أطفال يمنيون نازحون بمخيم شمالي صنعاء أحدهم يحتضن دمية/إرفع صوتك
أطفال يمنيون نازحون بمخيم شمالي صنعاء أحدهم يحتضن دمية/إرفع صوتك

صنعاء - بقلم غمدان الدقيمي:

على أرض جدباء مقفرة في منطقة ضروان بمديرية همدان، حوالي 30 كم شمالي غرب العاصمة اليمنية صنعاء، تنتصب عشرات الخيام الصغيرة، حيث تقطن أكثر من 100 أسرة يمنية نازحة في ظروف معيشية صعبة فراراً من الحرب الأهلية التي تعصف بالبلد العربي الفقير منذ عامين.

وأجبر النزاع الدامي في اليمن نحو ثلاثة ملايين شخص على مغادرة ديارهم، في إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حسب تصنيف الأمم المتحدة.

وينحدر معظم النازحين في مخيم ضروان إلى محافظة صعدة المعقل الرئيس لجماعة الحوثيين (شمال)، والتي كانت هدفاً لأعنف الضربات الجوية لمقاتلات التحالف الذي تقوده السعودية ضد الجماعة وحليفها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.

الجوع

أمام إحدى الخيام التي كان يحمل بعضها شعار منظمة “يونيسف”، فيما الغالبية العظمى منها ممزقة لا توحي بالاستقرار، جلست أمل أحمد تحدق إلى بعيد وكأنها تستجدي الأمل والمستقبل بحياة أفضل تخلصها من جحيم النزوح.

ولم تقو أمل، على حبس دموعها، وهي تروي لموقع (إرفع صوتك) معاناتها مع زوجها وأطفالهما التسعة منذ انتقالهم إلى المخيم قبل عام ونصف، في أعقاب استهداف منزلهم في مديرية البقع شرقي صعدة بغارة جوية لمقاتلات التحالف الذي تقوده السعودية.

تقول “ليس لدينا حتى فلس واحد، ولا غذاء، الآن وقت الظهر ونحن لم نأكل شيء منذ الصباح، رأسي يؤلمني من شدة الجوع”.

وتتمتم “ربما تصل شاحنه تنقل لنا مساعدات غذائية، أسبوعياً يأتي صحافيون وأشخاص يقولون إنهم يتبعون منظمات وسيقدمون لنا مواد غذائية، لكن دون جدوى”.

وبنبرة حزينة تضيف المرأة الثلاثنينة “خيمتنا في المساء تصبح ثلاجة من شدة البرد، لا نملك سوى ثلاث بطانيات رديئة”.

وتذكر أن زوجها بالكاد يستطع حالياً توفير قيمة وجبة طعام لأطفاله من خلال عمله في مزرعة للقات بمنطقة مجاورة.

عيشة كلاب

في خيمة صغيرة مجاورة التم حوالي 15 فرداً معظمهم أطفال في حلقة لتناول وجبة طعام لا تتجاوز كميتها كيلوغرام واحد.

قال رب الأسرة ويدعى عبد الله زيد، 63 عاما، لموقع (إرفع صوتك) “هنا نعيش عيشة كلاب، أتمنى أن أعيش يوماً واحداً مما كنت عليه قبل الحرب”.

وحذرت الأمم المتحدة مراراً من تدهور الأوضاع الإنسانية وانزلاق البلاد نحو شفا مجاعة وشيكة في أعقاب الإعلان عن حالات وفاة بسبب الجوع خاصة في محافظات وسط وغربي البلاد.

جحيم

وفي ذات المكان صرخت فينا امرأة في بداية العقد السادس مع العمر، طالبة الحديث عندما عرفت أننا صحافيون.

وأشارت بأصبعها إلى خيمتين صغيرتين متجاورتين، قائلة إنها تعيش هناك مع ابنتها الأرملة وأطفالها الأربعة في “جحيم”.

“ابنتي تتسول لتوفر لنا الطعام، وأنا أرعى أطفالها. غالباً نأكل وجبة واحدة في اليوم”، تقول المرأة واسمها زهرة علي، لموقع (إرفع صوتك).

