الأردن – إرفع صوتك:
لم يتوقع (عبد الكريم م.) الذي يبلغ من العمر 40 عاماً، ويقطن شرق العاصمة الأردنية عمّان، أن تكون جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم داعش الإرهابي نقطة تحول قلبت حياته وشخصيته وقناعاته رأساً على عقب.
وعلى حد تعبيره، فقد صنعت منه الحادثة إنساناً آخراً يعيش بشخصيتين متناقضتين، نظراً لكونه يعيش في مجتمعٍ عربيٍ إسلامي، وصفه بأنه يغتال التنوع الفكري والعقائدي.
بملامح يكسوها الألم، يستذكر الرجل خلال حديثه إلى موقع (إرفع صوتك) لحظة تلقيه الخبر "كنت أشاهد التلفاز، ليظهر أمامي خبر عاجل يقول إن معاذ تم إعدامه حرقاً وهو حيّ! ولم أتمالك نفسي عندما شاهدت فيديو الحرق، وبكيت وشعرت بغصة وكأن كل مشاعر القهر قد استوطنت عقلي".
سارع الرجل لإعلام أعز أصدقائه بالحدث، وأخذ يردد بصدمة (الله يرحمه.. الله يرحمه).
لكن عبد الكريم لم يتخيل يوماً أن كلمة (الله يرحمه) ستخلق داخله استفزازاً لهذه الدرجة. "أخذت أفكر بالكلمة وتعمقت بها كما لم أفعل من قبل، فكنت دائماً ما أرددها عند سماعي اسم والدي أو أي شخص ميت. لكني توقفت هذه المرة وسألت نفسي: ألم يكن الله قادراً على أن يرحمه بأن يموت بشكل طبيعي، دون أن يحرق، أو أن يتدخل ليتم تحريره لأهون الأسباب، كما كنا نقرأ بالقصص الدينية؟".
ويضيف عبد الكريم "بل وارتفع سقف سؤالي لنفسي وفكري وتجرأت وسألتهما ألم نتربى منذ صغرنا على أن الله هو العليم الخبير والبصير والحفيظ والقادر الجبار؟ فلماذا لم يتدخل ليرحم وينقذ معاذ؟ ولماذا لم يرحم قلب أم معاذ من رؤية فلذة كبدها وهو يموت بهذه الطريقة المؤلمة، وسألت الله متوسلاً ولست مشككاً أن يجيبني وينقذني مما أنا فيه، فما فائدة المعجزات الأسطورية التي تربينا على عظمتها إن لم تستعمل بلحظات كهذه!".
الليلة الأصعب في حياته
ويشير إلى تلك الليلة التي وصفها بأنها كانت الأصعب في حياته، وأنها فاقت صعوبة ووجع ليلة وفاة والده بمئات الأضعاف. ويتابع "ولأول مرة حينها منذ 10 سنوات امتنعت عن أداء صلاة الفجر، بل واستفزني صوت الأذان كثيراً، وقمت بصم أذني كي لا أسمعه".
ويواصل عبد الكريم حديثه، وقد بدا أكثر انفعالاً، ليؤكد أنه منذ تلك اللحظة وهو تائه يبحث عن الحقيقة، فهو لا يصنف نفسه كشخص ملحد أو لا ديني "أنا مجرد تائه يبحث عن الحقيقة، التي فشل حتى اليوم كثير من رجال الدين في إيصالي إليها بحقائق مجردة، بعيدة عن القالب الجاهز الذي يكرر عادة في هذه المواقف، عندما يجيب الشيوخ بعبارة (لحكمة لا يعلمها إلا الله)". وأضاف أن علاقته بالدين متجمدة، فهناك ما يمنعه من استئنافها قبل أن يصل إلى الحقيقة.
ويشير الأربعيني إلى أنه يمضي وقته بالقراءة والبحث والتوثق من كل ما يراه ويسمعه. ويقول إن سلوك داعش وإن كان مرفوضاً ويراه كثير من رجال الدين أنه بعيد عن صحيح الإسلام، إلّا أنه "موجود وبكثرة في التاريخ والتراث الإسلامي، وبأحاديث وروايات صحيحة". ويرى أنّ "ما يتم تدريسه في المدارس والجامعات وخطب الجمعة بعيد كل البعد عن الحقائق"، ويصفها بأنها "معلومات منقحة لتجميل الحقائق".
داعش مؤامرة؟
كما يرفض عبد الكريم كلام كل من يقول إن "داعش مؤامرة على المسلمين بهدف تشويه صورة الإسلام". ويضيف "أدعو كل من يردد هذه الجملة إلى التعمق بالكتب الإسلامية والأحاديث الصحيحة بشكل أكبر، ففعل الحرق وضرب العنق الذي قام به تنظيم داعش قد ارتكبه كذلك الصحابة وكثير من الشخصيات الإسلامية الذين تربينا على أنهم كانوا أبطالاً وأصحاب عدل، فالصحابة مثلاً أفتوا بحرق المثليين ونفذوا ذلك لعصور".
وفي ختام حديثه، يشير عبد الكريم نحو ما أسماه بـ"الانفصام" أو "الشخصية المزدوجة" التي بات يعيشها، فمجرد طرح هذه التساؤلات بشكل علني كفيل بمحاربته، ووصفه بازدراء الأديان، بل وهدر دمه، لا سيما وأنه يجد نفسه مضطراً للظهور أمام أهله وعشيرته والمجتمع بشخصية أخرى، فيما يمضي وقته وحيداً غارقاً بين الكتب باحثاً عن الحقيقة، لعله يجد بها إجابات لجميع الأسئلة التي تجول في عقله بشكل يومي.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659