"الطفل يتعلم مما يرى أكثر مما يسمع"/Shutterstock
"الطفل يتعلم مما يرى أكثر مما يسمع"/Shutterstock

الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

"لا يمكن السكوت على هكذا وضعية. ليس والدا من يعنف صغاره بهذه الطريقة"، تصرخ السيدة فتحية بن سديرة معلمة متقاعدة تقطن حي براقي الشعبي قرب العاصمة الجزائر.

السيدة فتحية من النساء القليلات اللاتي يبادرن بتبليغ مصالح الأمن قصد وقف ممارسات بعض الأولياء ضد صغارهم، لأن أغلبية الحالات تبقى حبيسة جدران البيوت ويبقى الطفل سجين ممارسات شاذة من أقرب الناس إليه.

"لما سئمت سماع صراخ الأطفال حينما كنت أسكن بولاية قسنطينة، أبلغت الشرطة وتبين أن الأب كان من المتعاطين للممنوعات وكان يعنف زوجته وصغاره كلما افتقد لما يريح أعصابه من المخدرات".

وتضيف السيدة فتحية في حديثها لموقع (إرفع صوتك) أن صوت الصغار كان يشق الجدران. "أمر صعب ألا يستطيع الأولاد النجاة إلا إذا أبلغ شخص آخر عن أبيهم".

50 ألف حالة!

ولعلّ ظاهرة تعنيف الأطفال داخل الحيز الأسري من التابوهات التي لا تحبذ بعض الدوائر بالجزائر الحديث عنها، ما يفسر التغاضي الإعلامي عنه.

"على الرغم من أن الأرقام الرسمية التي تتحدث عن إحصاء ما بين سبعة و10 آلاف حالة تعنيف الأطفال، إلا أن واقع الظاهرة يقول إننا نسجل ما يزيد عن 50 ألف حالة لتعنيف الأطفال سنويا"، يقول البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي لموقع (إرفع صوتك).

وأضاف البروفيسور خياطي أن أغلب الحالات لا يتم إحصاؤها لأنها لا تصل حد اللجوء إلى دوائر الشرطة وإن وصلت لا تقيد بسبب رفض العائلات التصريح بالقضية، وهو ما يفسر الرقم البعيد عن واقع الظاهرة التي يصفها المتحدث بالمخيفة.

العشرية السوداء

ومن جملة الأسباب التي يراها البروفيسور سببا في تفاقم ظاهرة تعنيف الأطفال بالجزائر، العشرية السوداء (1992-2002) التي عرفت خلالها البلاد أبشع مظاهر العنف والاجرام.

"أعتقد أن سنوات الإرهاب تأتي في مقدمة الأسباب التي تقف وراء الظاهرة لأن أولياء اليوم كانوا أطفالا سنوات التسعينيات وهم بصدد إعادة إنتاج ذات العنف الذي عاشوه لما كانوا أطفالا. لم نتكفل بهم كما ينبغي والنتيجة أمامنا.. جيل عنيف".

ويقترح البروفيسور خياطي إعادة تكوين الأولياء من الذين ثبت عندهم نوع من العنف خلال تربيتهم لصغارهم وذلك بتنظيم ورشات تدعيم نفسية للأولياء والأطفال على حد سواء.

"لا بد من تكوين كل الأولياء اليوم لأننا لا نستطيع تشخيص الظاهرة بدقة لانعدام الوسائل التقنية كما هو معمول به في الدول المتقدمة، حيث تجد شبكة من المرشدين الاجتماعيين الذين يتكفلون بتشخيص الخلايا الأسرية التي تخرج عن حيز التربية الصحيح".

إحباطات دائمة.. مستقبل مضطرب

وفي سياق الأمثلة الحيّة التي تؤكد انتشار ظاهرة تعنيف الأطفال، ذكرت سيدة آثرت عدم ذكر اسمها) لمراسل (إرفع صوتك) أن جارتها بالحي الذي تقطنه بأعالي العاصمة تمارس الاضطهاد النفسي على أطفالها، إلى حد أن إحدى فتياتها حاولت الانتحار في صيف 2016 لما تبين أنها فشلت في امتحان شهادة التعليم المتوسط.

"لا يعقل أن تكون الأم بتلك القسوة التي أعرفها عن جارتي، لقد كانت عنيفة بحق الجميع. حتى نحن لم نسلم من أذيتها وألفاظها البذيئة، أعتقد أنها تضطهد صغارها، حتى أن إحدى بناتها حاولت وضع حد لحياتها خوفا منها".

من جانبها ترى الدكتورة عبلة محرز خان عن قسم علم النفس بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الجزائر أن التعنيف المتكرر للطفل إلى درجة جعله أسلوبا معتمدا للتربية يخلف إحباطات دائمة لديه، مما يؤدي إلى ظهور سلوك منحرف وعنيف وعدائي عند الطفل إما نحو الذات أو الآخرين خاصة حالما يمتلك القوة للتنفيذ أي منذ فترة المراهقة.

العنف.. تحقيق الذات

"الطفل يتعلم مما يرى أكثر مما يسمع، أي يقتدي بالنموذج الذي يراه أمامه. فإذا كان الأب أو الأم أو الأخ الأكبر عنيفا، يعتقد الطفل أن الأسلوب الطبيعي للتواصل هو العنف أو أنه لا يمكن أن يثبت ذاته ويحقق نفسه إلا من خلال العنف"، تقول لموقع (إرفع صوتك).

وتلفت المختصة في علم النفس إلى أن العنف ضد الطفل في الأسرة والمجتمع ينتج ما يعرف في علم النفس بالشخصيات (ضد الاجتماعية).

"تتكون لدينا شخصيات مريضة ومنحرفة تؤذي نفسها وغيرها. كما أنها لا تستطيع أن تكون فعالة ولا إيجابية ولا منقادة للنظام العام حتى تتلقى برامج علاجية وتعديلية تصحيحية للسلوك".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".