حاوره خالد الغالي:
أحمد ماهر هو أحد أكثر الباحثين إثارة للجدل في مصر. فهو لم يتردد في توجيه النقد الشديد لكتاب "صحيح البخاري". بل رفع دعوى قضائية تتهم شيخ الأزهر بالإهمال والمماطلة في حذف الأحاديث المدسوسة في الكتاب الذي يعتبره أهل السنة ثاني أصح كتاب بعد القرآن.
(إرفع صوتك) يحاور أحمد ماهر حول ما أثاره عن "صحيح البخاري"، و في قضايا أخرى من التراث خاصة ما يسمه بـ"فقه دماء".
لنبدأ بـ"آية السيف"، وهي الآية الخامسة من سورة التوبة: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد".
تُفسر هذه الآية في الكثير من كتب التفسير على أنها تؤصل للعلاقة بين المسلم وغير المسلم على أنها علاقة قتال في كل زمان ومكان؟
هذه الآية هي الخامسة، فلنبدأ من الآية الأولى لنرى ماذا تقول: "براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين". الأمر يتعلق بناس عاهدوا ونقضوا العهد، فأمرنا الله ألا نقاتلهم في الأشهر الحرم، فإذا انسلخت الأشهر الحرم نقاتلهم، لأنهم نقضوا العهود، وليس معناها أن كل الآيات الخاصة بالرحمة والتسامح الواردة في القرآن تم إلغاؤها بآية السيف. هذا مفهوم خاطئ ابتدعه الفقهاء مثل القول بالجزية على اليهودي والمسيحي. لا جزية على المسيحي واليهودي في القرآن، لكنهم يستخدمون آية في القرآن للقول بذلك.
ما دام أن القتال ليس هو الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم، فكيف يحدد القتال في القرآن؟
القتال في القرآن محدد بآية هي العمدة في الموضوع "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة". هذه الآية تعني أن هناك قتالا من المشركين أولا. الله سبحانه وتعالى تكلم عن القتال في موضع آخر وقال "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".
لا يمكن أن نأتي ونلغي هذه الآيات ونظهر القرآن بمظهر دموي غير حضاري. عندما نحكم على شيء يجب ألا نحكم عليه موضعيا، بل موضوعيا. وهنا فرق بينهما. فأن نلغي كل آيات الرحمة لنخرج بنظرة موضعية، هذا فكر غير موزون.
بعض الفقهاء يعتبرون أن آية السيف نَسخَت كل آيات الرحمة والصفح والموادعة وعدم الإكراه والتعايش مع المشركين، بل يقولون إنها نسخت أكثر من 124 آية في القرآن.
أولا لا يوجد في القرآن شيء اسمه ناسخ ومنسوخ، لكن هناك أحكاما شرعية ألغت أحكاما شرعية في الرسالات السابقة.
على سبيل المثال: كان الصيام أقسى وأصعب في التوراة، فخفف هذا في القرآن وجعل الصوم شهر واحدا في السنة.
كيف لا يوجد ناسخ ومنسوخ في القرآن؟ ألم ينسخ حديث "لا وصية لوارث" آية "الوصية للوالدين والأقربين"؟
أولا، يجب أن يكون معلوما أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع. أما أن نقول إن السنة القولية التي تمت لملمتها بعد مئات السنين من وفاة الرسول تكون ناسخة للقرآن فهذا "خبل" وفكر منحرف. لا يمكن أن ندحض الوحي السماوي من أجل مرويات أحيانا أحادية، وليست حتى متواترة.
لماذا لا ترى السنة مصدر ثانيا في التشريع في الإسلام؟
أتحدث عن السنة القولية. لا يمكن اعتبارها مصدر تشريع ثانيا للإسلام. السنة القولية لا يصح أن تكون سنة على الإطلاق لأن السنة هي العادة، السنة في اللغة تعني العادة..
عفوا، ولكن حتى السنة الفعلية نقلت إلينا، الأولى نقلت قولا والثانية نقلت فعلا.
السنة الفعلية تواتر على فعلها جماعة من الناس عن جماعة من الناس عبر القرون. هذه الجماعات كانت تتناقلها عمليا. مثلا عمرو بن العاص لما دخل مصر وبنى مسجده، صلى كما كان يصلي خلف رسول الله. على من يدعي خلاف ذلك أن يأتي بدليل، ويقول لنا أن عمرا ابتدع صلاة اسمها صلاة العصر أو صلاة الجمعة لم تكن في عهد النبي... لا نحتاج من السنة القولية إلا ما كان منها موافقا للقرآن وكل ما خالف القرآن يبقى مكذوبا.
