المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
رغم تبنّيه للمذهب السلفي، فإن ذلك لم يمنعه من الدفاع عن الحريات الفردية ومناصرة العلمانية، وتقبل الآخر المختلف فكريا وعقائديا. هو الشاب المغربي المرتضى إعمارشا ذو التوجه السلفي الذي خصّ موقع (إرفع صوتك) بحوار أكد وأوضح فيه ظروف تبنيه للمنهج السلفي ودفاعه عن العلمانية والملحدين، ومناهضته للتطرف والإرهاب.
من يكون المرتضى إعمارشا، كيف عاش طفولته وشبابه؟
المرتضى إعمراشا شاب مغربي نشأ بحي موروبياخو بمدينة الحسيمة شمال شرق المغرب. مثل أي طفل مغربي، عانت عائلتي من قسوة العيش وصعوبة الحصول على مورد رزق كريم. طفولتي قضيتها بين المدرسة النظامية والكتاب الذي كان يدرس فيه والدي الأطفال القرآن وعلومه، وفي أيام العطل كنت أعمل في الأسواق منذ نعومة أظافري مثل كثير من أطفال جيلي.. بعد أن أكملت التعليم الابتدائي واستعددت للالتحاق بالمرحلة الإعدادية، قرر والدي إيقافي عن الدراسة.
صعوبة توفير كلفة الدراسة التي أثقلت كاهله لكوننا ثمانية إخوة نحتاج للدراسة جميعا، وبسبب تردي وضعه الصحي... كلها عوامل اضطرته لاتخاذ قراره، لأساعده في التجارة بعدما أغلق كُتَّـابَهُ (روضة أطفال عتيقة). لذات السبب، خرجت لأستقبل فصلا جديدا من حياتي حيث قضيته بين السوق والدراسة غير النظامية. وهناك بدأت أكمل حفظ القرآن وأتعلم أصول المنهج السلفي.
كيف تبنيت المنهج السلفي، هل عن قناعة أم أن التنشئة العائلية كانت هي المحدد؟
التنشئة ليس لها الأثر الكبير في اتباعي للمنهج السلفي، لكن كان لها الأثر الأكبر في كوني متشبثا بتعاليم ديني لأن أسرتي محافظة ووالدي هو شيخ العائلة فيها. أما المنهج السلفي فقد كان دخيلا على الأسرة بعدما تأثر والدي بدعوة علمائها خاصة العلامة الألباني.
برز وجه المرتضى السلفي من خلال دار القرآن حيث كنت أتلقى دروسا دينية، الى حدود توقفها إبان تفجيرات 16 أيار/مايو الإرهابية بسبب الحملات الأمنية آنذاك. بعدها اتخذت منعطفا آخر في حياتي حيث بدأت أتعرف على عالم الشبكة العنكبوتية والاختلافات بين الجماعات وأدخل غرف الدردشة والمنتديات الحوارية خاصة منتديات الجهاديين. وتأثرت كثيرا بعد ذلك بالشيخ أحمد الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي) إبان التدخل الأميركي في العراق. وتراجعت بعدها عن هذا التأثر.
وفي سنة 2006 قررت ترك التجارة لفترة والالتحاق بالتعليم العتيق، لكن حاجة والدي الملحة لمساعدته، جعلتني أنقطع عن ذلك، فعدت للتجارة حيث فتحت مكتبة اسلامية لبيع الكتب والأشرطة والأقراص المدمجة، وفيها بدأت أطالع كتب المنهج السلفي وأستمع لدروس مشايخهم.
اشتغلت إماما قبل أن يتم توقيفك، هل بسبب تناولك لمواضيع حول الحريات والحداثة؟
قررت متابعة دراستي غير النظامية والعمل بشكل مستقل بعد بيع المكتبة، لكن حدث أن طلب مني أحد الأصدقاء العمل كخطيب مسجد نواحي الحسيمة بسبب إلمامي بعلوم الشريعة وإتقاني اللغة العربية، لحاجتهم لإمام فكان ذلك منعطفا جديدا في حياتي.
