عناصر من القوات الخاصة التونسية في بن قردان/وكالة الصحافة الفرنسية
عناصر من القوات الخاصة التونسية في بن قردان/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم إلسي ملكونيان:

تصدّت الأجهزة الأمنية في الدول المغاربية الثلاث تونس والمغرب والجزائر ولمرات عدة لاعتداءات داعش وغيره من الإرهابيين. وأحبطت محاولاتهم الرامية إلى ضرب أمن البلاد أو السيطرة على أراضيها على مدى الأشهر الماضية.

ودعّم هذه الجهود الأمنية تراجع عدد مقاتلي المنطقة في صفوف التنظيم المتشدد. فقد انخفض عدد مقاتلي المغرب من حوالي 58 في المئة في عام 2013  إلى 19 في المئة في عام 2015، حسب تقرير للمركز المغربي لدراسة الإرهاب والتطرف، وفشل التنظيم في تجنيد أكثر من 100 مقاتل جزائري، حسب تصريحات أخيرة لوزير الأوقاف الجزائري محمد عيسى.  

وعلى الرغم من عدم وجود تصريحات واضحة حول تراجع أو زيادة عدد المقاتلين التونسيين (عددهم أكثر من 6000 مقاتل)، وهو الرقم الأعلى بالمقارنة مع دول الجوار، تراجعت العمليات الإرهابية في تونس بنسبة 84 في المئة خلال 2016 حسب تقارير صحافية. فكيف استطاعت هذه الدول الوصول إلى هذه النتيجة؟ وهل تبذل جهداً كافياً لتمنع تجدد خطر التنظيمات الإرهابية في المستقبل؟

 تفوق مغربي

ويعتبر المغرب أقل تأثراً بالإرهاب بالمقارنة مع تونس والجزائر، حسب مؤشر الإرهاب العالمي الذي نشرت نتائجه في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2016. فلم يكن الخطر أكثر من خلايا أو عناصر موالية لتنظيمات متشددة تواجدت في مناطق مختلفة  من البلاد، تم تفكيكها وضبطها من قبل الأجهزة الأمنية.

ويعود سبب نجاح المغرب في التصدي إلى هذه التحديات إلى "قوة جهازها الاستخباراتي وتعاونها المستمر مع الدول الأفريقية من جهة والدول الأوروبية كفرنسا وإسبانيا من جهة أخرى"، حسب توضيح محمد أكضيض، الضابط المغربي المتقاعد ومحلل شؤون الإرهاب لموقع (إرفع صوتك).

إضافة إلى ذلك، ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ركزت على إصلاح قطاعات حيوية كالتعليم وتمكين الشباب من المشاركة الاقتصادية في تحسين الوضع المعيشي للناس وإبعادهم عن الإرهاب. وقد تكون الأمور بحال أفضل إن كان هناك تعاون مع الجزائر بشكل أكبر ولم تكن الحدود بين البلدين مغلقة، حسب أكضيض.

تونس: استراتيجية وطنية وتنسيق مع الجزائر

أما تونس وهي الأكثر عرضة لهجمات المتشددين خاصة بسبب حدودها الشرقية مع ليبيا، فقد وضعت استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب وأحبطت مخططات المتشددين مرات عدة مثلاً إفشال مخطط داعشي لتأسيس "إمارة إسلامية" في بنقردان الحدودية مع ليبيا، إلى جانب التنسيق مع الجزائر. 

ويعلق العميد مختار بن نصر رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل على هذا الأمر خلال حديثه لموقع (إرفع صوتك) قائلاً  "هناك تنسيق كبير مع الجزائر على المستويين الأمني والعسكري كالقيام بعمليات استباقية لضرب البنية التحتية للتنظيمات المتشددة. كما تتعاون تونس مع القيادات الليبية والقبائل المجاورة لها لتمكين المناطق الحدودية ومنع المتشددين من التسلل عبر الحدود".

التصدي للإرهاب بطريقة مستدامة

 ويجمع الخبراء على أن وجود استراتيجية مشتركة قد يعزز قدرة هذه الدول في الحفاظ على أمنها في المستقبل.

ولصياغة هذه الاستراتيجية يجب التركيز على ركائز عدة يوضحها لموقع (إرفع صوتك) الأكاديمي الجزائري حسني عبيدي مدير الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جامعة جنيف وهي:

- التفكير بالتحديات الجديدة التي قد يفرضها الوضع الأمني المتردي في ليبيا. إذ إن وجود عدة حكومات عاجزة عن ضبط حدودها يحتم على دول المغرب العربي وخاصة تونس وهي المنطقة الرخوة أن تتعاون أمنياً وعسكرياً مع دول أخرى.

-الاستفادة من خبرة الجزائر  الطويلة في التعامل مع الجماعات المسلحة لتعزيز أمن المنطقة على المدى الطويل. "وهي تملك طاقة عسكرية قد تتساوى مع المغرب. وهي حالياً تدعم تونس، حيث يوجد حوالي 35 ألف جندي جزائري على الحدود التونسية وهناك قوى عسكرية جزائرية على حدود الأخيرة مع ليبيا"، حسب عبيدي.

- ضرورة وضع مقاربة أمنية شاملة لمحاربة الإرهاب من خلال مؤسسات تضع استراتيجية موحدة وتقوم بتحديثها بشكل مستمر لتمنع المتشددين المعروفين بسرعة تغيير خططهم من التأقلم مع الاستراتيجيات الحكومية.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".