مشاركة من صديق (إرفع صوتك) أ. د. محمد العبيدي:
يعتبر العنف بالنسبة للنساء في أجزاء كثيرة من العالم أنه من الأسباب الرئيسية للإصابة والإعاقة، فضلا عن عوامل خطر أخرى لمشاكل الصحة البدنية والنفسية والجنسية والإنجابية. فالعنف له عواقب على المدى الطويل بالنسبة لهؤلاء النسوة وأطفالهن، فضلا عن التكاليف الاجتماعية والاقتصادية لجميع فئات المجتمع.
اعترفت العديد من الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان وإعلان القضاء على العنف ضد المرأة، بأنّه حق أساسي من حقوق الإنسان للمرأة أن تعيش حياة خالية من العنف. وتعرّف الأمم المتحدة على نطاق واسع العنف ضد المرأة أنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.
ومع ذلك، فالنظم القانونية والأعراف الاجتماعية في العديد من الدول لا تزال تتحمل، أو حتى تتغاضى عن استخدام الرجال للعنف ضد المرأة في كثير من الظروف.
وأود هنا التركيز على الجانب الصحي المتعلق بالعنف ضد المرأة. فالعنف الممارس ضد المرأة يمثّل إحدى المشكلات الصحية الكبرى وأحد انتهاكات حقوق الإنسان حيث تشير آخر الأرقام عن معدلات انتشار العنف في العالم إلى وجود نسبة 35 في المئة من النساء في أنحاء العالم كافة ممّن يتعرضن في حياتهن للعنف على يد أزواجهن أو للعنف الجنسي على يد غير الأزواج. كما تفيد الدراسات ان نسبة 30 في المئة من النساء المتزوجات يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي على يد غير الأزواج.
يسبب هذان الشكلان من العنف في ظهور مشاكل جسدية ونفسية وجنسية ومشاكل صحية إنجابية وقد تزيد من درجة التعرض لفيروس الأيدز.
من عوامل الخطر التي تدفع الفرد إلى ممارسة العنف ضد المرأة هو تدني مستوى التعليم والتعرض للإيذاء في مرحلة الطفولة أو مشاهدة حالات من العنف المنزلي الممارس ضد المرأة وتعاطي الكحول على نحو ضار والسلوكيات التي تميل إلى تقبّل العنف، وعدم المساواة بين الجنسين.
ومن المهم معرفة أن حالات النزاع والأوضاع التي تعقب النزاع وحالات النزوح، كما في العراق الآن، قد تسبب في تفاقم العنف وفي ظهور أشكال عنف إضافية تُمارس ضد المرأة.
الآثار الصحية:
– يمكن أن يسفر العنف ضد المرأة عن عواقب مميتة، كالقتل أو الانتحار.
– يمكن أن تنجم عن العنف إصابات، إذ توجد نسبة 42 في المئة من النساء اللواتي يتعرضن لعنف الزوج يبلّغن عن تعرضهن لإصابة من جراء هذا العنف.
– يمكن أن يخلّف عنف الزوج والعنف الجنسي حالات حمل غير مرغوب فيها وحالات إجهاض محرّض عليها ومشاكل صحية نسائية والإصابة بعدوى أمراض منقولة جنسياً، ومنها عدوى فيروس العوز المناعي البشري.
وتبيّن من تحليل أُجرِي في عام 2013 أن احتمال إصابة النساء اللاتي يتعرضن لاعتداءات جسدية أو جنسية بعدوى مرض منقول جنسياً، وبفيروس العوز المناعي البشري في بعض المناطق، هي أعلى بمرة ونصف المرة من سواهن من غير المتعرضات لعنف الشريك، كما أن احتمال تعرضهن للإجهاض يتضاعف أيضاً.
– يؤدي العنف الممارس من قبل الزوج أثناء فترة الحمل إلى زيادة احتمال وقوع الإجهاض التلقائي و ولادة جنين ميت (إملاص) والولادة قبل اكتمال فترة الحمل وانخفاض وزن الطفل عند الولادة.
– يمكن أن تؤدي هذه الأشكال من العنف إلى الإصابة بالاكتئاب واضطرابات الإجهاد اللاحقة للرضوخ ومشاكل في النوم واضطرابات في الأكل ومحن عاطفية ومحاولات انتحار. ورأت إحدى الدراسات أن احتمال إصابة النساء المتعرضات لعنف الزوج بالاكتئاب ومشاكل إدمان على المخدرات والكحول يزداد إلى ضعفين تقريباً.
– يمكن أن تشمل الآثار الصحية أيضاً الإصابة بالصداع وآلام في الظهر والبطن واضطرابات في الألياف العضلية والجهاز الهضمي ومحدودية الحركة واعتلال الصحة بشكل عام.
– يمكن أن يؤدي العنف الجنسي، لا سيما أثناء الطفولة، إلى احتمال زيادة التدخين وإدمان المخدرات والكحول وانتهاج سلوكيات جنسية خطرة في مرحلة لاحقة من العمر. كما توجد علاقة بين التعرّض لذلك العنف في الصغر وممارسته (فيما يخص الذكور) أو الوقوع ضحية له (فيما يخص الإناث) عند الكبر.
الوقاية من العنف:
فيما يلي عدة استراتيجيات من استراتيجيات الوقاية الأولية التي أثبتت أنها واعدة ولكن يلزم مواصلة تقييمها: الاستراتيجيات التي تجمع بين التمويل الصغير ودورات التدريب على المساواة بين الجنسين؛ وتلك التي تسعى إلى تعزيز المهارات في مجالي التواصل وصون العلاقات فيما بين الأزواج؛ وتلك التي تحدّ من فرص الحصول على الكحول والمخدرات ومن تعاطيها على نحو ضار؛ وتلك التي ترمي إلى تغيير القواعد الثقافية الخاصة بنوع الجنس.
ولتحقيق تغيير مستديم، فإنه من الضروري سنّ تشريعات ووضع سياسات تمكّن من:
– التصدي للتمييز الممارس ضد المرأة
– تعزيز المساواة بين الجنسين
– دعم المرأة
– المساعدة في المضي قدماً صوب وضع قواعد ثقافية أكثر سلمية
ويمكن أن تسهم استجابة القطاع الصحي المناسبة إسهاماً كبيراً في توقي العنف، وعليه فإن من المهم توعية مقدمي الخدمات الصحية وغيرهم من مقدمي الخدمات وتثقيفهم على الاستراتيجيات الأخرى التي تكتسي أهمية في هذا الصدد، كما لا بد للتصدي بشكل كامل لآثار العنف وتلبية احتياجات الضحايا/الناجين.
عن الكاتب: أستاذ علم وظائف الأعضاء (الفسلجة الطبية)
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.