وتشكو زهرة من ندرة المياه الصالحة للشرب، قائلة انها تحصل على أقل من 40 لتر ماء أسبوعياً.

أمراض

في السياق قالت لموقع (إرفع صوتك) جمعة عبد الله، هي الأخرى نازحة في ذات المخيم، إنها “محبطة” بسبب التجاهل الذي يتعرضون له، “نعاني أمراض كثيرة ولا نحصل على مساعدات طبية”.

وأضافت السيدة الأربعينية، وهي أم لثمانية أطفال، قُتل زوجها قبل عامين برصاص مسلحين يمنيين في منطقة حدودية مع السعودية، “الأطفال مصابون بأمراض جلدية. انتشرت بأجسادهم حبوب (طفح جلدي) تسبب لهم حكه شديدة، ناشدنا المنظمات ولم نتلقَ أي رد”.

الكوليرا

وضاعف من تفاقم المأساة تفشي الأمراض والأوبئة، في وقت أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية عن رصد 92 حالة وفاة بالكوليرا، والاشتباه بـ10 آلاف حالة إصابة في 15 محافظة يمنية.

وحذرت المنظمة الدولية من أن أكثر من ثلاثة ملايين نازح معرضون على نحو خاص لخطر الإصابة بالكوليرا.

ضرب

لكن الأمر لم يتوقف عند هذه الحد، حيث يشكو جميع أطفال المخيم، وهم يشكلون أكثر من نصف النازحين الذين يزيد عددهم عن 500 شخص، حرمانهم من التعليم.

وقال حزام خالد، 10 سنوات، لموقع (إرفع صوتك) “توقفت عن الدراسة في الصف الثالث الأساسي، سكان ضروان والأطفال منعونا من الدخول إلى مدرستهم، ويطالبونا بمغادرة المخيم.. نتعرض للضرب أحياناً”.

“أتمنى أن تنتهي الحرب، لكي أعود إلى صعدة والتحق بالمدرسة”، يضيف الطفل، الذي جلس بجواره أطفالٌ يبتسمون وآخرون على وجههم ملامح البؤس.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Red Cross volunteers bury the remains of civilians killed in the Democratic Republic of Congo North Kivu province village of…
متطوعون من الصليب الأحمر يدفنون ضحايا هجوم مسلح مرتبط بداعش في جمهورية الكونجو- أرشيفية

بينما تبذل جهات إنفاذ القانون، ومؤسسات الرقابة المالية في العالم جهوداً مضنية لعزل أنشطة تنظيم "داعش" الاقتصادية عن النظام المصرفي العالمي، كان التنظيم ينسج في الظل شبكته المالية الخاصة، مستفيدا مما راكمته التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة من تجارب، ومستغلاً الثغرات المتاحة في المنظومة المالية العالمية، لتوسيع وإنعاش أنشطته المدرّة للدخل، وتحقيق فعالية أكبر في حركة الأموال بين "ولاياته" وخلاياه المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم.

استطاع تنظيم "داعش" من خلال خططه الاقتصادية، وشبكاته المالية المعقدة  تحقيق اكتفاء ذاتي لأخطر فروعه النشطة في وسط إفريقيا، (فرعي الكونغو والموزمبيق)، وعبر وصلهما بخطوط شبكة دعمه الممتدة بين أوروبا  وجنوب إفريقيا والصومال والخليج والشرق الأوسط. وهي شبكة محمية بطبقات من الوسطاء والشركات الاستثمارية ومكاتب تحويل الأموال، لكن جزءاً منها جرى تفكيكه وتعطيل فعاليته.

