غياب العدالة وتفشي الفقر والبطالة والتهميش عوامل يراها الباحث في الشؤون الاجتماعية أنها مغذية للسلوكيات المتطرفة/Shutterstock
غياب العدالة وتفشي الفقر والبطالة والتهميش عوامل يراها الباحث في الشؤون الاجتماعية أنها مغذية للسلوكيات المتطرفة/Shutterstock

المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

يتّخذ التطرف أشكالا وسياقات متعددة، يرتبط بعضها بالفكر الديني المتشدّد النابع من الإيمان المطلق بالنص الديني وعدم قبول نقضه، كما يتخذ أشكالا أخرى تبرز في سلوكيات الفرد في المجتمع، من قبيل الإقصاء والعنصرية وعدم قبول الآخر المختلف، حسب ما يرى باحثون مغاربة تحدثوا لموقع (إرفع صوتك).

منابع التطرف الديني

عبد الرحيم الحساني، باحث في الدراسات الإسلامية، يرى أن التطرف الديني نابع عن الانغلاق الذي ينهجه المنتمون لبعض المذاهب "الذين لا يؤمنون بإعمال العقل لنقد وتمحيص الفكر الديني الموروث". وهذا، برأيه، ما يولد نوعا من التعصب للفكرة وبالتالي سيادة التطرف والانغلاق.

ويضيف المتحدث لموقع (إرفع صوتك) أن أصحاب الفكر المتطرف لا يتوانون في الدفاع عن أفكارهم مهما كلفهم الثمن، وإن كانوا على يقين بأنها لم تعد صالحة في المجتمع. "تجدهم ينصبون أنفسهم قائمين بأمر الله في الأرض، ويعتبرون أن أفكارهم هي أساس الدين، وما دون ذلك هو باطل، وهذا هو منبع التطرف الأول".

ويضيف الباحث المغربي أن أصول الفكر المتطرف نابعة من عدم الإيمان بالاختلاف والتعصب للرأي الواحد. "وهذا ما تنهجه بعض المذاهب والجماعات الدينية المتشددة التي تقوم بنشر فكرها في السر والعلن. وهذا يضر الإسلام أكثر مما ينفعه، لأنه يظهر الجوانب المتشددة في الدين ويجعلها منهاجا لحياة الكثيرين".

ويردف المتحدث أن التفرقة الطائفية والمذهبية في صفوف المسلمين، وتحريم نقض النص الديني وتقديس الموروث "الذي أصبح متجاوزا، ناهيك عن الإيمان بالخرافات الوهمية المتعلقة بإقامة الخلافة ومحاربة الآخر واعتباره عدوا.. كلها عوامل تصب في تقوية التطرف، وتضفي الشرعية على جرائم التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة، التي تتخذ من الدين وتأويلاته المخالفة لمقاصده السمحة، منهجا للقيام بأفعال هدفها سفك الدماء وترهيب الآمنين".

ظروف اجتماعية

وإذا كان التطرف الديني نابع من تقشي ثقافة الإقصاء والانغلاق، فإن أشكال التطرف الأخرى المتفشية في المجتمع لا تقل خطورة عن الأول، كونهما منبعا الخطر الذي يحدق بالمجتمع ويهدده، حسب تعبير الباحث الاجتماعي محمد الفاطمي لموقع (إرفع صوتك).

ويذهب الفاطمي إلى اعتبار الظروف الاجتماعية القاسية التي تعاني منها البلاد العربية وضمنها المغرب، أنتجت أجيالا متطرفة، ليس بالضرورة دينيا، وإنما سلوكيا، "حيث معدلات الجريمة في ارتفاع، ناهيك عن مظاهر العنصرية والكراهية المتفشية بين أبناء المجتمع الواحد".

ضعف التربية التي تتولاها الأسرة والمدرسة، غياب العدالة وتفشي الفقر والبطالة والتهميش.. عوامل يراها الباحث في الشؤون الاجتماعية أنها مغذية للسلوكيات المتطرفة، يقوم بها الأشخاص كرد فعل تلقائي ظنا منهم أنها صواب لأخذ حقوقهم الضائعة.

حلول واقعية

لا يحارب الفكر إلا الفكر، والتطرف لا تكون مقاومته إلا بإظهار حقيقته المبنية على معاداة القيم والمبادئ الإنسانية، يقول الحساني، في حديثه لموقع (إرفع صوتك) عن مواجهة ظاهرة التطرف الديني التي أًصبحت تغزو المجتمعات العربية والإسلامية.

ويقترح المتحدث حلولا واقعية يراها ضرورية للوقوف أمام انتشار التطرف الديني، كالمراجعة الجذرية للمناهج الدراسية وليس الاكتفاء بتغيير الشكل بينما يبقى نفس المضمون الذي لا يفيد في شيء، إضافة إلى وضع اليد على ما تلقنه مدارس التعليم العتيق من معارف لا تتماشى ومتطلبات العصر، ناهيك عن مراقبة مضامين الخطاب الديني في المساجد ووسائل الإعلام.

فيما يرى الفاطمي أن فصل الدين عن السياسة وتعميم التعليم في صفوف الأميين ومنح الفرصة للشباب اليائس للمشاركة في تدبير السياسات العمومية وإيجاد فرص تشغيل من بين أهم ما يجب على الدولة القيام به لدرء مخاطر التطرف.

وانتقد الباحث الاجتماعي وسائل الإعلام في العالم العربي والإسلامي التي "ما زالت غارقة في التقليد والكلاسيكية عوض الانفتاح على مختلف شرائح المجتمع، وتقديم منتوج إعلامي هادف يشجع على القيم الإنسانية، ويساهم في تغيير الفكر والسلوكيات المتطرفة".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".