الجزائر – بقلم أميل عمراوي:
لا تجده يسأل المارّة العطاء، يرفض مدّ يده لطلب الرغيف طالما لديه القدرة على العمل. يقول إنّه ينتظر العودة لوطنه فور استتباب الأمن الذي يأمل أن يتحقق مطلع العام الجديد.
أبو مالك محمد السعدي لاجئ سوري بالجزائر. يعمل في ورشات البناء بالعاصمة بعدما كان مالكا لمطعم وسط مدينة الحجر الاسود بريف دمشق.
خلال حديثه، يأخذك الرجل إلى زمن غابر حيث كانت سورية تنعم بالأمن "قبل أن يهلك داعش الحرث والنسل"، يقول أبو مالك.
أمل من ألم
بعد يوم طويل شاق بإحدى ورشات البناء التابعة لإحدى الشركات الخاصّة، التقيناه بمقهى في مدينة اسطاوالي الساحلية (غربي العاصمة)، حيث ارتأى أن يتقاسم تجربته مع قراء موقع (إرفع صوتك) التي جمعت بين الالم والأمل على حد تعبيره.
يرى الرجل أن الحياة تستحق أن يعاودك الأمل مهما حصل معك وهو "عشمُنا"، يؤكد الرجل مبتسماً.
لا يترك الحديث عمّا عاناه وأهله بسورية قبل الانتقال إلى الجزائر. وكلما شارفت سيجارته على الانطفاء، يأخذ أخرى ويداه ترتعشان من حدّة المشاعر التي يريد إيصالها. وحين لا يستطيع، تجده يصمت باسما ورجلاه ترتعشان بطريقة لاإرادية.
"ليس من السهل أن تعيش وتكبر في وطن ثم تتركه لظروف ليست لك يد فيها.. هذا ما حدث لنا نحن السوريون"، يقول الرجل ثم يستدرك "لو تحسن الوضع بعض الشيء سأعود وأحاول البناء من جديد".
وخلال روايته، يشتكي الرجل قلة دخله ومرض أبنائه بسبب قسوة ظروف الإقامة. ويقول إنه لن يتحمل أكثر من ذلك.
"ليس من الممكن أن نستمر هكذا سينتهي بنا الحال موتى دونما رصاص!"، يتحسر صاحب الـ50 عاما.
العــودة؟
يجلس بجانب أبو مالك لاجئ سوري آخر هو عصام مصطفى الذي يقيم بالجزائر منذ ثلاث سنوات. لكن وعلى خلاف أبو مالك، لا يخفي الرجل تشاؤمه بخصوص استتباب الأمن حيث طلب الحديث معنا منادياً "يا إرفع صوتك! هل لك أن تنقل حديثي كما هو؟".
ثم استطرد "أحدثك من دون أي بروتوكول لكن عليك نشره كما هو". ثم أردف يقول "لا يمكن أن تعبر عن سخطك مما يجري دون تجريح".
التمسنا منه الالتزام بشروط الحديث الصحافي النظيف فكان لنا ذلك، ثم قال "سبب الخراب هو النظام ثم هؤلاء المجانين" (يقصد داعش).
وبعد أن استمعنا لروايته التي لا تختلف كثيرا عن أغلب قصص اللاجئين السوريين والعراقيين، طلب منا الرجل مرافقته لبيته، الكوخ المترامي فوق هضاب العاصمة.
أدخلنا الرجل، ثم أصر أن نستمع لمعاناة زوجته التي لم تدع البكاء حتى غادرناها وكلامها باللهجة السورية لا يزال يصدع فينا.
"يا ويلهم من ربّ العالمين، ما راح أرجع لهديك البلد ولو انكتب لي عمر جديد"، في إشارة منها لمرض السرطان الذي بات ينخر كبدها.
تشتكي الست سميحة قلة الرعاية الصحية بالجزائر، لكنها ترفض فكرة العودة لوطنها في حال تحسن الأوضاع الأمنية.
"قد يتحسن الوضع لكن أشك أن يستمر الهدوء لوقت طويل".
وعلى الرغم من بلوغه سن التقاعد، لا يستطيع عصام أن يركن للراحة بعد سنين العمل المضنية التي قضاها في سورية وهو الأمر الذي زاده تذمرا من وضعه ووطنه.
"كيف يمكن أن أربي ابنتي؟ لا أستطيع الاتّكال على عطاءات المحسنين". ثم يقول بلهجته هو الآخر "الله وكيلك بتعب كثير بس شو راح نعمل". ثم يكمل بصرامة "بس رجوع ما فيه".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659