بقلم حسن عبّاس:
عنوانا الإصلاح الديني وتجديد الخطاب الديني صارا شائعين في الكتابات في السنوات الأخيرة، خاصةً بسبب انتشار ظاهرة الإرهاب. والسؤال الضروري هو: هل يمكن إصلاح الدين بدون إصلاح السياسة؟
يشير الدكتور محمد الحدّاد، أستاذ الحضارة بالجامعة التونسية، إلى أنه عندما تحدث تغيّرات كبيرة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، يكون الفكر الديني مضطرّاً إلى أن يعيد تأويلاته الذاتية. ويضيف في مقالة كتبها أنه إذا يجرِ ذلك، سيبقى الإنسان ممزقاً بين ما يفرضه الواقع وبين التأويلات القديمة التي يقدّمها الدين والتي تجاوزها العصر.
من جانب آخر، يرى أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر الدكتور عبد المنعم فؤاد أن "المسلمين تأخروا ليس بسبب ابتعادهم عن الغرب بل بسبب ابتعادهم عن الدين الإسلامي. وكلما اقتربوا من الدين الصحيح زاد الهدوء والطمأنينة".
فبرأيه، "الدين يشبه الكاتالوغ، ويتضمّن ما يجب فعله وما لا يجب فعله، ومَن يلتزم بذلك سيُشفى".
الفصل فكرة غير إسلامية
"التمييز بين الإصلاح الديني والسياسي لم يخطر على بال فقهاء الأصول"، كتب الكاتب المصري فهمي هويدي، لافتاً إلى أنهم "اعتبروا أن إصلاح السياسة من مقتضى التديّن الصحيح، وأن غاية الرسالة هي إقامة العدل بين الناس".
بدوره، قال عبد المنعم فؤاد لموقع (إرفع صوتك) إن "الإسلام لا يقول بالفصل بين السياسة والدين وفكرة أن لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين هي فكرة علمانية دخيلة على الإسلام".
وبرأيه، "الدين لا يحتاج إلى إصلاح فهو جاء من ربّ السماء. ولكنّ المتديّنين هم الذين قد يحتاجون إلى إصلاح ويُصلَحون بالدين".
وعليه يرى أنه لا يمكن الفصل بين الإصلاح السياسي وبين الإصلاح الديني، علماً أنه يعترض أساساً على استخدام المصطلح الأخير.
واعتبر فؤاد أن "السياسة لا تُصلَح إلا إذا أصبحت على نهج الدين"، مضيفاً أن "الدين هو الذي يُصلِح السياسة وليست السياسة هي التي تصلح الدين".
وبرأيه، "إذا أراد السياسي أن يصلح بلاده عليه أن يعمل على إرساء السلام والاستقرار في بلاده"، منتقداً السياسيين الذين يدعون إلى حروب ثم يلقون بالمسؤولية على الدين.
أما عن التطرّف فهو يرى أنه "ليس تطرّفاً دينياً بل هو تطرف سلوكيّ"، متابعاً أنه "لا يجب أن نحاكم الأديان بسلوكيات الأفراد".
وجهة نظر أخرى يطرحها محمد الحدّاد حين يقف ضد فكرتي فصل الدين عن السياسة وتحكّم الدين بالسياسة. فهو يرى أن الدولة يجب أن تتدخّل في المجال الديني.
ويقول إن "الميدان الديني ليس مجرد كلام وإنّما هو مساجد وزكاة وأشياء أخرى، وإذا فصلت الدولة عن كل هذا، فذلك يعني أنّ الحركات الأصولية هي التي ستملأ الفراغ، وبالتالي فينبغي أن تراجع فكرة الفصل التام بين الدولة والدين".
الأصل إصلاح السياسة؟
عن العلاقة بين الإصلاح الديني والإصلاح السياسي، كتب فهمي هويدي في مقالته المذكورة أن "الإصلاح الديني مهم ولا غنى عنه، ولكن الإصلاح السياسي أهم"، كون الأخير يخلق مناخات حرّة تنعش الحوار "ما يحرك ركود حركة الاجتهاد والتجديد".
وتابع أن "الاستبداد بمختلف تجلياته كان أحد أهم المصادر التي فرضت العنف المستند إلى المرجعية الدينية. ذلك أن انسداد قنوات التعبير السلمي دفعت بعضاً من النشطاء المتحمسين إلى محاولة التغيير باستخدام العنف".
من جانبه، اعتبر الباحث السوري جاد الكريم الجباعي أن "العصبية هي كلمة السر في التحليل الاجتماعي التاريخي، لا الدين... لذلك نعتقد أن إصلاح السياسة يفضي إلى إصلاح ديني، لا العكس".
فبرأيه، "العصبيات المذهبية ظلال، مجرد ظلال للعصبيات الإثنية. يؤكد ذلك أن جميع أنظمة الحكم في العالم العربي ذات طبيعة عائلية وعشائرية، لكل منها ظله المذهبي، أو استطالته الأيديولوجية".
تعقيدات كثيرة تكتنف مشروع الإصلاح الديني، ولكن قلة مَن تنتبه إلى أن مَن تتوجه إليهم طالبة العمل على المشروع، أي المؤسسات الدينية، فقدت القدرة على القيام بهذه المهمة.
فكما يلاحظ محمد الحدّاد، إن "المؤسسات الدينية قد ضعفت" و"مشكلتنا نحن اليوم... مع الحركات الدينية التي نشأت من خارج المؤسسات الدينية، وبالتالي فالحديث عن احتكار المؤسسات الدينية للخطاب الديني هو حديث طوباوي"، فالمنافسة تأتي من الحركات الدينية السياسية، التي هي "أقوى بكثير من كل المؤسسات الدينية".
وعن مطالبة البعض للأزهر بالتصدّي لهذه المهمة، انتقد عبد المنعم فؤاد مَن يتهجّمون على الأزهر ومناهجه بدون أن يدرسوا فيه وبدون حتى أن يعرفوا أسماء الكتب التي يدرّسها مشبهاً إيّاهم بالمهندس الذي يأتي ليجري عملية جراحية لمريض.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659