الجزائر – بقلم أميل عمراوي:
"لا يمكن السكوت على هكذا وضعية. ليس والدا من يعنف صغاره بهذه الطريقة"، تصرخ السيدة فتحية بن سديرة معلمة متقاعدة تقطن حي براقي الشعبي قرب العاصمة الجزائر.
السيدة فتحية من النساء القليلات اللاتي يبادرن بتبليغ مصالح الأمن قصد وقف ممارسات بعض الأولياء ضد صغارهم، لأن أغلبية الحالات تبقى حبيسة جدران البيوت ويبقى الطفل سجين ممارسات شاذة من أقرب الناس إليه.
"لما سئمت سماع صراخ الأطفال حينما كنت أسكن بولاية قسنطينة، أبلغت الشرطة وتبين أن الأب كان من المتعاطين للممنوعات وكان يعنف زوجته وصغاره كلما افتقد لما يريح أعصابه من المخدرات".
وتضيف السيدة فتحية في حديثها لموقع (إرفع صوتك) أن صوت الصغار كان يشق الجدران. "أمر صعب ألا يستطيع الأولاد النجاة إلا إذا أبلغ شخص آخر عن أبيهم".
50 ألف حالة!
ولعلّ ظاهرة تعنيف الأطفال داخل الحيز الأسري من التابوهات التي لا تحبذ بعض الدوائر بالجزائر الحديث عنها، ما يفسر التغاضي الإعلامي عنه.
"على الرغم من أن الأرقام الرسمية التي تتحدث عن إحصاء ما بين سبعة و10 آلاف حالة تعنيف الأطفال، إلا أن واقع الظاهرة يقول إننا نسجل ما يزيد عن 50 ألف حالة لتعنيف الأطفال سنويا"، يقول البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي لموقع (إرفع صوتك).
وأضاف البروفيسور خياطي أن أغلب الحالات لا يتم إحصاؤها لأنها لا تصل حد اللجوء إلى دوائر الشرطة وإن وصلت لا تقيد بسبب رفض العائلات التصريح بالقضية، وهو ما يفسر الرقم البعيد عن واقع الظاهرة التي يصفها المتحدث بالمخيفة.
العشرية السوداء
ومن جملة الأسباب التي يراها البروفيسور سببا في تفاقم ظاهرة تعنيف الأطفال بالجزائر، العشرية السوداء (1992-2002) التي عرفت خلالها البلاد أبشع مظاهر العنف والاجرام.
"أعتقد أن سنوات الإرهاب تأتي في مقدمة الأسباب التي تقف وراء الظاهرة لأن أولياء اليوم كانوا أطفالا سنوات التسعينيات وهم بصدد إعادة إنتاج ذات العنف الذي عاشوه لما كانوا أطفالا. لم نتكفل بهم كما ينبغي والنتيجة أمامنا.. جيل عنيف".
ويقترح البروفيسور خياطي إعادة تكوين الأولياء من الذين ثبت عندهم نوع من العنف خلال تربيتهم لصغارهم وذلك بتنظيم ورشات تدعيم نفسية للأولياء والأطفال على حد سواء.
"لا بد من تكوين كل الأولياء اليوم لأننا لا نستطيع تشخيص الظاهرة بدقة لانعدام الوسائل التقنية كما هو معمول به في الدول المتقدمة، حيث تجد شبكة من المرشدين الاجتماعيين الذين يتكفلون بتشخيص الخلايا الأسرية التي تخرج عن حيز التربية الصحيح".
إحباطات دائمة.. مستقبل مضطرب
وفي سياق الأمثلة الحيّة التي تؤكد انتشار ظاهرة تعنيف الأطفال، ذكرت سيدة آثرت عدم ذكر اسمها) لمراسل (إرفع صوتك) أن جارتها بالحي الذي تقطنه بأعالي العاصمة تمارس الاضطهاد النفسي على أطفالها، إلى حد أن إحدى فتياتها حاولت الانتحار في صيف 2016 لما تبين أنها فشلت في امتحان شهادة التعليم المتوسط.
"لا يعقل أن تكون الأم بتلك القسوة التي أعرفها عن جارتي، لقد كانت عنيفة بحق الجميع. حتى نحن لم نسلم من أذيتها وألفاظها البذيئة، أعتقد أنها تضطهد صغارها، حتى أن إحدى بناتها حاولت وضع حد لحياتها خوفا منها".
من جانبها ترى الدكتورة عبلة محرز خان عن قسم علم النفس بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الجزائر أن التعنيف المتكرر للطفل إلى درجة جعله أسلوبا معتمدا للتربية يخلف إحباطات دائمة لديه، مما يؤدي إلى ظهور سلوك منحرف وعنيف وعدائي عند الطفل إما نحو الذات أو الآخرين خاصة حالما يمتلك القوة للتنفيذ أي منذ فترة المراهقة.
العنف.. تحقيق الذات
"الطفل يتعلم مما يرى أكثر مما يسمع، أي يقتدي بالنموذج الذي يراه أمامه. فإذا كان الأب أو الأم أو الأخ الأكبر عنيفا، يعتقد الطفل أن الأسلوب الطبيعي للتواصل هو العنف أو أنه لا يمكن أن يثبت ذاته ويحقق نفسه إلا من خلال العنف"، تقول لموقع (إرفع صوتك).
وتلفت المختصة في علم النفس إلى أن العنف ضد الطفل في الأسرة والمجتمع ينتج ما يعرف في علم النفس بالشخصيات (ضد الاجتماعية).
"تتكون لدينا شخصيات مريضة ومنحرفة تؤذي نفسها وغيرها. كما أنها لا تستطيع أن تكون فعالة ولا إيجابية ولا منقادة للنظام العام حتى تتلقى برامج علاجية وتعديلية تصحيحية للسلوك".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659