُبزة) ممتازة، رأسماله: زي ديني، وكلمات تدور حول صراع لموتى صدر الإسلام، وأرباحه لا حصر لها".

ويبدو أن القريبين من هذا "البزنس" يعرفون جيدا كم هو سهل ومربح، ويعلمون أن "خديعة تلك التي وقع فيها مجتمعنا بالكامل، وصار أغلبه من بعدها وقودا، بيد صاحب الوجاهة والقداسة. لكن من يجرؤ على الكلام؟ ومصارحة الناس بهذه المؤسسات التي ظاهرها ديني وباطنها مالي تجاري!"، يتساءل الحمداني في مداخلة مع (إرفع صوتك).

الدكاكين الطائفية

وينتقد الكاتب ما بدا شبه معادلة في الحياة العراقية الراهنة: طائفيون متنفذون أغنياء مقابل أتباع مطيعين فقراء مهانين، فيقول "لو تنبه "الأتباع" للحظة لما يملكه أصحاب هذه الدكاكين الطائفية، ابتداء من مواكب السيارات المصفحة وانتهاء بالشركات التي تصلها المقاولات بلا منافسة، ومرورا بالقصور والشقق والبساتين في داخل العراق وخارجه، لأدركوا حجم الخديعة التي نعيش فيها، و لعرفوا بأن القدسية المزعومة ما هي الا أفيون للشعوب الكسولة الاتكالية، وأن الطائفية هي أعظم وأسهل تجارة في العالم، تنافس النفط والسلاح والمخدرات، وقد تتفوق عليها منفردة أو مجتمعة"، مستدركا "سنظل ندفع ثمنا باهظا لهذا البزنس: رجالا، وأموالا، وفرصا لهذه البلاد التي كتب عليها الخراب!".

*الصورة: أشعل تفجير ضريح الإمامين العسكريين نار حرب طائفية في العراق قتلت 34 ألف شخص سنة 2006/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".