بقلم إلسي مِلكونيان:
مع كل تقدّم تحرزه القوات العراقية المدعومة بالفصائل الشيعية لتحرير مدينة الموصل من قبضة داعش، تزداد المخاوف من اندلاع معارك طائفية جديدة بين سكان المناطق المحرّرة من سنّة وشيعة وأكراد.
وأمام هذه المخاوف، برزت محاولات وحّدت بين طوائف العراق المختلفة لمواجهة الإرهاب الذي أجّجه داعش منذ 2014، مما قد يمثل بصيص أمل لمستقبل أفضل.
السنّة والشيعة.. معاً ضد داعش
فرضت محاربة داعش على العراقيين ضرورة التلاحم لمواجهته، مما يمثل سابقة تستحق الاهتمام في هذا البلد الذي عانى من الصراعات الطائفية على مدى عقد من الزمن.
ومن أبرز مظاهر التلاحم الطائفي كانت العملية العسكرية لتحرير مدينة الموصل وتنسيق الهجوم بين القوات العراقية والعشائر السنية وقوات البيشمركة للقتال من كافة المحاور والوصول إلى مركز المدينة.
كما ساند العملية العسكرية تجمعات شبابية (يصعب إحصاء عددها)، تضم شباباً عراقيين من طوائف مختلفة يقومون بإغاثة النازحين في المخيمات ومساعدة المتضررين من الحروب. ومن هذه المنظمات منظمة غوث ومنظمة بناة العراق.
ودعّم موقف التلاحم الطائفي نشرة إعلام التحالف، والتي جمعت صحافيي القنوات العراقية في نشرة أخبار مشتركة تبث كل يوم على تلفزيون العراق الرسمي لنقل عمليات الموصل من الأرض وبشكل يومي.
ويشرح الإعلامي سامر جواد من قناة السومرية لموقع (إرفع صوتك) السبب والهدف من هذه المبادرة بقوله "أتينا بفكرة إعلام التحالف منذ ثلاثة أشهر بهدف شحذ الجهود الإعلامية لدعم العمليات العسكرية المشتركة وتقديم صورة دقيقة وواقعية حول ما يجري على الأرض".
إلى جانب ذلك، يشير جواد إلى أنّ الإعلاميين أطلقوا أوسمة مشتركة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل #جيشكم_معكم و#غرد_للموصل "لنوحد صوتنا ضد داعش في الفضاء الرقمي".
ولإعلام التحالف دور آخر يتمثل في عمل إنساني ينقل أخبار النازحين وعملية إخلائهم من المدينة. يضيف سامر "بمشاركة المحاور السنية والمحاور الشيعية، استطعنا نقل أخبار حقيقية حول النازحين وكسر العزلة الإعلامية التي كانت تعيشها الموصل".
ويؤكد الإعلامي العراقي وجود إرادة من قبل إدارة المؤسسات الإعلامية لمواصلة هذا الجهد في مرحلة ما بعد تحرير حيث يمكن استثمار الجهد الإعلامي لتذويب الخلافات بين السنّة والشيعة وبث برامج لتوحيد الخطاب الديني ومواجهة أفكار داعش والخطابات التكفيرية.
أحقاد الماضي لا تهدد المستقبل
وعلى عكس موقف التلاحم الشعبي هذا، تحدّثت منظمات دولية عن حدوث انتهاكات بحق آلاف المدنيين الفارين من الجهاديين على أيدي مجموعات مسلحة عراقية. وعبّرت عن قلقها من أن تتحول المناطق المحررة إلى مسرح لصراعات طائفية كنتيجة لأحقاد الماضي.
وأفاد تقرير لمنظمة العفو الدولية، مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أن عناصر من “ميليشيا عشيرة السبعاوي التابعة لـلحشد العشائري” نفذت “هجمات انتقامية عقابية بحق سكان يُشتبه بوجود صلات لهم مع تنظيم داعش في قرى جنوب الموصل بعد استعادتها من داعش. وقال سكان أيضاً إن عناصر ميليشيا “الحشد العشائري” تعمل بدافع الانتقام لأقاربهم الذي قتلهم تنظيم داعش، تحركهم عداوات قديمة لا علاقة لها بالنزاع المسلح.
من جهة أخرى، طالبت جهات مجهولة باستخدام مكبرات الصوت بترحيل نازحين من مناطق غرب كركوك وشرقها، إثر هجوم قام به عناصر داعش. لكن رئيس المجموعة العربية في مجلس محافظة كركوك برهان مزهر العاصي، نفى وجود أي تبليغ من جهات رسمية للنازحين بمغادرة أماكن سكنهم داخل المحافظة.
وفي محاولة لتفسير الموقفين: تجارب التلاحم ومخاوف من الصراع المتوقع، يشرح حميد فاضل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، في حديث لموقع (إرفع صوتك) أن "كفة التلاحم بين فئات المجتمع المختلفة هي الأرجح بالاستمرار في مرحلة ما بعد القضاء على داعش".
وحول تقارير منظمة العفو الدولية، يقول حميد "من الطبيعي أن تحصل انتهاكات لحقوق المدنيين، إلا أنني أعتقد أن المخاوف مبالغ فيها، فهي عبارة عن قصص فردية، وليست منهجية عامة يتم التخطيط لها".
ويعتقد فاضل أن ما يمكن أن يعزز استمرار مبادرات التلاحم الطائفي ويزيد من فرص نجاحها هو "الاتفاق على إدارة مشتركة بين أهالي المدينة وتحديداً في مناطق الأقليات في سنجار وتلعفر، بحيث يمكن أن تكون نماذج لغيرها من المدن المختلطة مثل محافظة كركوك أو ديالى، فيها عرب وأكراد وتركمان".
ويضيف حميد "أعتقد أن وجود وحدة في اتخاذ القرار وإدارة المدن بمشاركة أبناء هذه المناطق، يمكن أن تجعل من هذه الإدارة نموذجاً لكل العراق".
*الصورة: قنّاص من القوات العراقية جنوب الموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659