وحكم السنة القولية هو أنها ظنية الثبوت ظنية الدلالة، ولا يمكن أبدا أن تقف في وجه ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
لننتقل إلى حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"، وهو تقريبا مرادف آية السيف في السنة.
ما المشكلة في هذا الحديث؟ أنت لا تراه صحيحا؟
لو كان هذا الحديث صحيحا، لكان رسول الله قاتل كل الناس، إنما كل قتاله كان دفاعيا. والدليل على أن التراث متلاعب به هو تسمية كل قتال اشترك فيه رسول الله بـ"الغزوة"، فهل كان رسول الله في بدر وأحد والخندق غازيا أم مغزيا!
جبلا بدر وأحد يقعان قرب المدينة، والخندق حفر حول المدينة. فالرسول كان مغزيا لا غازيا.
ماذا عن غزوة تبوك، ألم تكن في الشام عندما خرج الرسول لقتال الروم؟
هل تثق أنت بهذه المقولات وتلغي القرآن، وتجعل التراث في أعلى عليين؟ من أجل ماذا؟ من أجل مسخ صورة الرسول وصورة الإسلام. أنت بهذه الطريقة تمسخ صورة القرآن، بأن تنتقي منه الآيات التي تخدم غرضا معينا في ذهنك، وتعلي قيمة المرويات من أجل نفس الأهداف.
بالنسبة لكم أحاديث مثل "أمرت أن أقاتل الناس" و"بعثت بين يدي الساعة بالسيف" كلها مكذوبة، هل أضيفت إلى كتب الحديث، خاصة البخاري، لاحقا أم ما المشكلة؟
حديث "أمرت أن أقاتل الناس" في صحيح البخاري و"بعثت بين يدي الساعة بالسيف" في مسند أحمد بن حنبل. ولتعرف الدور المهترئ في جمع الأحاديث، حديث "بعثت بين يدي الساعة بالسيف" عُرض على البخاري ولم يقبله ولم يجزه، لكن أخرجه أحمد بن حنبل بعد مئة سنة.
حديث آخر مثلا، وهو حديث المهدي المنتظر، عرض على البخاري ومسلم ولم يجيزاه، لكن الحاكم في مستدركه أجازه. فهذا يدل على الخيبة التي نشأت بها الأحاديث النبوية.
ابن عباس روى 1660 حديثا، بينما في البخاري يقول هو نفسه " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين". فكيف بطفل عمره عشر سنوات حفظ هذا الكم من الأحاديث عن الرسول؟!
هل هي مباشرة عن ابن عباس عن الرسول، أم بينهما راو؟
مباشرة عن ابن عباس عن رسول الله. هنا أيضا مسألة أخرى، مبدأ عدالة الصحابي مخالف للقرآن. فكيف يكون أهل النار عدولا. في القرآن "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما".
ألم يقتل الصحابة بعضهم؟ أليس هناك 40 ألف قتيل في معارك صفين والجمل وغيرها؟ فكيف يكون كل الصحابة عدولا، والقرآن يقول "ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم".
كيف يكون كلهم عدولا والله يقول "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما؟".
هل تعتقد أن الأحاديث السابقة إذن دست على البخاري ومسلم وغيرهما من مدوني الحديث؟
لا توجد مخطوطة في العالم بخط يد البخاري. أقدم مخطوطة، وهي فقط جزء من صحيح البخاري، تعود إلى 105 سنة بعد وفاة البخاري. أنا طلبت من الأزهر أن يأتي بالمخطوطة التي على أساسها يعطي التصريح للمطابع بطبع البخاري، فجاؤوني بصورة مخطوطة -وليس مخطوطة أصلية- تعود إلى سنة 650 للهجرة، بينما البخاري توفي 256 هجرية، أي بعد 394 من وفاته.
هل بين وفاة البخاري وتاريخ أولى المخطوطات التي لدينا، يمكن أن يكون حدث الحذف والزيادة والتغيير في صحيح البخاري؟
طبعا. وأنا لا أبرئ البخاري نفسه. البخاري ولد سنة 195 للهجرة، وبينه وبين الرسول أربعة إلى خمسة أجيال كلهم ماتوا، فكيف يمكن التحقق من الحديث؟!
