محمد مزنرة حصل على قرض من الصليب الأحمر ليفتتح كشكاً /تنشر بإذن خاص من اللجنة الدولية للصليب الأحمر
محمد مزنرة حصل على قرض من الصليب الأحمر ليفتتح كشكاً /تنشر بإذن خاص من اللجنة الدولية للصليب الأحمر | Source: Courtesy Photo

 بقلم إلسي مِلكونيان:

تغيرت مهن أهل حلب كثيراً على مدى الأربع سنوات الماضية. فبينما خسر عدد كبير من الناس وظائفهم بسبب المعارك، استغل آخرون الأزمة الاقتصادية والأمنية التي عصفت بالمدينة، لفرض أسعار باهظة لقاء الخدمات التي يقدمونها للسكان، مما وضع السكان في ضائقة مالية صعبة.  

 "السوبرماركت"

"تحولت غالبية محلات الألبسة إلى سوبرماركت يبيع مواداً غالية الثمن". بهذه العبارات تحكي هدى حسكور وهي ربة منزل تسكن في وسط المدينة في حلب الغربية لموقع (إرفع صوتك) حلب، معاناتها اليومية مع شراء المواد الغذائية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

وصحيح أن عدد محال "السوبرماركت" ازداد مع الوقت، إلا أنه لا يمكن للمشتري أن يجد كل ما يبحث عنه، حسب هدى. المواد المستوردة كالأجبان فقدت، أما المواد المعروضة على الرفوف فهي ذات نوعية رديئة، حتى أصبح من الصعب على المواطن شراء ما يتعدى الأساسيات كالأرز والسكر.  

تضيف هدى "كحل لقضية غلاء المعيشة، بات الجميع يتقدمون لمنظمات الإغاثة الدولية والمحلية الدينية من مسيحية وإسلامية. هذه المعونة لا تقتصر على حصة غذائية فقط، بل تقدم للأشخاص الذين خسروا بيوتهم أيضاً فرشاً وأغطية وأدوات مطبخ. الجميع يتقدم بطلب المعونة دون استثناء".

بيع الطعام في الشارع

وبعد أن خسر الكثير من الناس عملهم، بات بيع الطعام في الشارع حرفة جديدة أخرى عرفتها شوارع حلب على مدى السنوات الأربع الماضية. خاصة بعد أن أصبح سعر كيلو اللحم الآن يصل إلى 5000 ل.س. (ما يعادل 25 دولار أميركي) بعد أن كان سعره 250 ل.س. في 2010 بسبب تهاوي العملة.

وتتنوع أطعمة الشارع التي يمكن للمارة شرائها من فلافل إلى سندويشات الكباب والكفتة وخضار وفواكه. تقول هدى "الجميع يشتري طعام الشارع. وفي ظل انقطاع الكهرباء لتي لم تدخل بيوتنا منذ أشهر، والمياه الدائمة الانقطاع، بات طبخ الطعام أمراً عسيراً".

بيع الكهرباء والماء

وكانت الدولة تمد مدينة حلب وريفها بالكهرباء. لكن الأمور تغيرت بعد تموز/يوليو 2012 حيث دخلت الكهرباء في مرحلة التقنين حتى انقطعت تماماً. وظهرت مهنة تجار المولدات.

وفرض هؤلاء على الناس الاشتراك بخدمة المولد الموجودة في كل حي أو ما يعرف بـ"الأمبير" لإنارة منازلهم لقاء سعر باهظ وعدد ساعات محدودة تنتهي عند منتصف الليل. ولا يمكن لأمبير واحد أو اثنين تشغيل جميع الأجهزة الكهربائية، لذا يتعين على الشخص شراء حزمة أكبر من الأمبيرات لتشغيل أكبر مجموعة ممكنة.

تقول رانيا رحمون، وهي إدارية في مدرسة "كان الأمر في البداية صعباً، حيث كنا ندفع 2500 ل.س. (12.5 دولار أميركي) لكل أمبير في الأسبوع، مما خنق الناس مالياً. ومع ذلك اشترك الجميع بخدمة الأمبير لأن الكهرباء لا غنى عنها".

