عبارة "لا للطائفية" على سيارة في العراق

الأردن – بقلم صالح قشطة:

مرّت العلاقة ما بين أتباع الطائفة الشيعية والسنّية بعدة مراحل ومنعطفات، وكان التعايش السمة الأبرز لتلك العلاقة، حتى وإن كان البعض يعتبره ظاهرياً، فالاختلافات والخلافات موجودة، لكنها طالما كانت مُخمدة خاصة في العراق، ذلك البلد الذي تعيش على ضفاف نهريه العديد من الطوائف والأديان منذ بدايات الحضارة البشرية.

ثمّ لعبت بعض وسائل الإعلام دورها في التحريض لتقلب المعادلة وتتحكم بمجرى الخلافات وتحولها لصراعات تعزز الفتنة والفرقة، بحسب آراء مجموعة من الشباب الذين تجمعهم الصداقة رغم انتمائهم للطائفتين المختلفتين، والذين تحدثوا إلى موقع (إرفع صوتك).

أعز رفاقه من الطائفة الشيعية

يستذكر محمد الجبوري، وهو عشريني نزح إلى الأردن، أيام نشأته في وطنه العراق، والتي كان أعز رفاقه فيها من الطائفة الشيعية، حيث كانت تربطهم علاقة مواطنة وأخوة طيبة. ويرى أن الإعلام كان السبب الأبرز في زعزعتها "فلطالما شاهدنا أخباراً تتحدث عن تفجير سيارة مفخخة في منطقة شيعية، ليظهر الإعلام ليقول إن تلك السيارة تحمل أرقام محافظة الأنبار، وكما يعلم جميع الناس فإن الأنبار محافظة سنّية، ويفعلون العكس في المحافظات الشيعية".

ويقول الشاب في حديثه لموقع (إرفع صوتك) إن هذا الحال استمر لفترة دامت لأكثر من أربع سنوات، ما ساهم في ترسيخ نزعة الكره والحقد بين البعض من الطرفين. ويعود بذاكرته إلى عدة أعوام مضت قائلاً "قبل 10 سنوات أصبحنا نسمع عن قصص ذبح على أساس الهوية، حيث كانت تقف الميليشيات وتأخذ هوية المارة، ويكون الجزاء حسب الاسم. فإن كنت عمر فأنت سنّي. وإن كان اسمك علي فأنت شيعي، وهكذا. ومحافظة الميلاد كان لها دور كبير في تحديد مصيرك، وما أن بدأت الطائفية بالتلاشي أتى تنظيم داعش ليعود بها إلى أسوأ أحوالها".

دخول داعش إلى العراق

ويؤكد الشاب لموقع (إرفع صوتك) أن دخول داعش إلى العراق زاد الأمر سوءاً. ما استدعى أن تبدأ القوات الأمنية بالقتال لطرد داعش، وما دفع المرجعية الشيعية لإصدار فتوى الجهاد "الكفائي"، وتشكيل الحشد الشعبي من المتطوعين. ليواصل الشاب حديثه "هنا كان الإعلام السنّي سبب التفرقة! فقد بدأ النشر بأن الحشد الشعبي لا يحمي الأرض، وقدمه كمن يدمرها ويسرقها، بينما كان الحشد في الحقيقة يطهر الأرض من داعش، ويحمي البيوت والأعراض، والكثير من السنّة فهموا تلك الحقيقة!".

ويتابع الشاب "لكن بعض جهال الأمة والدول العربية المجاورة بإعلامها كان لهم دور في تشويه صورة الحشد الشعبي والقوات الأمنية العراقية، رغم أن العديد من السنّة والشيعة يعيشون في نفس الأحياء والمدن بسلام، ومعظم المحافظات الشيعية قامت بإيواء النازحين من المحافظات الساخنة التي احتلها داعش".

ويختم الشاب حديثه بأمنيته بأن تسود لغة الحوار الهادف ما بين أبناء بلاده، وعلى حد تعبيره "لو تحاور أي أشخاص في الخلافات والاختلافات لما حدث كل هذا"، ويشدد على أنه لو اجتمع العلماء ورجال الدين من الطرفين بلقاءات ودية تعمها لغة التفاهم والحب وحوار العقل فسوف يعم السلام ويعود العراق إلى سابق عهده.

صراع الديوك

"العلاقة أشبه بصراع الديوك"، هذا ما وصف به الشاب علي الشمري العلاقة ما بين أبناء بلاده من الطائفتين الشيعية والسنّية خلال حديثه إلى موقع (إرفع صوتك)، والذي يرى أن العلاقة ما بينهما لا تزال متذبذبة بين التشاحن والمحبة، وتتفاوت ما بين الأشخاص والمجتمعات في الداخل العراقي.

وعلى حد تعبيره فإن ما يستطيع الجزم بشأنه بشكل مطلق هو أن ظهور داعش كان له الدور الأكبر في الفرقة، لا سيّما بادعائهم لتمثيل الطائفة السنّية ودفاعهم عنها، الأمر الذي صدقه البعض، ما زاد من التناحر بين أبناء الشعب الواحد. ورغم ذلك يرى أن هناك فئة أخرى من أبناء الشعب العراقي توحدت بغض النظر عن طائفتها، لغاية محاربة داعش وإرهابه.

أما حيدر حميد، فبرغم ما تشهده الساحة العراقية من تناحر على أسس طائفية، إلا أنه يؤكد في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أن مراحل العلاقات بين السنّة والشيعة قديمة جداً، وأنها كانت ولا زالت قوية وبينهما ارتباط وثيق، لكن بعض النفوس حولت تلك العلاقات إلى حرب بين الطرفين لأسباب مختلفة وروايات بعيدة كل البعد عن ما أتت به مذاهبهم.

 ويرى في الأفق أملاً لإنهاء أي انقسامات، لا سيما أن وجود داعش قد ساهم بوحدة كثير من السنّة والشيعة لقتالهم، وأن ذلك دفع بعض المتعصبين من السنّة لأن يعيدوا النظر في تفكيرهم عندما رأوا بعض أبناء الشيعة الذين هبوا بالدفاع عن كل سنّي هتكت أرضه وعرضه على يد داعش.

ويختم حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) بقوله "الحل هو التعايش السلمي بحب وود، ونبذ الطائفية، وترك الجهلة من المذهبين، والتفكير في بناء وطن خالٍ من الطائفية".

*الصورة: ملصق “لا للطائفية” على إحدى السيارات في بغداد/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".