بقلم خالد الغالي:
زار تونس خلال الأشهر الأولى من سنة 2016 أكثر من 620 ألف سائح روسي، وهو ما يفوق بكثير توقعات وزارة السياحة التونسية التي كانت تقديراتها تشير إلى أن عددهم سيتراوح، في أحسن الأحوال، بين 400 و500 ألف خلال سنة كاملة.
يضع هذا الرقم غير المسبوق السياح الروس في مقدمة زوار تونس، أمام كل من الألمان الذين كان يقدر عددهم بحوالي 500 ألف سنويا قبل سنة 2011، والفرنسيين الذي كانوا يتجاوزون المليون ونصف. ووحدهم الجزائريون، جيران تونس غربا، ما زالوا يتفوقون على الروس، بأكثر من مليونين و450 ألف سائح زاروا تونس خلال سنة 2016.
مصائب قوم عند قوم فوائد
في ظرف شهر واحد، تشرين الثاني/نوفمبر 2015، فقد السياح الروس أفضل وجهتين لهم: مصر وتركيا. ففي بداية الشهر، أعلنت موسكو وقف رحلاتها الجوية نحو مصر في أعقاب حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء ومقتل 224 راكبا على متنها. وهي العملية التي تبناها تنظيم داعش. وبعد أقل من 20 يوما، جاء إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية "سوخوي 24" ليحرم السياح الروس من وجهتهم الثانية المفضلة، بعدما أوصى اتحاد السياحة الروسي وكالات الأسفار بوقف الرحلات نحو تركيا.
وكانت مصر وتركيا وحدهما تمثلان ثلث سوق السياحة أمام الروس، حيث زار تركيا سنة 2014 نحو 4.38 مليون روسي، فيما زار مصر 3.1 مليون. لكن بعد الحادثين، وجد السياح الروس أنفسهم مرغمين على البحث عن وجهات جديدة. ولحد الساعة، ما تزال الرحلات السياحية بين القاهرة وموسكو مقطوعة، فيما لم يرفع الحظر على رحلات الطيران السياحي نحو تركيا إلا في آب/أغسطس.
في ظل هذا الوضع، غير السياح الروس وجهتهم نحو تونس التي زارها في النصف الأول من عام 2016 أكثر من 300 ألف روسي. وفي أشهر الصيف، كانت الرحلات منتظمة بين تونس وأكثر 20 مدينة روسية. فاستطاعت تونس أن تعوض الانخفاض، بنسبة 83 في المئة، الذي عرفه عدد السياح الروس بعد هجومي متحف باردو في آذار/مارس 2015، والذي قتل خلاله سائحان روسيان، ومنتجع سوسة في حزيران/يونيو. في المقابل، يبدو أن الهجوم على قافلة الأمن الرئاسي في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 (نفس يوم إسقاط الطائرة الروسية)، لم يؤثر على تدفق السياح الروس. بل على العكس، ارتفعت أعدادهم بنسب قياسية مع حلول السنة الجديدة (2016).
وجهة دائمة
تسعى الحكومة التونسية إلى جعل تونس وجهة دائمة للسياح الروس حتى بعد عودة العلاقات الروسية التركية المصرية إلى مجراها الطبيعي. ويفكر الديوان الوطني التونسي في توسيع نشاطه في روسيا بفتح مكتب جديد في مدينة سان بطرسبورغ (شمال غرب)، ينضاف إلى مكتبه في موسكو. وفي حزيران/يونيو، أدلت وزير السياحة التونسية سلمى اللومي بتصريحات قالت فيها إن بلادها اتخذت مجموعة من الإجراءات للحفاظ على السياح الروس، من بينها تعزيز الملاحة الجوية مع موسكو ووضع أسعار مناسبة، بالإضافة إلى الترويج للمنتوج التونسي في روسيا بمبلغ يفوق مليوني دولار.
وتحاول تونس الاستفادة من الوضعية الجديدة، التي خلقا السياح، لتعزيز علاقاتها الاقتصادية بالكامل مع روسيا. ففي تشرين الثاني/أكتوبر، تم افتتاح أول خط تجاري بحري مع روسيا، يربط بين ميناءي صفاقس شرق تونس ونوفوروسيسك غرب روسيا. بل إن مفاوضات حثيثة تجري بين البلدين لاعتماد الروبل الروسي والدينار التونسي في المبادلات التجارية بينهما.
الروس.. حبل النجاة؟
تشبثُ التونسي بالسياح الروس يفسر برغبة البلاد في عدم البقاء رهينة لسوقها التقليدية (الفرنسيون والألمان)، وبالذات في ظل وضع أمني هش. فبعد هجوم باردو (آذار/مارس 2015)، تطلب الأمر عاما ونصف عام لترسو أول سفينة سياحية ألمانية في ميناء حلق الوادي (شمال البلاد). وقبلها، تطلب الأمر عاما كاملا أيضا ليعود السياح الألمان إلى مدينة سوسة الساحلية.
وتزداد أهمية السائح الروسي، إذا علمناه أنه يمثل أحد أسلحة الحكومة التونسية لمواجهة الانحدار العام للسياحة في تونس، فقد تراجع عدد السياح من سبعة ملايين سنة 2014 إلى خمسة سنة 2015، في بلد تشكل السياحة فيه سبعة في المئة من من الناتج المحلي الإجمالي.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659