وتدخلت الدولة لتحديد ساعات عمل المولدات على أن تكون 10 ساعات فقط يومياً وعلى ألا يتجاوز سعر الأمبير الواحد 2000 في الأسبوع.

وتتابع رانيا "أخذنا وعداً من السلطات على حل مشكلة الكهرباء بعد 45 يوم من تاريخ استعادتها السيطرة على المدينة بالكامل، بعدها ستصلنا الكهرباء ساعة واحدة يومياً".  

تصليح زجاج المنازل  

ومن المهن المربحة أيضاً تصليح زجاج المنازل، التي غالباً ما يتعرض بدمار بسبب القذائف.  

تتابع رانيا "في منزلي يوجد الكثير من الأبواب والشبابيك وفي كل مرة يتعرض لقذائف أدفع مبالغ طائلة لتصليح الزجاج. وسعره التصليح يختلف حسب الضرر. مع العلم أن راتب الموظف مثلي لا يغطي النفقات الحياة لأبعد من نصف الشهر".

من يساعد السكان على تحمل غلاء المعيشة؟ 

كانت منظمات الإغاثة الطريقة الوحيدة ليحصل فيها الناس على معونة، ومثالها اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي عنيت بالأشخاص الذين اضطروا إلى مغادرة بيوتهم جراء القصف ونزحوا داخلياً إلى مدارس ابتدائية وثانوية موزعة في مناطق مختلفة.

تقول أنجي صدقي الناطقة الإعلامية باسم اللجنة في دمشق لموقع (إرفع صوتك) "نقوم بتوزيع المساعدات الغذائية على النازحين داخلياً في حلب والقرى المحيطة بها منذ 2014 ونعمل على مساعدة الأشخاص في مناطق المعارضة والحكومة على حد سواء". وتحصل بذلك كل عائلة مكونة من خمسة إلى سبعة أفراد على حصة غذائية واحدة بالشهر الواحد.

وتقدم المنظمة الآن منذ بداية 2016 قروضاً صغيرة لـ127 عائلة لمساعدتها على مزاولة مهنهم من جديد. من هذه المهن تصليح الدراجات أو بيع مواد غذائية ضمن أكشاك.

"نحن عازمون على إكمال مسيرتنا للعام القادم ومن ضمنها إصلاح شبكات المياه للعائدين إلى منازلهم والذين يصل عددهم إلى 1600 شخص".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Red Cross volunteers bury the remains of civilians killed in the Democratic Republic of Congo North Kivu province village of…
متطوعون من الصليب الأحمر يدفنون ضحايا هجوم مسلح مرتبط بداعش في جمهورية الكونجو- أرشيفية

بينما تبذل جهات إنفاذ القانون، ومؤسسات الرقابة المالية في العالم جهوداً مضنية لعزل أنشطة تنظيم "داعش" الاقتصادية عن النظام المصرفي العالمي، كان التنظيم ينسج في الظل شبكته المالية الخاصة، مستفيدا مما راكمته التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة من تجارب، ومستغلاً الثغرات المتاحة في المنظومة المالية العالمية، لتوسيع وإنعاش أنشطته المدرّة للدخل، وتحقيق فعالية أكبر في حركة الأموال بين "ولاياته" وخلاياه المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم.

استطاع تنظيم "داعش" من خلال خططه الاقتصادية، وشبكاته المالية المعقدة  تحقيق اكتفاء ذاتي لأخطر فروعه النشطة في وسط إفريقيا، (فرعي الكونغو والموزمبيق)، وعبر وصلهما بخطوط شبكة دعمه الممتدة بين أوروبا  وجنوب إفريقيا والصومال والخليج والشرق الأوسط. وهي شبكة محمية بطبقات من الوسطاء والشركات الاستثمارية ومكاتب تحويل الأموال، لكن جزءاً منها جرى تفكيكه وتعطيل فعاليته.