عملي كإمام جعلني أهتم أكثر بمقارنة الأديان ونقاش الفرق الإسلامية، ومع بداية ثورات الربيع العربي، وجدت أن هناك تركة ثقيلة في كتب التراث الإسلامي تشرعن الاستبداد، يناقشنا بها مشايخ ضد الثورة. وحاولت البحث في أصل المسألة وسياقها التاريخي، وهنا بدأت أستمع لخطب الشيخ (عدنان إبراهيم) التي صدمت قناعاتي وكانت سببا في تحولي عن التيار السلفي الراديكالي(...).
لماذا تم توقيفك عن الإمامة والخطابة؟
دخلت في مواجهة مع الفكر الديني الرسمي، وسعينا لتأسيس إطار مستقل للأئمة والخطباء للدفاع عن حقوقهم. وكل هذا تسبب في توقيفي من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبقيت عاطلا عن العمل حتى اضطررت لمغادرة المغرب بحثا عن مورد رزق كريم.
اشتهرت في وسائل التواصل الاجتماعي بدفاعك عن قيم الحداثة والعلمانية والحريات الفردية، كيف سلكت هذا الطريق رغم تحفظ المذهب السلفي من هذه الأمور؟
سبب تبني الخطاب الحداثي راجع بالأساس إلى قيامي بمراجعات جذرية لبعض ما لُقن لنا عن طريق كتب التراث التي تحكمت في فهمنا للقيمة الإنسانية لرسالة القرآن. وقمت بمجهود شخصي لتفسير القرآن بناء على مفهوم عالمية الرسالة التي بعثت رحمة للعالمين.
كيف تدافع عن الملحدين وأنت سلفي؟
دفاعي عن حق الملحدين في التعبير عن آرائهم هو نابع من قناعة بفهم رسالة القرآن الذي أورد كثير من الآيات في أسس حرية التعبير، حتى أنه في المدينة المنورة كان الصحابة يجلسون مع منافقين يخوضون في آيات الله ويكفرون بها، فطلب منهم القرآن كما في سورة النساء ألا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وغير ذلك من الآيات في ذات المعنى، دون أن يطالبهم بقمعهم أو اتخاذ إجراء قانوني ضدهم. والإلحاد حرية تعبير تجب مناقشتها لا قمعها.
هل المطلوب أن يحذو السلفيون مثلك في الخروج من قوقعة المحافظة والانغلاق ورفض الاعتراف بقيم الحداثة والانفتاح؟
لكل قناعاته الشخصية ومبلغه من العلم. والشيء الوحيد الذي أنصح بتبنيه هي ثقافة تقبل الآخر مهما كان دينه ومذهبه، ومن حق أي مجتمع أن يكون متنوعا، لكن وجب استثمار هذا التنوع وجعله مؤشرا على غنى شعوبنا، أما قمع الحريات فلا يجرنا إلا إلى الدمار.
ما رسالتك للشباب الذين يلتحقون بالتنظيمات الارهابية تحت مسمى الجهاد؟
رسالتي للشباب الذين يلتحقون بالتنظيمات الارهابية تحت مسمى الجهاد، هي أن سواعدكم يحتاجها وطنكم، وبذلكم لأرواحكم من أجل مشاريع ومصالح الإرهاب(..) لن يغير من واقعنا شيئا. نحن بحاجة إلى البناء من داخل مجتمعاتنا ومقاومة الأجندات التي تستهدف تدمير بلداننا دينيا وفكريا وعرقيا، كل ذلك بالحكمة وبالتي هي أحسن، أما الدم فلا يجر إلا إلى الخراب.
ما رأيك بظهور تنظيمات متطرفة كالقاعدة وداعش وكيف يمكن مواجهتها؟
سبب ظهورها هو غياب التوازن الإقليمي بما يخدم مصلحة الأمة الإسلامية، فلا يعقل أن نكون أكثر من مليار ونصف مسلم ولا يوجد لنا قوة في مجلس الأمن ولا مقعد دائم ولا حق الفيتو، وهذا ما ساهم في تنامي التطرف في عالمنا الإسلامي.
إن الحل الوحيد لمواجهة هذه الظاهرة هو خلق قوة نظامية من الدول المسلمة معترف بها، لتتدخل في أي أزمة تواجه شعوبنا، وبغير ذلك ستظل دائما الأجندات خاصة المتطرفة منها هي الرابح في تنفيذ خططها الإجرامية، والمؤطرة لشبابنا المتحمس للدفاع عن الشعوب المستضعفة.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659