تحويلات مالية من جنوب افريقيا

في 7 من نوفمبر الماضي أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بياناً ثانياً بشأن الانشطة المالية لداعش في جنوب افريقيا، وفرضت بموجبه عقوبات على خلية من 4 أفراد و 8 شركات استثمارية. الشخصيات الخاضعة للعقوبات وهي نوفل أكبر، ويونس محمد أكبر، ومحمد أكبر، وعمر أكبر، تعمل تحت إشراف فرهاد هومر وهو جهادي كانت الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات عليه في مارس من العام الماضي، واستهدفت العقوبات شركاتهم العاملة في مجالات تعدين الذهب والبناء، ويضطلعون بدور حيوي في الاسناد اللوجستي لفروع "داعش" في وسط إفريقيا والموزمبيق، وتحويل الأموال إليها عبر نظام "الحوالة".

ومن خلال نظام "الحوالة" تم تحويل حوالي 342 مليون دولار من جنوب إفريقيا إلى فروع وخلايا داعش في الصومال وكينيا ونيجيريا وبنغلادش باستخدام آلاف الشرائح الهاتفية غير المسلجة للتملص من الرقابة، وتمويه هوية القائمين بالمعاملة، وكل ذلك حدث بين عامي 2020 و 2021 بحسب صحيفة "صنداي تايمز" الصادرة في جنوب إفريقيا. ويتم تحويلات الأموال على دفعات صغيرة حتى لا تثير الشكوك.

وكشفت دراسة نشرتها جامعة جورج واشنطن في يونيو الماضي عن جانب من المعاملات المالية التي تتم بين خلايا داعش في جنوب إفريقيا وبين "ولاياتها" في الصومال والموزمبيق وشرق الكونغو. وفنّدت الدراسة نموذجاً لهذه التحويلات التي تتم برعاية شركة Heeryo Trading Entrprise وهي شركة صومالية وجنوب افريقية مسجلة في جوهانسبرغ وتقوم بعملياتها في العاصمة الصومالية مقاديشو. الشركة سهّلت نقل مئات الآف من الدولارات من الصومال إلى جنوب إفريقيا ومن جنوب إفريقيا إلى كينيا حيث ينتظرها الموزعون الماليون لنقلها إلى أوغندا، ويعبرون بها الحدود لتسليمها إلى فرع "داعش" في شرق الكونغو، أو تنقل إلى تنزانيا ومنها إلى فرع داعش في الموزمبيق.

 

سبق لقيادة تنظيم "داعش" المركزية في سوريا والعراق أن اعتمدت نظام الحوالة المالية أواخر 2017 لدعم "القوات الديمقراطية المتحالفة" في الكونغو عشية إعلان ولائها للتنظيم، وكان وليد أحمد زين المواطن الكيني الذي التحق والده وأخوه بالتنظيم في سوريا، قد تلقى مبالغ مالية ضخمة عبر حوالات مالية(حوالي مليون وخمسمئة ألف دولار)، من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وقام بإعادة تحويلها إلى فروع داعش في وسط وشمال إفريقيا.

وجاء في تقرير أعدته مجموعة أبحاث الكونجو بجامعة نيويورك ومؤسسة بريدجواي التي نقلت عن مصادر أمريكية ومنشق من القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونجو أنّ  زين، الذي وصف بأنه "ميسّر مالي" دفع المال للقوات الديمقراطية المتحالفة على الأقل مرة واحدة.

 

زكاة وجزية

إلى جانب الحوالات المالية التي تتلقاها فروع داعش في وسط افريقيا، توجد أيضا أنشطة ذاتية تعتمد عليها محليا في تعزيز دخلها المالي، وتمويل عملياتها، ومنها فرض الرسوم والضرائب وجباية ما تسميه "الزكاة" من الأهالي الذين يعيشون في مناطق سيطرتها. ولأن فرعي داعش في الكونغو والموزمبيق ينشطان في مناطق يعيش فيها المسلمون والمسيحيون فإن عوائدهما في هذه الحالة تكون مضاعفة، من خلال فرض "الزكاة" على المسلمين و"الجزية" على المسيحيين.

ففي العام الماضي حذر فرع داعش في المزمبيق، عبر بيان خطي تداولته صفحات محلية، المسيحيين من عواقب عدم دفع الجزية، وخيرتهم بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو "الاستعداد لحرب لا نهاية لها" بحسب البيان.

