بقلم خالد الغالي:

السنّة والشيعة هما أكبر طائفتين في العالم الإسلامي، وإن كانت الكفة العددية تميل لصالح السنة. يفصل بين الطائفتين ماضٍ طويل من الخلافات يرجع إلى 14 قرنا، تحوّل في بعض محطاته إلى مآسٍ وحروب ودماء.

وبينما يتميز الوضع الحالي بتوتر شديد بينهما، على وقع ما يجري في العراق وسورية واليمن والبحرين، يبدو الوقت مناسبا للتذكير، بشكل مختصر، بأهم الخلافات العقدية والفكرية بين الطائفتين.

الإمامة

إنها أبرز نقطة خلاف، وعلى أساسها وقعت الفُرقة أصلا. يؤمن السنّة أن الإمام أو الخليفة يتعين بالاختيار أو الانتخاب. فيما يؤمن الشيعة أنه يتعين بالنص، أي أن الأمر محسوم بحكم إلهي لم يترك للأفراد حرية التصرف. وأصل الخلاف هو أن السنّة يؤمنون أن النبي محمد لم يسم خليفة بعده، يُمنع على المسلمين التحوّل إلى غيره. وعلى هذا، تكون إمامة الخليفة الأول أبي بكر، في نظر أهل السنة، شرعية لأنها تمت باختيار المسلمين، وينطبق الأمر ذاته على عمر وعثمان وعلي.

أما الشيعة، فيؤمنون أن النبي محمد اختار ابن عمه (علي بن أبي طالب) للإمامة، يتوارثها أولاده بعده ولا يجوز صرفها إلى غيرهم. فتكون خلافة أبي بكر وعمر وعثمان غير شرعية، وإنما انتزعت من علي غصبا.

يستدل الشيعة على وجوب الإمامة لعلي بأحاديث من أبرزها حديث الغدير، وهو معروف وموجود أيضا في كتب السنة. يقول النبي في مقطع منه "من كنت وليه (في بعض الروايات مولاه) فعلي وليه".

في رأي الشيعة، هذا الحديث يؤكد حكما قطعيا ملزما بالولاية لعلي. بينما يقول السنة إنّه لا يتضمن دلالة على ذلك، وإنما المقصود بالموالاة المحبة والمودة وترك المعاداة. ويضيفون أن الخلافة أمر عظيم لا يمكن الدلالة عليه بلفظ مجمل كهذا.

العصمة:

يؤمن الشيعة بعصمة الأئمة. ويعٌدون اثني عشر إماما معصوما، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد بن الحسن العسكري، مهدي آخر الزمان في رأيهم. ويستدلون على عصمة الأئمة بآيات وأحاديث نبوية يرون أنها تؤكد ذلك. من بين هذه الآيات مثلا ما ورد في سورة الأحزاب "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".

يرفض السنّة في المقابل تفسيرات الشيعة، ويرون أن العصمة من الخطأ لا تثبت إلا للأنبياء فيما يبلغونه من رسالات ربهم. وأن جميع الناس بمن فيهم الصحابة يصيبون ويخطئون ويؤخذ من قولهم ويترك، إلا الأنبياء فيستحيل الخطأ في حقهم لأن الأمر هنا يتعلق بوحي.

السنة:

السنّة النبوية عند الشيعة والسنّة معا هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. تأتي بعد القرآن، وهي امتداد وتفسير له، ولها قوة تشريعية ملزمة. لكن، إذا كانت السنة عند أهل السنة تقتصر على قول الرسول أو فعله أو تقريره، فإنها تتوسع عند الشيعة لتشمل أيضا قول الإمام المعصوم أو فعله أو تقريره. فالأئمة تجري سنتهم مجرى سنة الرسول، لأن ما يصدر عنهم ليس اجتهادا أو استنباطا أو رأيا، بل هو عين سنة الرسول، سواء أسندوها إليه أم لم يسندوها.

ويمتاز الشيعة أيضا بأنهم لا ينقلون السنة عن كل الصحابة، بل يقتصرون على المعتبرين عندهم. وهذا نابع من عدم إيمانهم بفكرة عدالة كل الصحابة التي يؤمن بها أهل السنة.

عدالة الصحابة

رغم أن فكرة عدالة الصحابة قد تكون أهون نقاط الخلاف بين الشيعة والسنة من الناحية العقدية أو الفقهية، إذا قارناها بالموقف من الولاية أو العصمة أو السنة، إلا أنها النقطة التي تثير الكثير من الحزازات والتوتر في الوقت الحالي.

يقول السنّة إنّ الصحابة جميعهم عدول، تقاة، مستقيمو الدين والسيرة، غير أنهم غير معصومي الخطأ. يُجمع على عدالة الصحابة علماء أهل السنّة، ويرونها أصلا من أصولهم لا يقبلون الخروج عنه. وينظرون إلى خلافات الصحابة، وحتى الحرب بينهم، على أنّها اجتهادات أخطأ فيها من أخطأ وأصاب من أصاب. وهي لا تضع عدالة أي منهم محل نقاش. ويوالي السنة الصحابة كلهم ويمسكون عما شجر بينهم.

على العكس من ذلك، لا يؤمن الشيعة بعدالة كل الصحابة، ويرون أن منهم العادل والفاسق والمنافق. بل ذهب بعض المتشددين إلى درجة تكفير وسب بعض الصحابة وزوجات النبي. وهو ما أثار موجات غضب عارمة في أوساط السنة، ورفضا وانتقادات في أوساط الشيعة انفسهم.

*الصورة: الأزهر الشريف بمصر وحوزة النجف الأشرف بالعراق أشهر مرجعيتين دينيتين سنية وشيعية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".