الأردن – بقلم صالح قشطة:
رغم اختلاف تفاصيل حياة معظم المهجرين عن أوطانهم، إلّا أن المرارة هي القاسم المشترك والعنوان الرئيسي لمعاناتهم. فهم يصارعون ضنك الحياة بقلة حيلتهم، وبعيون تترقب وتتخوف من المجهول، الذي إن جاء قد يضع حداً لمعاناتهم أو قد يفاقمها.
هذا هو حال اللاجئ السوري منير حمد، البالغ من العمر 26 عاماً، القادم من منطقة الشيخ مسكين في درعا، منذ ثلاثة أعوام، ويقطن حاليا في منطقة سحاب، بالقرب من العاصمة الأردنية عمّان. حلم هذا الشاب بسيطة وليس أكثر من الزواج وتكوين أسرة كأي شاب بعمره، لكنه حلم صعب المنال في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها كلاجئ.
وفي حديثه إلى موقع (إرفع صوتك)، يقول الشاب إنّه بالكاد يتمكن من تأمين أساسيات حياته، كإيجار المنزل الذي يسكنه مع عائلته.
"حتّى الحلم لا أستطيع إليه سبيلاً... والدي رجل طاعن في السن ولا يتمكن من العمل، وأنا أعمل يومياً (في التحميل والتنزيل والآلات) لما يزيد على 12 ساعة في المنطقة الصناعية، وأتقاضى قرابة 300 دولار أميركي في الشهر"، يقول الشاب مشيرا إلى أن دخله لا يكفي لدفع إيجار المنزل وفواتير الكهرباء والمياه.
علاج والديه يتطلب أيضاً مبالغاً طائلة، فهما يحتاجان ما لا يقل عن 15 نوعاً من الأدوية شهرياً. ويتابع حمد حديثه "نعيش بتقشف شديد في كافة أمور حياتنا، والراتب الذي أتقاضاه يذهب مع الريح خلال طريق عودتي إلى المنزل يوم استلامه".
يوميات حمد
قبيل مجيئه إلى الأردن، كان منير طالباً يدرس العلوم السياحية في جامعة حمص. أجبرته الظروف على ترك دراسته التي يتمنى أن يتابعها يوماً ما، "لكن هذا أمر مستحيل حالياً، بسبب التزامي بمصاريف عائلتي بعيداً عن وطني الذي أتمنى أن أعود إليه في حال استقرت الأوضاع هناك"، يقول الشاب، الذي يؤكد أنه لا يرى حتى اللحظة أية مؤشرات تدل على استقرار الأوضاع في بلاده في المستقبل القريب، حيث لا يزال الدمار يعم البلاد، وأنه كشاب قد يتعرض للكثير من العقبات في وطنه، مشيراً إلى أنه قد يتم اعتقاله من قبل أي حاجز أمني في طريقه في سورية.
يقضي الشاب يومه في الأردن في العمل منذ ساعات الصباح الباكر، حتى ساعات المساء المتأخرة، ويلخص نمط حياته خلال حديثه "أعود إلى منزلي منهكاً، وبالكاد أستطيع رؤية والدي ووالدتي لمدة لا تتجاوز الساعة الواحدة يومياً، وسرعان ما أغط في نوم عميق حتى صباح اليوم التالي لأذهب إلى عملي مجدداً".
وبحسب الشاب فإن والده لا يخرج سوى إلى الجامع القريب من منزلهم، ولا يستطيع الذهاب إلى أي مكان آخر بحكم تردي حالته الصحية. أما والدته فلا تخرج من المنزل غالباً سوى لنصف ساعة يومياً لزيارة جاراتها والاطمئنان على حالهن، وتقضي ما تبقى من اليوم مهتمة بزوجها وبأعمال المنزل، وكلها حنين لوطنها الذي تتوق للعودة إليه.
الاستقرار
الشعور بالاستقرار هو أكثر ما يفتقده منير وأسرته، حيث تلاشى لحظة نزوحهم، ولا يرى سبيلا لاستعادة شعورهم بالاستقرار سوى باللجوء إلى الدول الأوروبية، ويقول الشاب "أسعى لإيجاد طريقة للجوء في إحدى الدول الأوروبية، فالاستقرار بعيد عن حياتنا كل البعد"، موضحاً أنه على تواصل دائم مع مفوضية شؤون اللاجئين، من أجل تحقيق حلمهم بالهجرة، إلا أن طلبه لا يزال قيد الانتظار، حتى يصبح مطابقاً لمعايير إحدى الدول التي تفتح أبواب الهجرة.
وبحسب منير، فإن الجانب المادي يلعب دوراً هاماً في تعزيز شعورهم بغياب الاستقرار، معللاً ذلك "أكثر ما ينقصنا من أجل الشعور بالاستقرار هو المال، لنتمكن من تسديد التزاماتنا ومتطلبات حياتنا، فالحياة مكلفة بشكل كبير، خاصة فيما يخص الخدمات الصحية".
وفي ختام حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) يقول الشاب إن ثقل هموم حياتهم يدفعهم للتفكير أحياناً بالعودة إلى مخيم الزعتري، الذي كان أول مكان سكنوه لدى قدومهم من سورية، وغادروه بعد إصابة والده بجلطة استدعت نقله إلى إحدى مستشفيات العاصمة عمّان، ليقول بصوت مختنق "إلّا أنني أعود عن التفكير بذلك كلما تذكرت المعاناة التي كنا نعيشها بالمخيم، فالحياة في الكرافانات، وصعوبة الحصول على المياه آنذاك، يزيدان الحياة تعقيداً".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659