لاجئون سوريون في الجزائر/وكالة الصحافة الفرنسية
لاجئون سوريون في الجزائر/وكالة الصحافة الفرنسية

الجزائر – بقلم أميل عمراوي:

"قررت أن أكشف عن ديانتي كمسيحي" بهذه العبارة استهل أبو الحسن سعيد حديثه لموقع (إرفع صوتك) حول حقيقة تعايشه مع المسلمين الذين يشكلون غالبية الجزائريين.

ولم يخف أبو الحسن (58 عاماً) تخوفه بادئ الأمر من ردة فعل بعض الجزائريين عند معرفتهم حقيقة اعتقاده الديني لأنّه قبل أن يستقر هنا بعيد اندلاع الثورة السورية قبل ستّ سنوات، كان يسافر كثيرا للجزائر حيث يبيع القماش للتجار الجزائريين الذين كانت تربطه وإياهم علاقة صداقة أكثر من تجارة.

"في الحقيقة كنت أخاف من ردة فعلهم تجاهي فأخفيت ديني عنهم".

إنّهم حقا طيبون!

وفي روايته، يلفت أبو الحسن إلى طيبة الجزائريين الذين "يعتقدون أن كل عربي هو مسلم بالضرورة"، وهو ما لمسه حين أتى إلى الجزائر سنة 2012 هاربا من الأوضاع في سورية.

"كان الجميع يرحب بي ويدعوني لتقاسم مائدة الإفطار في شهر رمضان"، يقولها الرجل وهو يبتسم، ثم يضيف "إنهم حقا طيبون".

وخلال سفرياته من ولاية إلى أخرى بهدف تسويق منتوجاته، يلفت الرجل إلى أنه يتلقى صعوبات كبيرة في تفسير بعض الغموض الذي لاحظه في فهم الجزائريين للعلاقة التي تربط بين العرب كافة، حيث يقول إنّه كان يحاول جهده إقناعهم بأن الرابط الأساسي هو الإنسانية ثم المواطنة – على حد تعبيره- وذلك تمهيدا لما قد يخلفه أي خطأ من قبله ينم عن حقيقة دينه.

"يمكن أن تتأثر تجارتي بسبب أي خطأ"، يقول الرجل.

ويروي محدثنا أنه في أحد الأيام كان مسافرا لولاية غرداية جنوب الجزائر حيث كان على موعد مع أحد التجار بهدف فتح محل لبيع أقمشته السورية. وخلال فترة إقامته هناك في صيف العام 2016، تفاجأ لردة فعل الرجل الذي غضب عليه أشد غضب حين أشعل سيجارة في وضح النهار.

"تذكرت أنهم صيام وكان عليّ أن أظهر أنني صائم مثلهم". ثم أعقب يقول ضاحكا "انهال عليّ الرجل بالشتائم لاعتقاده أنني مسلم و لا أصوم".

ولمّا تبين للرجل أن أبو الحسن مسيحي، طلب منه عدم تكرار ذلك أمام الناس مخافة أن يلحق به الأذى لأن "الجميع يعتقدون أنه لا وجود للمسحيين بيننا"، يؤكد الرجل على لسان صاحبه من غرداية.

الإفصاح عن دينه

أثّرت الحادثة تلك في أبي الحسن الذي قرّر أن يكسر خوفه ويصرّح بحقيقة دينه حتى يتحاشى ردود فعل صارمة مثل التي شاهدها من صاحبه خلال رمضان.

"قرّرت أن أعلن مسيحيتي"، يقول الرجل وهو ينظر لصديقه الجزائري الذي اصطحبه للقائنا وسط مدينة البليدة غربي العاصمة الجزائر. ويشير إلى أن الناس تقبّلوه لأنّهم كانوا يعرفونه من قبل ومدركين لأخلاقه الحميدة. 

وقبل أن يغادرنا أبو الحسن إلى مشاغله، أكّد لنا أن هناك الكثير من السوريين واللبنانيين هنا بالجزائر يخفون حقيقة دينهم مخافة التبعات التي قد تنجم عن سوء فهم الشباب من المسلمين هنا للمسيحية بل للإسلام.

"صرت أقول لهم أنا أخوكم المسيحي بمجرد لقاء أحدهم لأول مرّة و لا أحد يعترض... هذا هو التعايش الذي ننشده" يختم الرجل كلامه.

أما عن مصطفى بن مرسلي الذي حضر لقاءنا وأبي الحسن، فيرى أن "على كل جزائري أن ينتبه لوجود ديانات أخرى غير الإسلام يعتنقها بنو جلدتنا" لتفادي المشاكل التي قد تنجم عن سوء الفهم.

"الآن، لن أفوّت رمضان هذه السنة حتى يفطر معي وعائلتي"، يضحك مصطفى الذي أكد لنا أن نظرته لأبو الحسن لم تتغير بسبب دينه بل بالعكس "أصبحت أعرفه أكثر" يختم الرجل كلامه.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".