تلجأ فروع داعش في إفريقيا إلى فرض الضرائب على السكان المحليين وابتزاز الشركات والمقاولات وفرض رسوم باهضة عليها ضمن خطة تمويلية عممتها قيادة داعش في سوريا والعراق على كل ولاياتها البعيدة، ويشكل مردودها جزءاً من ميزانيتها الضخمة. ففي الصومال مقر "مكتب الكرار" الذي يدير شؤون ولايات وسط إفريقيا ويمدها بدعم مالي سخي، يقوم فرع داعش في إقليم بونتلاند شمال الصومال بفرض رسوم شهرية على الشركات التجارية تحت التهديد بتخريب ممتلكاتها ومصالحها. وفي 2018 كانت عوائده الشهرية من هذه الرسوم حوالي  700 ألف دولار. وفي أبريل الماضي أحرق التنظيم مقاولة محلية بعدما رفض أصحابها دفع 500 ألف دولار له.

تنخرط أيضا فروع داعش في وسط أفريقيا في أنشطة تجارية مشبوهة، مثل التهريب، وتجارة الذهب والأخشاب والكاكاو وغيرها، وأكدت دراسة جامعة جورج واشنطن المشار إليها سابقاً أن هذه الأنشطة تشكل نسبة قليلة جداً مقارنة بالأموال التي تصل من الخارج، وأن عوائد تجارة الأخشاب التي يديرها فرع الكونغو لا تتجاوز 15 ألف دولار سنوياً.

تجارة السبي والرهائن

يشكل الاختطاف بغرض الفدية تقليداً مشتركاً بين الارهاب والجريمة المنظمة، غير أن فرع داعش في وسط افريقيا أضاف إلى هذا الاقتصاد الإجرامي المربح، قطاعاً مربحاً آخر وهو تجارة "السبي".

فقد كشفت مراسلات داخلية للتنظيم أن فرع داعش في الموزمبيق فرض مبالغ مالية معينة مقابل تحرير "السبايا" اللواتي يحتفظ بهن في معاقله. وهذه المعاملة تشمل فقط "السبايا" اللواتي لا يصلحن، بحسب التنظيم الإرهابي لـ"المتعة" الجنسية، كالمصابات بمرض الإيدز، أو الكبيرات في السن. وتم تخيير أهاليهن بين دفع الأموال أو إعدامهن.

ينهض اقتصاد الارهاب في جزء كبير منه على عوائد الاختطاف واحتجاز الرهائن.

لا توجد أرقام محددة عن العوائد التي يجنيها تنظيم داعش في وسط إفريقيا من اقتصاد الفدية، لكن لا شك أنها إضافة إلى أرقام الحوالات قد أحدثت طفرة في النشاطات الارهابية لفرعي داعش في شمال الموزمبيق وشرق الكونغو. حوالي 68 ألف دولار من أموال الحوالات سلمت مباشرة لأفراد في خلايا تورطت في سلسلة من الهجمات الانتحارية في أوغندا في 2021، وهجمات في رواندا والكونغو.

عزّز اقتصاد الإرهاب الذي رعاه مكتب "الكرار" في الصومال بقيادة عبد القادر مؤمن  ميزانية داعش في شرق ووسط إفريقيا، فكان يرسل بشكل دوري دفعات مالية إلى عدد من ولايات وخلايا داعش في إفريقيا والشرق الأوسط واليمن وتركيا. ووصف المكتب في رسالة له إلى أمير إدارة "الولايات" البعيدة في سوريا وضعه المالي بالقول: "الأموال التي تصلنا من مفصل الاقتصاد كافية للضروريات والكماليات"، ووافق على إرسال فائضها إلى اليمن مباشرة، وسيبحث عن وسيلة آمنة لإرسالها أيضا إلى الخليج وتركيا. وهي مفارقة لافتة أن تذهب أموال الإرهاب في زمن داعش من إفريقيا إلى الخليج بعدما كان العكس هو الشائع في العقود الماضية.