مشاركة من صديق (إرفع صوتك) بهاء البصري:

غالباً ما يسلط الإعلام الضوء على معاناة ملموسة ومعروفة لدى الكثيرين من العالم حيث تتناولها أكثر من محطة إعلامية أو صحيفة وتصبح حديث الناس لوقت طويل. فمنذ دخول قوات التحالف العراق عام 2003 وسقوط النظام، مر العراق على طوال الـ 13 عاماً بظروف هي الأقسى والأعنف؛ قتلٌ، تهجير، سلب للحقوق والحريات، عوز، وفقر.

ولعل آخرها الكابوس الذي اقتحم حياتنا وهو دخول تنظيم داعش المتطرف إلى العراق وسيطرته على مدن عراقية عدة دفع آلاف العوائل إلى ترك مناطق سكناهم باحثين عن مكان أكثر أمناً، فهناك من سكن المخيمات التي أنشأتها المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومنهم من اختار دول الجوار والهجرة بعيداً عن أرض الوطن وسلوك طريق الاغتراب الصعب.

محطة انتظار

تعتبر تركيا من دول الجوار التي استقبلت آلاف اللاجئين العراقيين وأغلب هؤلاء الذين دخلوا إلى الأراضي التركية مسجلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون للاجئين، باحثين عن أمل جديد في إيجاد بلد الاستيطان.

تركيا هي محطة انتظار للكثير من العراقيين، حيث قد يختارها العراقي مكرهاً فلا يوجد مكان أكثر أمناً وقرباً للعراق من تركيا، فأغلب دول الجوار لا تسمح بدخول العراقيين إلى أراضيها في ظل الشروط التعجيزية والتي تسبب حجر عثرة للكثير من العراقيين، فهل سيكون لوضع اللاجئ العراقي من ترميم أو تحسن لطالما حلم به وهو يقاسي ما يقاسيه في بلاد اللجوء، وهي أبسط متطلبات العيش التي يتمتع بها فقراء العالم وليس مواطني بلاد البترول والثروات؟

موت بطيء

كثرة الطلبات المقدمة في مكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين جعل الكثير من الملفات تتأخر إلى أجل غير مسمى.

يحدثني أبو ديفيد، وهو أحد العراقيين الفارين من بطش داعش مع عائلتهِ من مدينة الموصل، عن الظروف التي يمر بها بانتظار المقابلة الأولى لتحديد مصيره ومصير عائلته وهو يدخل عامه الثاني في تركيا: أرى مستقبل أطفالي يضيع أمامي، وأنا نموذج من أناس كثيرين يحملون نفس المعاناة.

أما أبو سمير، وهو رب عائلة ينتظر موعد طيرانه إلى دولة الاستيطان الجديد أميركا بعد طول انتظار دام ثلاث سنوات ونصف، حيث أخبرني عن السنوات التي مرت بكل ما فيها من ظروف مادية ونفسية أثرت على عائلته إلا أن الفرحة غمرتهُ بعد أن وصل إلى مراحله الاخيرة قبل المغادرة إلى الوطن الجديد متمنياً أن يسافر الجميع إلى البلد الذي يتوفر به الأمان ونيل جزء من حقوقه في الحياة.

معاناة لا تنتهي

لم يخطر ببال الكثير من العراقيين، وخصوصاً ممن يسكن تلك المناطق الساخنة كالموصل والأنبار وتكريت، أن يهرب بليلة ظلماء بدون سابق إنذار. وغالباً ما تكون هذه العوائل من الطبقة المتوسطة والتي تملك وظيفة في الدولة واعتمادها الكامل هو على ما يستلموه من الدولة العراقية من معاش. والجزء الآخر هم من الطبقة الأقل من متوسطة، والتي نسميها الطبقة الكادحة وهي المعتمدة على الأجر اليومي. وعند هروب هؤلاء الناس من الطبقات المختلفة إلى دول الجوار الأكثر امناً، تبدأ معاناة من نوع آخر: وهي كيفية العيش والتكيف في ظل التكاليف المرتفعة.

بعد وصولهم إلى البلد الآمن أو ما يسمى بـ"بلد التوطين"، تبدأ رحلة بحث كل عائلة أو شاب عن فرصة عمل وعن بيت ليسكنه، وهنا يمكن أن يكون ضحية لعمليات النصب والاحتيال التي قد يتعرض لها من بعض ضعاف الضمير والإنسانية. وأنا شاهدت مثل هذه الحالات مع الكثير من الأصدقاء وأصابني الذهول لافتقار الكثير من أبناء جلدتك إلى التعاون والتعاطف ونحن نواجه مصيراً مجهولاً في بلد لا نعرف لغته وأبسط قوانينه.

أرقام وإحصائيات

لا توجد أرقام واحصائيات دقيقة بعدد اللاجئين العراقيين الذي دخلوا إلى تركيا منذ دخول داعش منتصف عام 2014 واحتلاله الموصل وسيطرته على العديد من المناطق والمدن العراقية، إلا أن منظمة الأمم المتحدة أعلنت عن نسبه تقريبية مطلع هذا العام 2016 ونشر على العديد من المواقع الالكترونية حيث وصل عدد الاجمالي للاجئين العراقيين إلى 119933 ألف لاجئ ولا نعلم هذه النسبة سوف ترتفع أم تنخفض في ظل الظروف القاسية التي يمر بها العراق.

 عن الكاتب: بهاء البصري، صحافي ومدوّن عراقي، مقيم في تركيا، كتب لعدد من المواقع والصحف، منها صحيفة الزمان. وهو ناشط على مواقع التواصل المجتمعي. 

لمتابعة الكاتب على تويتر إضغط هنا، وعلى فيسبوك إضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".