قوات أمنية في المغرب/وكالة الصحافة الفرنسية
قوات أمنية في المغرب/وكالة الصحافة الفرنسية

المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

فشل تنظيم داعش والجماعات الإرهابية في استهداف المغرب رغم التهديدات التي توجه إليه. ولم يتوانَ المغاربة أفرادا وسلطات عن إطلاق مبادرات لمواجهة خطر التطرف والإرهاب، ضمانا لاستتباب السلم والأمن في وقت تعرف فيه المنطقة العربية فوضى أمنية وسياسية.

وسارع المغرب إلى إعلان حالة الاستنفار في صفوف أجهزته الأمنية، إضافة إلى ضبط وترشيد الحقل الديني ومراجعة المناهج الدراسية وتنقيحها مما قد يساء تأويله، ضمن جهوده عام 2016 للتصدي للإرهاب.

تفكيك الخطاب المتطرف

عبد الخالق بدري، الباحث بالرابطة المحمدية للعلماء، وهي مؤسسة دينية رسمية، يرى في حديثه لموقع (إرفع صوتك) أن افتتاح الرابطة المحمدية للعلماء لأربع ورش لتعزيز مكافحة التطرف والإرهاب خلال 2016، خطوة مهمة.

وقد اعتمدت هذه الورش مقاربة التثقيف وتكوين الشباب الجامعي والمتعلم، وتمكينهم من آليات تفكيك خطاب التطرف والكراهية، إضافة إلى استثمار المؤهلات المعرفية للعلماء الوسطاء وهم خريجو المعاهد والمؤسسات الشرعية، وتوظيفها لتفكيك والتصدي للخطاب المتطرف، فضلا عن تأهيل الأطفال الرواد لتمكينهم من كفاءات منهجية ومعرفية لتحصين ذواتهم أولا وزملائهم من خطر الإرهاب.

وإذا كانت أصابع الاتهام توجه للمؤسسات السجنية باعتبارها بيئة حاضنة لخطاب التطرف والكراهية بحكم الهشاشة وعوامل متعددة، فإن الرابطة لم تغفل هذا الجانب، حسب بدري، حيث  أطلقت برنامجا للوقاية من خطاب التطرف بنزلاء المؤسسات السجنية.

وعن تأثير هذه المبادرات على أرض الواقع، يرى بدري أن التفاعل الذي تتلقاه أنشطة الرابطة من طرف الشباب الجامعي ونزلاء المؤسسات السجنية، يعد دليلا على تأثير برامج الرابطة في التصدي للإرهاب والتطرف، مشيرا إلى أن عمل الرابطة يكون بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية كوزارة الشباب والأوقاف ومديرية السجون.

تصحيح الدين

كان إصلاح الحقل الديني ووضع اليد على ما يتم تداوله فوق منابر المساجد أحد أهم المبادرات التي انخرط فيها المغرب، لدرايته بأن خطر التطرف ينطلق من الجهل بالدين وتأويل النصوص الشرعية وفق أهواء بعض الغلاة، ليتم حشو عقول الناس بأفكار لا تتناسب مع المقاصد الشرعية، وفق تعبير مولاي أحمد، إمام أحد مساجد مدينة سلا (غرب).

"تنقيح الحقل الديني من بعض الشوائب التي ألصقت به من طرف الجماعات المتشددة، وتكوين الخطباء والمرشدين الدينين وفق المنهج الوسطي الذي ينبذ العنف ويشجع على الحوار والتعايش، كانت كفيلة بتصحيح صورة الإسلام التي لطختها الآلة الدعائية لداعش وما جاوره من تنظيمات إرهابية"، يضيف المتحدث.

ويضيف أنّه بدوره ساهم في "دحض مزاعم المتطرفين والمتشبعين بالفكر الجهادي"، حيث لم يتوانَ عن تبسيط وشرح القواعد الشرعية للعموم حتى يستوعبوا مخاطر تأويل النصوص الدينية وخاصة تلك التي تحث على الجهاد، وعواقب فهمها بشكل خاطئ على المجتمع والعالم، وفق تعبيره.

تشديد الأمن

أصبحت رؤية عناصر أمنية مدججة بأسلحة وأجهزة اتصال حديثة تجوب شوارع المدن الكبرى، ظاهرة عادية في المغرب بعدما كان التواجد الأمني يقتصر فقط قرب المؤسسات الحساسة، أو دوريات الشرطة الروتينية، والسبب هو استباق المخاطر الارهابية المحدقة بالبلاد.

عبد الله الشريف، مواطن مغربي متقاعد، يرى في التعزيزات الأمنية بالمغرب مؤشرا هاما في حماية البلاد من أي استهداف. "عناصر الأمن يتواجدون في أي مكان، وتحركات المشتبه فيهم مرصودة بدقة، وهذا ما يجعلنا نحس بالأمان في المغرب"، قال عبد الله.

ويرى المتحدث أن المبادرات الأمنية جنبت المغرب العديد من المخططات الإرهابية التي تم إحباطها من خلال تفكيك الخلايا المرتبطة بداعش، مشيرا إلى حاجة المغرب إلى المزيد من الحذر  وتجفيف منابع التطرف من الأصل.

"جل من التحقوا بالتنظيمات الارهابية من المغرب كانوا يعيشون فقرا مدقعا وأوضاعا اجتماعية مزرية، ناهيك عن استشراء الجهل والأمية في صفوفهم"، يضيف عبد الله، "فكانوا لقمة سائغة بيد داعش الذي يستغل بعضهم لتنفيذ أجنداته التخريبية داخل المغرب من خلال الخلايا النائمة، أو ينجح في استقطابه لانضمام مباشرة لصفوفه للقيام بعمليات إرهابية بمناطق سيطرته".

جبهة ضد الإرهاب

وكان موقع (إرفع صوتك) قد أشار في موضوع سابق إلى مغاربة يطلقون جبهة لمحاربة الإرهاب والتطرف، وهو ائتلاف يضم فاعلين حقوقيين ارتأوا أن يواجهوا خطاب التطرف والإقصاء في المجتمع المغربي، عن طريق التصدي لحاملي هذه الأفكار، لكن مولا أحمد الدريدي منسق الجبهة يقول إنه ما زال الوقت باكرا للحديث عن المنجزات.

وأضاف في حديث لموقع (ارفع صوتك) أن الجبهة تمكنت من التصدي لمن يستغلون الدين في قضاء مآربهم السياسية ومنع بعض من يحملون أفكارا متشددة منافية للديموقراطية من الترشح في الانتخابات التي أٌقيمت في المغرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016.

الجبهة لا تزال فتية وتأثيرها محدود لم يتعد ما ذكر من منجزات، لكن المستقبل يحمل الكثير مما يجب فعله لمواجهة انتشار الخطاب الإرهابي، يقول الدريدي الذي يعترف بغياب التنسيق بين الجبهة وباقي المبادرات الأخرى.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".