تحويلات مالية من جنوب افريقيا

في 7 من نوفمبر الماضي أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بياناً ثانياً بشأن الانشطة المالية لداعش في جنوب افريقيا، وفرضت بموجبه عقوبات على خلية من 4 أفراد و 8 شركات استثمارية. الشخصيات الخاضعة للعقوبات وهي نوفل أكبر، ويونس محمد أكبر، ومحمد أكبر، وعمر أكبر، تعمل تحت إشراف فرهاد هومر وهو جهادي كانت الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات عليه في مارس من العام الماضي، واستهدفت العقوبات شركاتهم العاملة في مجالات تعدين الذهب والبناء، ويضطلعون بدور حيوي في الاسناد اللوجستي لفروع "داعش" في وسط إفريقيا والموزمبيق، وتحويل الأموال إليها عبر نظام "الحوالة".

ومن خلال نظام "الحوالة" تم تحويل حوالي 342 مليون دولار من جنوب إفريقيا إلى فروع وخلايا داعش في الصومال وكينيا ونيجيريا وبنغلادش باستخدام آلاف الشرائح الهاتفية غير المسلجة للتملص من الرقابة، وتمويه هوية القائمين بالمعاملة، وكل ذلك حدث بين عامي 2020 و 2021 بحسب صحيفة "صنداي تايمز" الصادرة في جنوب إفريقيا. ويتم تحويلات الأموال على دفعات صغيرة حتى لا تثير الشكوك.

وكشفت دراسة نشرتها جامعة جورج واشنطن في يونيو الماضي عن جانب من المعاملات المالية التي تتم بين خلايا داعش في جنوب إفريقيا وبين "ولاياتها" في الصومال والموزمبيق وشرق الكونغو. وفنّدت الدراسة نموذجاً لهذه التحويلات التي تتم برعاية شركة Heeryo Trading Entrprise وهي شركة صومالية وجنوب افريقية مسجلة في جوهانسبرغ وتقوم بعملياتها في العاصمة الصومالية مقاديشو. الشركة سهّلت نقل مئات الآف من الدولارات من الصومال إلى جنوب إفريقيا ومن جنوب إفريقيا إلى كينيا حيث ينتظرها الموزعون الماليون لنقلها إلى أوغندا، ويعبرون بها الحدود لتسليمها إلى فرع "داعش" في شرق الكونغو، أو تنقل إلى تنزانيا ومنها إلى فرع داعش في الموزمبيق.

 

سبق لقيادة تنظيم "داعش" المركزية في سوريا والعراق أن اعتمدت نظام الحوالة المالية أواخر 2017 لدعم "القوات الديمقراطية المتحالفة" في الكونغو عشية إعلان ولائها للتنظيم، وكان وليد أحمد زين المواطن الكيني الذي التحق والده وأخوه بالتنظيم في سوريا، قد تلقى مبالغ مالية ضخمة عبر حوالات مالية(حوالي مليون وخمسمئة ألف دولار)، من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وقام بإعادة تحويلها إلى فروع داعش في وسط وشمال إفريقيا.

وجاء في تقرير أعدته مجموعة أبحاث الكونجو بجامعة نيويورك ومؤسسة بريدجواي التي نقلت عن مصادر أمريكية ومنشق من القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونجو أنّ  زين، الذي وصف بأنه "ميسّر مالي" دفع المال للقوات الديمقراطية المتحالفة على الأقل مرة واحدة.

 

زكاة وجزية

إلى جانب الحوالات المالية التي تتلقاها فروع داعش في وسط افريقيا، توجد أيضا أنشطة ذاتية تعتمد عليها محليا في تعزيز دخلها المالي، وتمويل عملياتها، ومنها فرض الرسوم والضرائب وجباية ما تسميه "الزكاة" من الأهالي الذين يعيشون في مناطق سيطرتها. ولأن فرعي داعش في الكونغو والموزمبيق ينشطان في مناطق يعيش فيها المسلمون والمسيحيون فإن عوائدهما في هذه الحالة تكون مضاعفة، من خلال فرض "الزكاة" على المسلمين و"الجزية" على المسيحيين.

ففي العام الماضي حذر فرع داعش في المزمبيق، عبر بيان خطي تداولته صفحات محلية، المسيحيين من عواقب عدم دفع الجزية، وخيرتهم بين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو "الاستعداد لحرب لا نهاية لها" بحسب البيان.