لنعد إلى المسائل المتعلقة بقضايا القتال، كيف ترى ما يطلق عليه فقهيا "جهاد الطلب" (المبادرة بغزو البلدان وطلب العدو)؟ انت تقول إن هناك "جهاد الدفاع" فقط.
يقول المولى عز وجل " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا. إن الله لا يحب المعتدين". هذا هو العمدة في القتال. لا يوجد جهاد الطلب في الإسلام. جهاد الطلب هذا بدعة أموية، وأنا أسمي الفقه الأموي فقها دمويا، أيام عصر التدوين في القرن الثالث والرابع الهجري.
أنت مصري، كيف وصل الصحابة إلى مصر وكيف دخل الإسلام إلى مصر لو لم يكن هناك جهاد طلب؟
قال الله عز وجل في القرآن الكريم "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم". هذه الآية نزلت طرية غضة على الصحابة، لكن عادت إليهم همجيتهم القرشية، حيث كانت قريش تعتمد الإغارة على القبائل المجاورة. فلما مات الرسول، عادت إليهم قرشيتهم وتوارى الإسلام، لذلك الحقبة المثالية في الإسلام ليست حقبة أبي بكر ولا عمر ولا غيرهم، بل حقبة حياة الرسول.
بمعنى أن كل ما يسمى "فتوحات" بعد وفاة الرسول لا علاقة له بالإسلام، وهو فقط "عنجهية قرشية" للبحث عن التوسع؟
نعم، والدليل أنه صاحب هذه الفتوحات وطء نساء، ودخول الدور والقصور وسرقها ونهبها، وبيع الناس في أسواق النخاسة. هذه الأمور كلها لم يأت بها دين سماوي. لا يوجد دين سماوي يقول بإعطاء المرأة المتزوجة للفاتحين وانفساخ كل عقود الزواج بمجرد دخولهم البلاد. فتذهب هذه الفتاة لهذا المقاتل وتلك الفتاة لذلك المقاتل ضمن توزيع الغنائم.
ألم يحدث هذا في العهد النبوي، ألم يتزوج النبي جويرية بنت الحارث وكانت في السبي (بعد غزوة بني المصطلق)؟
أنا أقول منذ البداية إن القرآن هو المصدر الرئيس للتشريع، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان قرآنا يمشي على الأرض. فأي شيء مخالف للقرآن معناه أن النبي لم يعمله. القرآن تكلم عن الغنائم وليس الأسلاب، وبينهما فرق. الغنائم هي عدة المقاتل من سيف ودرع وفرس والأسلاب هي النساء والأطفال والذهب مما لا علاقة بالقتال.
لكن جويرية بنت الحارث لم تكن مقاتلة؟
كل القصة مبنية أصلا على زيف. قصة جويرية وغيرها مبنية على سيف. لا أستطيع أن أعتمد أن الرسول خالف أمر الله في الغنائم، لينقض على أسلاب من البشر. الغنائم هي ما كان في ميدان القتال من عدة للمحارب، والله لم يتكلم عن أسلاب إنما عن الغنائم.
لكن واقعة الزواج هذه تاريخية معروفة؟
لا، ليست واقعة عملية. هذه واقعة تاريخية. كونها زوجته واقعة عملية، لكن السبب في أن تكون زوجته (وقوعها في الأسر بعد غزوة بني المصطلق) واقعة روائية.. القصص البعيد عن القصص القرآني، لا أعتمده.
لنتحدث عما يعرف بـ"التترس" وهو العذر الذي تعتمده الجماعات الإسلامية المسلحة لتبرير التفجيرات في البلدان الإسلامية وقتل مسلمين.
كل ما هو دماء وفقه كراهية ليس من الإسلام، بداية من "إذا رأيتم المشركين في الطرقات فاضطروهم إلى أضيقها"، وبأن تعلم دور غير المسلمين بعلامات حتى لا يمر السائل عليهم فيدعو لهم بخير، وأن تعلم المرأة المسيحية بزنار في رقبتها، وألا يوقر المسيحيون في مجلس فيه مسلم وألا يمشوا متجمعين بل فرادى، وأن يركبوا الحمير والبغال ولا يركبوا الخيل لأنها كريمة. كل هذا الكلام، بداية من فقه الكراهية الذي أتحدث عنه وحتى فقه القتل والتفجيرات، من فقه بني أمية.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659