الجزائر – بقلم أميل عمراوي:
عهدت بعض العائلات الجزائرية تسجيل صغارها بالمدارس القرآنية التابعة للمساجد، لتعلم بعض السور القرآنية وأساليب تأدية الصلاة، وهو تقليد توارثه الجزائريون قبل انتشار الروضات التي تتكفل بالأطفال دون السادسة (السن القانوني للتسجيل بالمدرسة النظامية).
لكن بعض الأولياء من الشباب اليوم يفضلون تسجيل أبنائهم في الروضات التابعة للقطاع العام والخاص على حد سواء مبتعدين عن التقليد السابق.
فلماذا يلجأ الجيل الجديد من الأولياء للروضة بدل المدارس القرآنية؟ وهل للخطاب الديني الذي يلقن للأطفال بالكُتّاب دخلٌ في ذلك التحول؟
عمي علي متقاعد في العقد السابع من عمره، يصطحب أحفاده يوميا للكتّاب التابع لمسجد الحي الذي يقطنه شرقي العاصمة حيث الدوام من الثامنة والنصف صباحا إلى غاية الحادية عشر والنصف قبل الظهر.
"لا أعرف ما يتلقى أطفالي بالمسجد، لكني أثق في الإمام فهو ابن الحي ومعروف بوسطيته. لا أخاف من هذه الناحية"، يؤكد الشيخ لموقع (إرفع صوتك).
سألناه السماح لنا بالاستفسار من الطفلين لما يجري داخل المسجد ما دام لا يعرف هو، ليبادرنا حفيده رسيم صاحب الأربع سنوات بالسؤال قائلا "هل ترغب بالدخول معنا؟".
لكن الدخول هناك صعب كونه غير مرحب بالكبار بالسن هناك. وعندما سألناه عن ظروف الدراسة فأجابنا بعفوية البراءة "نحن نحفظ السور القصيرة ونتوضأ لنصلي كل يوم".
وكانت إجابة الطفل بمثابة الدليل على الفكرة التي حاول الجد إيصالها لنا ونحن نسأل عن حقيقة ما يلقن داخل المسجد خصوصا وأن المدرس لا يتمتع بأي صفة رسمية، وهو –رغم غرابة الأمر- ما لا يطرح أي مشكلة للجد. ويختار الإمام المسؤول عن المسجد عادةً المدرّس الذي يعلّم الأطفال في المدارس القرآنية.
واعلي ايت مالك، مسؤول قسم في مؤسسة حكومية، بادرناه بالسؤال وهو متجه نحو إحدى الروضات الخاصة صباحا، فاستغرب ضاحكا وقال "تريدني أن أسجل ابنتي في المسجد عوض الروضة؟".
وبدا صاحب الـ35 سنة رافضا الفكرة من الأساس معللا ذلك بضعف التأطير القانوني، وهو ما يمكن أن يعرض ابنته "للخطر سواء كان جسديا أو فكريا"، على حد تعبيره.
ألا تسمع؟
"أرغب في تعليم ابنتي تعاليم الدين، لكن ليس بهذه الطريقة. أفضل تعليمها بنفسي". ثم أعقب "لماذا؟ ألا تسمع ما يلقن لبعض المصليات؟".
وحين استطرد الرجل بالحديث، اكتشفنا أن رفضه للفكرة يرجع أساسا لما جرى بقريته الواقعة بتيزي وزو حيث تفاجأ أهل التلاميذ أن مدرس الكُتّابِ هناك كان يحدثهم عن أساليب تأدية صلاة الجنازة (وأكبرهم سنا لم يكمل الخامسة). كما "كان يطلب منهم الدعاء لأطفال سورية والعراق" وهو الأمر الذي اعتبره أولياؤهم "تعديا صارخا على البراءة"، يقول واعلي مبديا امتعاضه للفكرة مجددا.
وتركنا واعلي وهو يقول "أفضّل تلقين الدين للأطفال بالمدارس فقط".
من جانبه، يؤكد الشيخ عمر (كما قدم نفسه لنا) وهو طالب في كلية العلوم الإسلامية بالعاصمة، ومتطوع بأحد مساجد شرق العاصمة لتعليم القرآن للأطفال أنه لا مجال لتلقين أفكار دخيلة للأطفال لأنهم يتعلمون على يديه القرآن وفقط.
"أستعرض وإياهم الحفظ وألقنهم أبجديات التلاوة وفقط"، يقولها مستغربا طرحنا لموضوع الخطاب الديني الذي يتلقاه النشء داخل المدارس القرآنية .
وعن سر تراجع تسجيل الأبناء لدى العائلات بالنظر إلى العدد القليل الذي وجدناه عنده، قال الشيخ عمر إنه لا يولي لذلك اهتماما.
وأرجع المدرس الشاب الأمر لعدم توفر دروس صباحية ومسائية، ومعظم النساء يعملن ولا يمكنهن استقبال أطفالهن قبل الظهر.
"أعتقد أن الروضة تناسب النساء العاملات وهو السر في رأيي لتراجع عدد التلاميذ بالمساجد". ثم أعقب يقول "لا علاقة لذلك بالخطاب الذي يتلقونه عندنا".
كلام الله
وتكفل الشيخ بطرح السؤال على تلاميذه أمامنا قائلا لهم بصوتٍ عال "ماذا نتعلم بالمسجد يا أطفال؟"، ليجيبه تلاميذه بصوت واحد "القرآن العظيم، كلام الله عز وجل".
وأنهى الشيخ حديثه لنا مبتسما وقال "لا بد من استمرار الثقة في المسجد. ولا أمانع من مراقبة المدارس القرآنية ما دام ذلك يخدمنا كأمة تعاني ويلات الفكر المتطرف".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659