مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

"وضع الإسلام قواعد وضوابط محددة يتّخذ منها الأزهر الوسطي منهجاً يتبعه في مواجهة الأفكار المتطرفة وأصحابها والمروجين لها، وهو المنهج الذي يتبعه كل العلماء المعتبرين في كل مكان وزمان والقائم على الحوار المصحوب دائما بالحجة والبرهان استناداً إلى الآية الكريمة (قُل هاتوا برهانكم) فمن يأتي بالأفكار عليه أن يأتي بالبرهان الصحيح".

هذه الكلمات للدكتور عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة وعميد كلية العلوم الإسلامية بجامعة الأزهر الذي تحدّث في حوار مع موقع (إرفع صوتك) عن منهج الأزهر وموقفه من داعش.

ما هي الضوابط التي تحدّثت عنها؟

ضوابط الحوار عندنا معروفة وندرسها في الأزهر تحت عنوان "آداب البحث والمناظرة" والتي تقتضي عدم ترك الخصم يفر من المناظرة بل نحتضنه حتى وإن خالفنا استنادا إلى قول الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)".

 فنحن لا نفرض رأينا على أحد، لكننا نواجه الفكر بالفكر، وهو ما تقوم به مشيخة الأزهر وعلماؤه الذين يردون ويصححون الأفكار الخاطئة والمغلوطة بشكل يومي عبر المرصد العالمي وعبر الحوارات والمؤتمرات التي يعقدونها مع الجميع ومع الطلاب الوافدين من شتى أنحاء العالم ليتعلموا صحيح الدين الإسلامي. فالأزهر يمضي في طريقه الصحيح لمواجهة ودحض الأفكار المتطرفة والمتشدّدة ونشر سماحة الإسلام ووسطيته، ولا غرض له من هذا سوى إيصال رسالته التي حملها على عاتقه وهي بيان صورة الإسلام الصحيحة للعالم أجمع.

وكيف تواجهون الفكر المتطرّف؟

الفكر لا يواجه إلا بالفكر، فلا يمكن تحجيم أو محاصرة أفكار المتطرفين عن طريق الرصاصات إنما يحتاج الأمر إلى محاورة هادئة يستمع إليها من يريدون الإنصات لمعرفة الحق، أما تنظيم داعش فلا يحمل معه أي أفكار يمكن للعلماء والحكماء والعقلاء إقرارها فقادته وأعضاؤه يقومون بدور الحكم والقاضي لأنفسهم ولغيرهم، ولذلك لا يوجد عالم دين معتبر يعترف بهذه الأفكار.. إذن فالإسلام والمسلمون براء من الأفكار التي تتبعها المدرسة الداعشية التي لا نعرفها ولا تمت للدين الحنيف بصلة وإنما هي صناعة من إنتاج وإخراج وتمويل وتصدير المجتمعات الغريبة عنا.

لكن داعش يزعم تمثيل الإسلام...

 كيف يمكن لمن دخل في الإسلام منذ أسابيع أو شهور أن يدّعي الإمامة ويقول إنه مفتي ويقدم الإسلام بالصورة الصحيحة؟ والحقيقة أنه لا يعرف شيئا عن الإسلام وأنه يقدم للعالم صورة مشوهة لإيصال رسالة مغرضة مفادها أن الإسلام دين قتل وذبح وقطع رقاب وهي أمور ليست من تعاليم الدين!

ما هي التعاليم التي يجب نشرها؟

الإسلام لا يمنع أي شيء يؤدي إلى الأمن والأمان ويحقق السلم العالمي، فالإسلام لا يغلق ثقافته على الآخرين بل يلتقي بها، فقد استعان النبي الكريم بـ عبد الله بن أريقط "المشرك" ووثق به وآمنه على حياته في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة، كما تعايش الرسول مع اليهود في المدينة وعمل معهم "وثيقة المدينة" وهذه أدلة على أن الرؤية الإسلامية تقول إن الناس جميعا أمة واحدة وإذا وُجد من ينشد السلام والأمن – أياً كانت ديانته – فلا يمنع الإسلام التعاون معه شريطة سلامة النية وصحة الدافع، فالإسلام لا يحاسب الآخرين على معتقداتهم وإنما يحاسبهم على أفعالهم.