تلجأ فروع داعش في إفريقيا إلى فرض الضرائب على السكان المحليين وابتزاز الشركات والمقاولات وفرض رسوم باهضة عليها ضمن خطة تمويلية عممتها قيادة داعش في سوريا والعراق على كل ولاياتها البعيدة، ويشكل مردودها جزءاً من ميزانيتها الضخمة. ففي الصومال مقر "مكتب الكرار" الذي يدير شؤون ولايات وسط إفريقيا ويمدها بدعم مالي سخي، يقوم فرع داعش في إقليم بونتلاند شمال الصومال بفرض رسوم شهرية على الشركات التجارية تحت التهديد بتخريب ممتلكاتها ومصالحها. وفي 2018 كانت عوائده الشهرية من هذه الرسوم حوالي  700 ألف دولار. وفي أبريل الماضي أحرق التنظيم مقاولة محلية بعدما رفض أصحابها دفع 500 ألف دولار له.

تنخرط أيضا فروع داعش في وسط أفريقيا في أنشطة تجارية مشبوهة، مثل التهريب، وتجارة الذهب والأخشاب والكاكاو وغيرها، وأكدت دراسة جامعة جورج واشنطن المشار إليها سابقاً أن هذه الأنشطة تشكل نسبة قليلة جداً مقارنة بالأموال التي تصل من الخارج، وأن عوائد تجارة الأخشاب التي يديرها فرع الكونغو لا تتجاوز 15 ألف دولار سنوياً.

تجارة السبي والرهائن

يشكل الاختطاف بغرض الفدية تقليداً مشتركاً بين الارهاب والجريمة المنظمة، غير أن فرع داعش في وسط افريقيا أضاف إلى هذا الاقتصاد الإجرامي المربح، قطاعاً مربحاً آخر وهو تجارة "السبي".

فقد كشفت مراسلات داخلية للتنظيم أن فرع داعش في الموزمبيق فرض مبالغ مالية معينة مقابل تحرير "السبايا" اللواتي يحتفظ بهن في معاقله. وهذه المعاملة تشمل فقط "السبايا" اللواتي لا يصلحن، بحسب التنظيم الإرهابي لـ"المتعة" الجنسية، كالمصابات بمرض الإيدز، أو الكبيرات في السن. وتم تخيير أهاليهن بين دفع الأموال أو إعدامهن.

ينهض اقتصاد الارهاب في جزء كبير منه على عوائد الاختطاف واحتجاز الرهائن.

لا توجد أرقام محددة عن العوائد التي يجنيها تنظيم داعش في وسط إفريقيا من اقتصاد الفدية، لكن لا شك أنها إضافة إلى أرقام الحوالات قد أحدثت طفرة في النشاطات الارهابية لفرعي داعش في شمال الموزمبيق وشرق الكونغو. حوالي 68 ألف دولار من أموال الحوالات سلمت مباشرة لأفراد في خلايا تورطت في سلسلة من الهجمات الانتحارية في أوغندا في 2021، وهجمات في رواندا والكونغو.

عزّز اقتصاد الإرهاب الذي رعاه مكتب "الكرار" في الصومال بقيادة عبد القادر مؤمن  ميزانية داعش في شرق ووسط إفريقيا، فكان يرسل بشكل دوري دفعات مالية إلى عدد من ولايات وخلايا داعش في إفريقيا والشرق الأوسط واليمن وتركيا. ووصف المكتب في رسالة له إلى أمير إدارة "الولايات" البعيدة في سوريا وضعه المالي بالقول: "الأموال التي تصلنا من مفصل الاقتصاد كافية للضروريات والكماليات"، ووافق على إرسال فائضها إلى اليمن مباشرة، وسيبحث عن وسيلة آمنة لإرسالها أيضا إلى الخليج وتركيا. وهي مفارقة لافتة أن تذهب أموال الإرهاب في زمن داعش من إفريقيا إلى الخليج بعدما كان العكس هو الشائع في العقود الماضية.