الأردن – بقلم صالح قشطة:
في مخيّم الزعتري في الأردن، لم يعد اللاجئون السوريون ينتظرون العودة ويترقبون أحداث بلادهم فحسب. هناك، باتت لهم حياة. من بائع الفلافل إلى بائع سندويشات الشاورما وحتّى تأجير الدراجات الهوائية، تحوّلت بقعة الأرض التي توسّعت شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه مدينة صغيرة.
منذ بداية الأزمة السورية، لم يتوقع سكانه أن تطول إقامتهم فيه لأكثر من أربع سنوات، وحتى هذه اللحظة، لا يعلم أي منهم إن كان حكم مكوثهم فيه مؤبداً أم مؤقتاً.
هذا هو باختصار لسان حال اللاجئين السوريين القابعين في مخيم الزعتري شمال الأردن، والذين أجبرهم النزوح من وطنهم على التأقلم مع حياتهم الجديدة، في مخيم أصبح لهم فيه سوق ومدرسة وجيران، وحتماً، الكثير من ذكريات.
رابع أكبر تجمع سكاني في الأردن
داخل مخيّم الزعتري، بات يمكنك الآن أن تجد محلات تجارية صغيرة تؤمّن للسكان بضائع من مستلزمات الحياة اليومية كالأرز والسكّر والطحين والفاكهة والخضروات والحلوى للأطفال. ويتجاوز المشهد الحملات الصغيرة ليبدو المخيم في بعض أجزائه أشبه بـ"بازار"، حيث تباع الملابس والعباءات النسائية وكذلك الملابس الداخلية!
ويأتي تجار المخيم ببضائعهم من موردين في السوق المحلي الأردني بشكل قانوني. وغالباً ما يكون هؤلاء التجار لاجئين جمعوا مبالغ بسيطة ليبنوا بها أعمالهم.
وفي دلالة أخرى لتحوّل المكان إلى شبه مدينة، يقوم كذلك عدد من اللاجئين في مخيم الزعتري بإعداد مجلة بأنفسهم، ينقلون من خلالها معاناتهم وإنجازاتهم وقصصهم المختلفة.
وفي حديث إلى موقع (إرفع صوتك) يقول محمد الحواري، الناطق الإعلامي باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن مخيم الزعتري الذي يسكنه قرابة 80 ألف نسمة، بات يشكل رابع أكبر تجمع سكاني في الأردن، بعد العاصمة عمّان، ومدينتي إربد والزرقاء.
ويشير إلى أن أكثر من 6000 مولود جديد قد رأوا النور في المخيم منذ إقامته. ويتابع "رغم وجود مظاهر الحياة المختلفة التي تشبه إلى حد ما الحياة الطبيعية، من نشاطات حياتية وتعليمية وفنية ورياضية وسوق تجاري لتوفير احتياجات اللاجئين، إلا أنه لا يزال يسمى مخيماً، ولا يمكننا أن نعتبره مدينة".
اختلف نمط حياة اللاجئين في المخيم، وباتوا أكثر اعتماداً على الذات مع مضي الوقت. وفي هذا الشأن يقول الحواري "عند إقامة المخيم مع احتدام الصراع في سورية، لم تكن آمال اللاجئين كبيرة ولم يكن اللاجئ يشعر بيومه. أما اليوم فكثير من اللاجئين باتوا أكثر تأقلماً وتماشياً مع الحياة".
ويوضح أنهم تحولوا من أفراد كانوا يعتمدون على المساعدات الممنوحة لهم، إلى أشخاص منتجين، من خلال عملهم داخل السوق التجاري، أو من خلال مشاركتهم في المشاريع التنموية التي تنفذها المنظمات العاملة داخل المخيم.
شعور بالاستقرار
من داخل أسوار المخيم، يلتقي موقع (إرفع صوتك) باللاجئ السوري القادم من منطقة الصنمين، عادل طوقان، الملقب بأبي يوسف، البالغ 30 عاماً من عمره، والذي أكد أنه ورغم معاناتهم من مرارة اللجوء وضيق الحال، إلا أنه بمرور الوقت أصبح وعائلته يشعرون بشيء من الاستقرار. فعند وصولهم إلى المخيم قبل ثلاث سنوات، سكنوا في خيمة، ومن ثم انتقلوا إلى الكارافان الذي أشعرهم ببعض الاستقرار.
وأكد الرجل أن شعور الاستقرار هذا سيبقى مؤقتاً ومنقوصاً، طالما بقي مستقبلهم مجهولاً، وطالما طالت مدة مكوثهم هنا. فبعد أن كبر أطفاله، ورزق بطفلين آخرين في المخيم، أصبح من الضروري لهم إيجاد مكان أكثر اتساعاً من الكارافان، لمواصلة حياتهم.
ويؤكد طوقان أن تلك الفترة الطويلة التي مكثوها في المخيم جعلته قادراً على التأقلم مع نمط حياته الجديد كلاجئ. فالأيام والأشهر تمضي متشابهة لا تغيير في مجرياتها. ومع مرور الوقت، بات أكثر معرفة واطلاعا على المخيم وأحواله، فأصبح يتنقل داخله بسهولة أكبر، فيلتقي بأقربائه وأصدقائه وجيرانه الجدد، مكرساً الجزء الأكبر من وقته لرعاية أطفاله. "أشعر أن أطفالي تعلقوا بي بشكل أكبر بسبب ظروف حياتنا، فأوصلهم بنفسي من وإلى المدرسة، وإلى كافة الأماكن، لقد كرست نفسي ووقتي لهم"، يقول النازح.
تفاصيل الحياة
ولتأمين احتياجاتهم كأسرة، ولتلبية متطلبات ابنته الصغيرة، التي التحقت بالمدرسة مؤخراً مع شقيقتها، يحمل طوقان بطاقة إلكترونية، يحصل من خلالها شهرياً على ما قيمته 20 ديناراً أردنياً (ما يقارب 30 دولار أميركي) لكل فرد من أفراد أسرته، ورغم أنه ليس بحال أفضل من حال بقية اللاجئين، إلا أنه لا يتردد في مد يد العون لمساعدتهم في المخيم، من خلال عمله كمتطوع مع إحدى المنظمات المعنية بخدمة اللاجئين.
ورغم رضاه عن الخدمات التعليمية التي يتلقاها أطفاله، والخدمات الطبية التي يتلقاها هو وأسرته، إلا أنه يأمل من الدول المانحة التي شيدت تلك المراكز الصحية والتعليمية أن تستمر بدعمها لهم، لأن قلة الدعم ستتسبب بضعف وتراجع في مستوى تلك الخدمات، التي بات يلحظ اكتظاظاً فيها، متمنياً في ختام حديثه أن يستقر الوضع في بلاده بالقريب العاجل، ليعود إلى وطنه وحياته الطبيعية.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659