"العرب أفضل من سائر الأمم".
هل تصدمك هذه الجملة كمقولة عنصرية؟
حسنا، هذه جملة عليها شبه إجماع لدى الفقهاء القدامى!
بل إن هناك من يدعي توافر "الإجماع" الكامل. "اتفق أهل السنة والجماعة على أفضلية العروبة على غيرها من الأعراق والأنساب"، يقول الداعية السوري محمد صالح المنجد في فتوى له.
صحيح أن ميزان التفاضل في الإسلام هو "التقوى"، لكن هذه المفاضلة، حسب الفقهاء، مفاضلة بين الأفراد. أما "تفضيل العروبة فهو تفضيل جنس"، يؤكد المنجد على موقعه الرسمي، الإسلام سؤال وجواب، أحد أكثر مواقع الفتاوى شهرة على الإنترنت.
اختيار الله؟
"تفضيل العروبة إنما هو اختيار من الله تعالى"، يجزم الداعية السوري المعتقل في السعودية.
أما السبب الذي جعل الله "يختار العرب" فغير معروف. قد "تظهر حكمته جلية، وقد لا تكون ظاهرة"، حسب المنجد.
ما أفتى به الداعية السوري، حول فضل العرب، في فتواه المنشورة قبل سنوات قليلة ألف فيه الفقهاء المسلمون منذ القرن الثالث الهجري كتبا بكاملها.
كتب ابن قتيبة "فضل العرب والتنبيه على علومها"، وكتب الحافظ العراقي "محجة القرب في فضل العرب".
ويقول تقي الدين بن تيمية (القرن السابع) بالحرف "الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم، وسريانيهم، رومهم، وفرسهم".
تفضيل العرب، حسب ان تيمية، لا يعود إلى كون النبي محمد منهم فحسب، "بل هم في أنفسهم أفضل" يقول.
وتنتشر على موقع يوتيوب عشرات الفتاوى والمحاضرات في "فضل العرب". يقول عضو هيئة كبار العلماء في السعودية سابقا الشيخ ابن عثيمين (توفي سنة 2011) "جنس العرب أفضل من جنس العجم، لا شك".
أما الرافضون لأفضلية العرب، حسب الفقهاء، فهم "شعوبية" و"أرذال موالي". يقول ابن تيمية "وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم. وهؤلاء يسمون الشعوبية.. والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق، إما في الاعتقاد وإما في العمل".
أحاديث ضعيفة؟
يستند القائلون بفضل العرب على أحاديث متعددة. الكثير منها إما وصف بالضعيف أو أنه يمدح العرب دون أن يعقد مقارنة مع غيرهم، مثل "حب العرب إيمان وبغضهم نفاق"، أو "إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، ثم خير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم خير البيوت فجعلني في خير بيوتهم".
وحاول بعض الفقهاء، مثل ابن تيمية، تبرير أفضلية العرب عقليا. قال في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": "سبب هذا الفضل.. ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم".
وأورد ابن تيمية ما "اختص به العرب" من "قوة العقل"، و"قوة المنطق". وأكد أن "العرب أفهم من غيرهم، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة، ولسانهم أتم الألسنة بيانا".
ينضاف إلى هذا أن "غرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة".
التبريرات نفسها قدمها الفقيه الحنبلي مرعي الكرمي، في كتابه "مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب": "فضل العرب، ثبت بالتواتر المحسوس المشاهد أن العرب أكثر الناس سخاء وكرما، وشجاعة ومروءة، وشهامة، وبلاغة وفصاحة، ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزا".
عنصرية مغلفة؟
"كل ما نسب إلى الرسول حول تفضيل العرب على غيرهم من الأقوام لم تثبث صحته. والأحاديث التي قيلت في هذا الشأن ضعيفة. وبالتالي لا يعتد بها"، يقول عبد الحفيظ السليماني، الباحث المغربي في التاريخ ومقارنة الأديان.
ويشدد أن الإسلام "جعل مبدأ التفاضل بالتقوى وليس بالجنس أو العرق".
بالنسبة للسليماني، "إذا سلمنا بهذه المفاضلة التي ألفت فيها كتب وجمعت فيها الأحاديث والدلائل فسنكون أمام تمييز عنصري على أساس العرق والدين، وهو ما نهى عنه الإسلام ورسوله".
وبدوره، يرى عبد اللطيف شنوف، الباحث في الدراسات الإسلامية، أن ما يسمى فضلا للعرب على العجم في التراث الإسلامي يعبر عن عنصرية مغلفة بغطاء ديني.
ويؤكد أن جميع الأحاديث التي زعم أنها فضلت العرب وقريش سندها ضعيف، ولا يعتد بها في الكتب الصحيحة.