العراق - النازحون

بقلم حسن عبّاس:

تواجه السلطات العراقية تهديدات أمنية هائلة، ولكن استجابتها لتلك التهديدات بتدابير لا تراعي حقوق الإنسان تؤدي إلى ولادة مخاطر أكبر.

هذا هو واقع الحال العراقي، كما تعرضه منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته مؤخراً بعنوان "يعاقَبون على جرائم تنظيم الدولة الإسلامية: النازحون العراقيون يتعرضون للانتهاكات على أيدي الميليشيات والقوات الحكومية"، وتصف فيه ما يحصل بأنه "محنة النازحين العرب السنّة" في العراق.

"ضربوني وضربوا الآخرين بأي شيء كانت تقع عليه أيديهم: بالقضبان المعدنية، والمجارف، والأنابيب، وأسلاك الكهرباء... داسوا على جسدي ببساطيرهم (أحذيتهم العسكرية)، أهانوني وقالوا إن هذا تسديد لحساب مجزرة سبايكر. رأيت شخصين يموتان أمام عينيّ".

هذه رواية ينقلها تقرير المنظمة عن أحد الناجين وهو في الأصل من الصقلاوية (شمال الفلوجة)، ثم نزح إلى مخيم في عامرية الفلوجة وأكّد أن 17 من أقاربه ما زالوا مفقودين.

ومجزرة سبايكر هي مجزرة قتل فيها داعش مئات من طلاب الكلية العسكرية الشيعة الذين كانوا في قاعدة سبايكر العسكرية قرب تكريت صيف عام 2014.

وفي سياق عملية تحرير منطقة الفلوجة من سيطرة داعش، "ارتكبت ميليشيات الحشد الشعبي جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وعمليات القتل غير القانونية الأخرى، والتعذيب والإخفاء القسري ضد النازحين داخلياً الفارين من الصقلاوية والسجر، شمالي مدينة الفلوجة"، بحسب التقرير المذكور.

وذكر تقرير آخر شهادة رجل هرب من ناحية الصقلاوية التابعة لقضاء الفلوجة وقال فيها "كنّا لا نقل عن 1300 شخص من الرجال مع زوجاتنا وأطفالنا، وصادفنا في الطريق قوات مسلحة قبل أن ندخل منطقة الشهداء تماماً. ظننا أنهم الجيش، لكن تبيّن لنا أنهم من كتائب (حزب الله) التابعة للحشد الشعبي. تم فصل الرجال عن النساء والأطفال، واختفى المئات ولم يرهم بعدها أحد أبداً".

هذا الرجل كان ضمن المجموعة الأكثر حظاً من الرجال والأولاد البالغ عددهم 605 الذين نُقلوا إلى عامرية الفلوجة في 5 حزيران/يونيو 2016 بعدما تعرّضوا للتعذيب. وقد مات 49 من هؤلاء النازحين ونُكّل بجثث بعضهم فيما لا يزال مصير 643 آخرين مجهولاً.

وبشكل عام، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن أبحاثها تُظهر أن قوات الأمن والميليشيات شبه العسكرية "عرّضت العرب السنة الذين فرّوا من المناطق التي سيطر عليها التنظيم (داعش) للاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري والقتل غير المشروع بعد أسرهم أو احتجازهم".

طريق العذاب

يتعرّض جميع النازحين الذكور من الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش ممّن أعمارهم بين 15 و65 عاماً "لإجراءات أمنية غير واضحة ومعيبة"، بحسب تقرير منظمة العفو الذي يشرح أن "هذه الإجراءات تُنفَّذ من قبل قوات الأمن العراقية وميليشيات الحشد الشعبي، على الداخلين إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة المركزية، أو من قوات الأسايش (قوات الأمن الكردية)، على الداخلين للأراضي التي تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان".

ففي المخيّمات القائمة في كردستان العراق، تمنع قوات البيشمركة عائلات المشتبه في أنهم أعضاء في داعش من العودة إلى مناطقهم، وتمنع كذلك سكان القرى العربية والسكان العرب في البلدات العربية-الكردية المختلطة من العودة إلى ديارهم، بحسب تقرير منظمة العفو.

وكشفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أن قوات الأسايش والشرطة الاتحادية العراقية تمنع النازحين المقيمين في مخيّمي نزراوة وليلان من مغادرتها بدون وكيل من مواليد كركوك، كما قامت، في بعض الحالات، بحجز بطاقات الهوية الخاصة بسكان المخيم طالبةً منهم العودة في نفس اليوم ليستعيدوها.

وفي تقارير مختلفة، عرضت هيومن رايتس ووتش لانتهاكات الميليشيات الشيعية والقوات الأمنية العراقية بحق النازحين من مناطق جرى تحريرها من داعش، مثل آمرلي وتكريت.

الإفلات من العقاب

ما يحصل، برأي منظمة العفو، ليس استثناءات فهي تتحدث عن "وجود نمط قائم منذ فترة طويلة من الإفلات من العقاب وعدم الإنصاف"، معتبرة أن هذا "ساهم في ظهور تنظيم داعش وصعوده في العراق".

بعد تحرير الفلوجة، وعلى إيقاع الضغط للتحقيق في الانتهاكات التي حصلت، شكّل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في 4 حزيران/يونيو، لجنة لتقصي الحقائق، وبعد 3 أيام، أعلن القيام باعتقالات غير محددة و"إحالة المتهمين بارتكاب تجاوزات إلى القضاء لينالوا جزاءهم وفق القانون". وطلبت منظمة العفو الدولية من السلطات العراقية معلومات مفصلة عن أساليب عمل اللجنة، وتكوينها وصلاحياتها، لكنّها لم تتلقَّ أيّ رد.

وأشارت إلى أن الأمور تجري دائماً هكذا، "فعلى سبيل المثال، لم يتم الإعلان عن نتائج تقصي الحقائق في عمليات القتل غير القانونية وغيرها من الانتهاكات على أيدي ميليشيات الحشد الشعبي في محافظة ديالى في قرية بروانة، في 26 كانون الثاني/يناير 2015، وفي مدينة المقدادية، في 11 كانون الثاني/يناير 2016، ولم يتعرّض أي من أعضاء ميليشيات الحشد الشعبي للمساءلة.

الآن، وبمناسبة معركة الموصل، تعتبر هيومن رايتس ووتش أن هناك خطراً على المدنيين، إذ "تخطط السلطات لإخضاع الفارين من الموصل خلال المعركة لفحص أمني، ولكن عمال الإغاثة يقولون لنا إن السلطات ذاتها رفضت تقديم أية معلومات حول معايير الفحص. واستنادا إلى تجربة الفلوجة، يمكن أن تشمل المعايير إجراءات تعسفية".

*الصورة: امرأة نازحة من الفلوجة تحمل طفلها/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".