جامع الصالح جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء/إرفع صوتك
جامع الصالح جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء/إرفع صوتك

صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

لا يقل الصراع بين جماعات الإسلام السياسي والتطرف المذهبي في اليمن من أجل الاستحواذ على المساجد حدّة عمّا يدور على الأرض من نزاع سياسي مسلح تحاول بعض الأطراف المحلية والإقليمية جاهدة جرّه إلى المربع الطائفي.

ومنذ اجتياح جماعة الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، في أيلول/سبتمبر 2014، سعت الجماعة الشيعية المتحالفة مع إيران لفرض خطباء مولين لها في جميع المساجد الرئيسة التي كان يستحوذ عليها خصومهم السياسيين في حزب التجمع اليمني للإصلاح ذي المرجعية الدينية السنية.

انعكاس

وألقت الحرب الأهلية الدائرة في البلاد منذ نحو عامين بظلالها على الخطاب الديني، الذي تحول إلى خطاب للتعبئة المذهبية والتحريض على القتل وبث سموم الكراهية داخل المجتمع اليمني، كما يقول رجل الدين البارز، فؤاد عبد الواحد.

ويؤكد أن الخطاب الديني هو “انعكاس للوضع السياسي والاجتماعي القائم في اليمن، ولا يلبي الرغبة ولا المقاصد الدينية المطلوبة، بل يلبي رغبات سياسية”.

وأضاف عبد الواحد، وهو أيضاً خبير قانوني يمني، ويقيم حالياً في منطقة ريفية بمحافظة تعز جنوبي غرب البلاد، لموقع (إرفع صوتك)، “نحن بحاجة إلى خطاب ديني مستقل متحرر من كل التبعيات والانتماءات والقيود. خطاب يقود إلى عالمية الإسلام الواسعة التي تستوعب الجميع بأديانهم المختلفة. لا نريد الإسلام الذي ينظر إليه بنظرة الذبح والدمار”.

وحذّر عبد الواحد، من عواقب كارثية على مستقبل اليمن، جراء تفاقم ظاهرة التطرف والعمليات الإرهابية، التي ربط بينها وعشوائية الخطاب الديني.

الكارثة

ويوافق على هذا الرأي الباحث اليمني في علم الاجتماع عبد الله هاشم، قائلاً إن “الفكر الإسلامي للأسف لم يقدم رؤية واضحة لشكل الدولة والمسألة السياسية. المجتمع اليمني تقليدي كغيره من المجتمعات العربية وبالتالي لم يتبلور الصراع السياسي فيه بشكل مستقل، ما يعني أن الفضاء السياسي أصبح متداخل مع الفضاء الديني. هي مسألة ثقافية بالدرجة الأساسية”.

وأوضح هاشم لموقع (إرفع صوتك) أن المشكلة تكمن في “الثقافة وقيم التراث المتجذرة التي لا تكرس التسامح والاعتراف بالآخر ولا التعددية”.

رأي

وانتقد هاشم، وهو شاب في منتصف الثلاثينيات من العمر، وأب لطفلين، دور السلطات الرسمية في اليمن حيال هذا الملف، مضيفاً أنّ “الخطاب الديني خلال الـ10 السنوات الماضية على الأقل كان يخدم السلطة، ولم يحظ بأي ترشيد”.

ويرى أن المجتمع اليمني ليس متعصباً، لكن “حدة الصراع أدى إلى حدة استخدام الأدوات، وهو ما يؤدي إلى التطرف”.

وألقى باللوم على القوى السياسية، التي قال إنها لا تمتلك مشروعا خاصا لذلك تنساق إلى قوى خارجية، لافتاً إلى أن الحرب الدائرة منذ قرابة عامين “أنتجت الطائفية تغذيها قوى خارجية ممثلة بالسعودية وإيران”.

ويؤكد أن ثمة حاجة ملحة إلى خطاب ديني يعيد ثقة اليمنيين ببعضهم، وأن أهم ما ينبغي لتعزيز قيم التسامح هو النظر إلى المسألة الدينية على أنها “مسألة رأي، وأن يتوازى مع الخطاب الديني المستنير تصرفات سياسية مسؤولة”.

قصور

لكن الشيخ جبري إبراهيم، الوكيل المساعد في وزارة الأوقاف والإرشاد بصنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يقول لموقع (إرفع صوتك)، إن وزارته تعمل بجد من أجل ترشيد الخطاب الديني وجعله “متوازناً يجمع لا يفرق”، لكنه اعترف في المقابل، بقصور رسمي واضح.

وقال “لا شك أن الخطاب الديني تؤثر فيه السياسة وأجندة حزبية أو قبلية، لكن السواد الأعظم من الخطباء تحت سيطرة الدولة”.

ويوجد في اليمن أكثر من 75 ألف مسجد، حسب إحصائيات رسمية، يخضع أقل من 50 في المئة منها فقط لإشراف وزارة الأوقاف.

مضاعفة

واتهم جبري، وهو قيادي بارز في حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد  الله صالح الأحزاب في اليمن بإذكاء الصراع.

وقال “لا ينبغي على حزب معين أو جماعة أن تفرض رأيها من على المنابر، هناك أطراف استخدمت الدين لصالح تحقيق أجندتها عبر التاريخ”.

ولا ينكر الشيخ جبري أن هناك فجوة كبيره بين الخطاب الديني وجهود مكافحة الإرهاب والتطرف “كل الأحزاب والقوى اليمنية تقول أنها ضد الإرهاب، لكن بعضها يخدم التطرف بشعور أو دون شعور”.

واعتبر ما تقوم به التنظيمات الإرهابية جريمة كبرى بحق المجتمع اليمني. “إذا أردنا الحد من العمليات الإرهابية فنحن بحاجة لمضاعفة جهود مراقبة وترشيد الخطاب الديني”.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".