بقلم حسن عبّاس:

في مقابل مبادرات كثيرة، بعضها ترك أثراً هاماً وبعضها وكأنّه لم يكن، حضّت على التقارب بين أبناء المذاهب السنّية والمذاهب الشيعية، هنالك أصوات قوية تدعو إلى الفرقة وإلى نبذ الآخر وصولاً إلى تكفيره في بعض الأحيان.

والصوت الأعلى في المرحلة الحالية هو صوت الدعوة إلى التفرقة. وهذا ما يمكن إثباته من خلال جولة على أبرز المواقع المتخصصة بتقديم الفتاوى والمعلومات الدينية إلى المواطنين.

وانتقد أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر عبد الله النجار فوضى الفتاوى المنتشرة عبر مواقع الإنترنت، ومنها ما يساق بحق الشيعة، وأكّد لموقع (إرفع صوتك) "نحن نختلف مع الشيعة سياسياً ونختلف معهم حول توجههم إلى التغلغل في ديار أهل السنّة، إذا جاز هذا الوصف. لكنّ الخلاف السياسي لا يجب أن يطال ثوابت الدين، ومنها أن الشيعة مسلمون".

وأضاف أن "الاختلاف مع الشيعة حول بعض المسائل الفرعية ليس مبرراً لتكفيرهم. فتكفيرهم فيه مبالغة وفيه شطط وابتعاد عن الوسطية الدينية وعن الأحكام الدينية الصحيحة".

ما الذي يمكن أن نقرأه في "فتاوى الإنترنت"؟

تحريض عام

في مقالة نشرها موقع "صيد الفوائد"، نقرأ تهجّماً عاماً على الشيعة. ويقول الكاتب "دين الشيعة دين محرف باطل، دين قتل واغتيالات، دين فاحشة ورذائل، دين سرقة وجريمة، دين متعة محرمة، دين تحريض وتخريب وفساد وإرهاب، لم يرَ التاريخ مثيلاً له في كذبه وزيفه وغيّه".

ويتابع "لا إسلام إلا لأهل السنة، أما الشيعة الرافضة فهم كفار لا مراء في ذلك ولا جدال".

تحريم ذبائح الشيعة

في فتوى على موقع "الإسلام سؤال وجواب"، يقول المفتي إنه "من شروط حلّ الذبيحة أن يكون الذابح لها مسلماً أو كتابيّاً، فلا تحل ذبيحة المشرك ولا المجوسي ولا المرتد"، ويضيف أن "الشيعة لهم جملة من العقائد والأعمال التي تخرجهم من دائرة الإسلام".

مقاطعة الشيعة

وتتطرّق بعض الفتاوى إلى حكم مجالسة الشيعة ومحادثتهم.

ففي إحدى هذه الفتاوى، على موقع "صيد الفوائد"، يؤكد المفتي "أن الكذب والنفاق هو دين الرافضة"، ويتابع "جلوسك معهم ومُصاحبتهم يُطمعهم فيك أكثر"، ويحذّر من أن "مُجالسة أهل الضلال تكثير لسوادهم"، ويختم بأن الشيعة "هم شـرّ من وطئ الحصى كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية".

ونقرأ في فتوى أخرى نشرها موقع "طريق الإسلام" أن الشيعة "يُعامَلون معاملة الكفار، فلا يُبْتدأ بالسلام عليهم، ولكن يجوز رد السلام إذا سلَّموا إن كان من عامتهم وليسوا من دعاتهم وعلمائهم، ولا يجوز مودَّتهم... ولا اتخاذهم خلاناً؛ بل يجب بُغضهم، والبراءة منهم، حتى يؤمنوا بالله وحده، ويتركوا بدعهم".

ولم تكتفِ الفتوى بذلك بل أضافت إن "لا تُشهد جنائزهم إن ماتوا"، ولا يُزارون إذا مرضوا ولا يُرافَقون في السفر.

تحريم الزواج من شيعة

وينقل موقع "الإسلام سؤال وجواب" عن "فتاوى اللجنة الدائمة" أن الشيعة الذين يَدعون علياً والحسن والحسين ونحوهم "مشركون شركاً أكبر يخرج من ملة الإسلام، فلا يحل أن نزوجهم المسلمات، ولا يحل لنا أن نتزوج من نسائهم".

وعلى الموقع نفسه، يعرض شخص قصة امرأة تفاجأت بعد الزواج بأن زوجها شيعي. فيجيبه المفتي بأن زواجها باطل ومفسوخ شرعاً.

أما على موقع "إسلام أونلاين" فنقرأ في فتوى أن "الشيعة مسلمون وإخوان لنا ويجوز لنا أن نعاملهم ونصاهرهم كأي مسلم آخر".

ولكن على الموقع نفسه نقرأ دعوة إلى الابتعاد عن الزواج المختلط لأنه "بطبيعة الحال إذا وجد واحد من أهل السنة مع آخر من الشيعة أن يقوم جدال ومشاحنة بين الاثنين"، ولذلك فإن "الشيوخ لا يحبّذونه".

هذا غيض من فيض ما تعرضه مواقع الفتاوى الأكثر زيارةً، وفيها أيضاً يمكن أن نقرأ تحريماً للصلاة خلف إمام شيعي، وأموراً كثيرة أخرى.

كلام غير صحيح

تعليقاً على هذه الفتاوى، بعد أن نُقلت إليه فحواها، قال عبد الله النجّار إنها غير صحيحة، وأضاف "نحن لا نكفّر الشيعة ولا نحرّم أكلهم ولا ذبائحهم والفتاوى التي تقول بعكس ذلك باطلة فهم مسلمون مثلهم مثل أهل السنّة".

وبعد إشارته إلى أن فضاء الإنترنت "يسمح لأي صاحب بدعة أو رأي شاذ بأن ينشر أفكاره ويقدّمها إلى الناس على أنها أخبار صحيحة"، اعتبر أن ما يحصل "يدعو إلى الفوضى العالمية وتنازع البشر وإفساد المنظومة الإنسانية، فالله خلق البشر ليتعارفوا ويتعاملوا في ما بينهم بالتقوى".

وأضاف أن "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ميّزه الله بالعقل ولكن التضليل يفسد نعمة العقل ويحوّل الإنسان إلى آلة أو شيء يمكن توجيهه ذات اليمين وذات اليسار، فينقاد إلى معلومات خاطئة دون أن تكون لديه الفرصة للمقارنة بين آراء صادقة وأخرى كاذبة".

*الصورة: مسدس ولوحة مفاتيح/عن موقع Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".