*الصورة: "الإسلام لا يمنع أي شيء يؤدي إلى الأمن والأمان ويحقق السلم العالمي"/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Red Cross volunteers bury the remains of civilians killed in the Democratic Republic of Congo North Kivu province village of…
متطوعون من الصليب الأحمر يدفنون ضحايا هجوم مسلح مرتبط بداعش في جمهورية الكونجو- أرشيفية

بينما تبذل جهات إنفاذ القانون، ومؤسسات الرقابة المالية في العالم جهوداً مضنية لعزل أنشطة تنظيم "داعش" الاقتصادية عن النظام المصرفي العالمي، كان التنظيم ينسج في الظل شبكته المالية الخاصة، مستفيدا مما راكمته التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة من تجارب، ومستغلاً الثغرات المتاحة في المنظومة المالية العالمية، لتوسيع وإنعاش أنشطته المدرّة للدخل، وتحقيق فعالية أكبر في حركة الأموال بين "ولاياته" وخلاياه المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم.

استطاع تنظيم "داعش" من خلال خططه الاقتصادية، وشبكاته المالية المعقدة  تحقيق اكتفاء ذاتي لأخطر فروعه النشطة في وسط إفريقيا، (فرعي الكونغو والموزمبيق)، وعبر وصلهما بخطوط شبكة دعمه الممتدة بين أوروبا  وجنوب إفريقيا والصومال والخليج والشرق الأوسط. وهي شبكة محمية بطبقات من الوسطاء والشركات الاستثمارية ومكاتب تحويل الأموال، لكن جزءاً منها جرى تفكيكه وتعطيل فعاليته.

تحويلات مالية من جنوب افريقيا

في 7 من نوفمبر الماضي أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بياناً ثانياً بشأن الانشطة المالية لداعش في جنوب افريقيا، وفرضت بموجبه عقوبات على خلية من 4 أفراد و 8 شركات استثمارية. الشخصيات الخاضعة للعقوبات وهي نوفل أكبر، ويونس محمد أكبر، ومحمد أكبر، وعمر أكبر، تعمل تحت إشراف فرهاد هومر وهو جهادي كانت الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات عليه في مارس من العام الماضي، واستهدفت العقوبات شركاتهم العاملة في مجالات تعدين الذهب والبناء، ويضطلعون بدور حيوي في الاسناد اللوجستي لفروع "داعش" في وسط إفريقيا والموزمبيق، وتحويل الأموال إليها عبر نظام "الحوالة".

ومن خلال نظام "الحوالة" تم تحويل حوالي 342 مليون دولار من جنوب إفريقيا إلى فروع وخلايا داعش في الصومال وكينيا ونيجيريا وبنغلادش باستخدام آلاف الشرائح الهاتفية غير المسلجة للتملص من الرقابة، وتمويه هوية القائمين بالمعاملة، وكل ذلك حدث بين عامي 2020 و 2021 بحسب صحيفة "صنداي تايمز" الصادرة في جنوب إفريقيا. ويتم تحويلات الأموال على دفعات صغيرة حتى لا تثير الشكوك.

وكشفت دراسة نشرتها جامعة جورج واشنطن في يونيو الماضي عن جانب من المعاملات المالية التي تتم بين خلايا داعش في جنوب إفريقيا وبين "ولاياتها" في الصومال والموزمبيق وشرق الكونغو. وفنّدت الدراسة نموذجاً لهذه التحويلات التي تتم برعاية شركة Heeryo Trading Entrprise وهي شركة صومالية وجنوب افريقية مسجلة في جوهانسبرغ وتقوم بعملياتها في العاصمة الصومالية مقاديشو. الشركة سهّلت نقل مئات الآف من الدولارات من الصومال إلى جنوب إفريقيا ومن جنوب إفريقيا إلى كينيا حيث ينتظرها الموزعون الماليون لنقلها إلى أوغندا، ويعبرون بها الحدود لتسليمها إلى فرع "داعش" في شرق الكونغو، أو تنقل إلى تنزانيا ومنها إلى فرع داعش في الموزمبيق.

 

سبق لقيادة تنظيم "داعش" المركزية في سوريا والعراق أن اعتمدت نظام الحوالة المالية أواخر 2017 لدعم "القوات الديمقراطية المتحالفة" في الكونغو عشية إعلان ولائها للتنظيم، وكان وليد أحمد زين المواطن الكيني الذي التحق والده وأخوه بالتنظيم في سوريا، قد تلقى مبالغ مالية ضخمة عبر حوالات مالية(حوالي مليون وخمسمئة ألف دولار)، من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وقام بإعادة تحويلها إلى فروع داعش في وسط وشمال إفريقيا.

وجاء في تقرير أعدته مجموعة أبحاث الكونجو بجامعة نيويورك ومؤسسة بريدجواي التي نقلت عن مصادر أمريكية ومنشق من القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونجو أنّ  زين، الذي وصف بأنه "ميسّر مالي" دفع المال للقوات الديمقراطية المتحالفة على الأقل مرة واحدة.

 

زكاة وجزية

إلى جانب الحوالات المالية التي تتلقاها فروع داعش في وسط افريقيا، توجد أيضا أنشطة ذاتية تعتمد عليها محليا في تعزيز دخلها المالي، وتمويل عملياتها، ومنها فرض الرسوم والضرائب وجباية ما تسميه "الزكاة" من الأهالي الذين يعيشون في مناطق سيطرتها. ولأن فرعي داعش في الكونغو والموزمبيق ينشطان في مناطق يعيش فيها المسلمون والمسيحيون فإن عوائدهما في هذه الحالة تكون مضاعفة، من خلال فرض "الزكاة" على المسلمين و"الجزية" على المسيحيين.

ففي العام الماضي حذر فرع داعش في المزمبيق، عبر بيان خطي تداولته صفحات محلية، المسيحيين من عواقب عدم دفع الجزية، وخيرتهم بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو "الاستعداد لحرب لا نهاية لها" بحسب البيان.

تلجأ فروع داعش في إفريقيا إلى فرض الضرائب على السكان المحليين وابتزاز الشركات والمقاولات وفرض رسوم باهضة عليها ضمن خطة تمويلية عممتها قيادة داعش في سوريا والعراق على كل ولاياتها البعيدة، ويشكل مردودها جزءاً من ميزانيتها الضخمة. ففي الصومال مقر "مكتب الكرار" الذي يدير شؤون ولايات وسط إفريقيا ويمدها بدعم مالي سخي، يقوم فرع داعش في إقليم بونتلاند شمال الصومال بفرض رسوم شهرية على الشركات التجارية تحت التهديد بتخريب ممتلكاتها ومصالحها. وفي 2018 كانت عوائده الشهرية من هذه الرسوم حوالي  700 ألف دولار. وفي أبريل الماضي أحرق التنظيم مقاولة محلية بعدما رفض أصحابها دفع 500 ألف دولار له.

تنخرط أيضا فروع داعش في وسط أفريقيا في أنشطة تجارية مشبوهة، مثل التهريب، وتجارة الذهب والأخشاب والكاكاو وغيرها، وأكدت دراسة جامعة جورج واشنطن المشار إليها سابقاً أن هذه الأنشطة تشكل نسبة قليلة جداً مقارنة بالأموال التي تصل من الخارج، وأن عوائد تجارة الأخشاب التي يديرها فرع الكونغو لا تتجاوز 15 ألف دولار سنوياً.

تجارة السبي والرهائن

يشكل الاختطاف بغرض الفدية تقليداً مشتركاً بين الارهاب والجريمة المنظمة، غير أن فرع داعش في وسط افريقيا أضاف إلى هذا الاقتصاد الإجرامي المربح، قطاعاً مربحاً آخر وهو تجارة "السبي".

فقد كشفت مراسلات داخلية للتنظيم أن فرع داعش في الموزمبيق فرض مبالغ مالية معينة مقابل تحرير "السبايا" اللواتي يحتفظ بهن في معاقله. وهذه المعاملة تشمل فقط "السبايا" اللواتي لا يصلحن، بحسب التنظيم الإرهابي لـ"المتعة" الجنسية، كالمصابات بمرض الإيدز، أو الكبيرات في السن. وتم تخيير أهاليهن بين دفع الأموال أو إعدامهن.

ينهض اقتصاد الارهاب في جزء كبير منه على عوائد الاختطاف واحتجاز الرهائن.

لا توجد أرقام محددة عن العوائد التي يجنيها تنظيم داعش في وسط إفريقيا من اقتصاد الفدية، لكن لا شك أنها إضافة إلى أرقام الحوالات قد أحدثت طفرة في النشاطات الارهابية لفرعي داعش في شمال الموزمبيق وشرق الكونغو. حوالي 68 ألف دولار من أموال الحوالات سلمت مباشرة لأفراد في خلايا تورطت في سلسلة من الهجمات الانتحارية في أوغندا في 2021، وهجمات في رواندا والكونغو.

عزّز اقتصاد الإرهاب الذي رعاه مكتب "الكرار" في الصومال بقيادة عبد القادر مؤمن  ميزانية داعش في شرق ووسط إفريقيا، فكان يرسل بشكل دوري دفعات مالية إلى عدد من ولايات وخلايا داعش في إفريقيا والشرق الأوسط واليمن وتركيا. ووصف المكتب في رسالة له إلى أمير إدارة "الولايات" البعيدة في سوريا وضعه المالي بالقول: "الأموال التي تصلنا من مفصل الاقتصاد كافية للضروريات والكماليات"، ووافق على إرسال فائضها إلى اليمن مباشرة، وسيبحث عن وسيلة آمنة لإرسالها أيضا إلى الخليج وتركيا. وهي مفارقة لافتة أن تذهب أموال الإرهاب في زمن داعش من إفريقيا إلى الخليج بعدما كان العكس هو الشائع في العقود الماضية.