تطرف

كيف دمّر 11 سبتمبر القاعدة؟

خالد الغالي
11 سبتمبر 2019

"يؤخذ على من خطط لعملية 11 سبتمبر أنه لم يقرأ التاريخ الأميركي". اعتراف صريح من أحد قادة الحركات الجهادية في الشرق الأوسط. يتعلق بأبي الفتح الفرغلي، الذي يقدم في المواقع الإخبارية على أنه "المفتي الشرعي" لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا).

يشير الفرغلي بالذات إلى الرد الأميركي، خلال الحرب العالمية الثانية، عقب مهاجمة القوات الأميركية في ميناء بيرل هاربر (جزر هاواي) من قبل سلاح الجو الياباني.

من معقله في إدلب بسوريا، ينشر الفرغلي، وهو جهادي مصري اسمه يحيى طاهر، هذه الأيام، سلسلة فيديوهات (19 حلقة لحد الساعة) عن تاريخ الحركة الجهادية من الإخوان المسلمين وحتى "الجهاد الشامي" كما يسميه.

في الحلقة الأخيرة، قال عضو الجماعة الإسلامية المصرية السابق، إن القاعدة فشلت في تحقيق غرضها من هجمات سبتمبر.

" كانت الفكرة أن تقوم القاعدة باستفزاز أميركا.. فيكون نتيجة هذا أن يحشد باقي أهل السنة وراء القاعدة.. لكن الأمر لم يسر بهذه الطريقة"، على العكس "تم تحشيد الدول الإسلامية ضد القاعدة"، يقول الفرغلي. وهو لا يخفي إعجابه بالعمليات.

في الواقع، صاحبت مثل هذه الانتقادات الصادرة من داخل الصف الجهادي اعتداءات 11 سبتمبر منذ بدايتها، واتهم منظرون جهاديون القاعدة بأنها أدخلت الحركة الجهادية "أخدود المحنة"، بل إن القاعدة نفسها عاشت خلافات حادة بين قادتها في الأشهر القليلة التي سبقت العملية.

يرصد هذا المقال الخلافات داخل مجلس شورى القاعدة حول هجمات سبتمبر، ثم انعكاساتها على الحركة الجهادية والانتقادات الشديدة التي وجهها منظرون جهاديون معروفين للقاعدة بسبب هذه الانعكاسات.

لا عبرة برأي الملا عمر

عندما وقعت اعتداءات 11 سبتمبر كانت القاعدة في ضيافة حركة طالبان التي أعلنت منذ 1996 إمارة أفغانستان الإسلامية. لذا كان الملا عمر، زعيم الحركة، على قائمة المعترضين.

" توجد قرائن على أن الملا عمر عارض في البداية عملية كبرى لتنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة مباشرة في عام 2001"، يقول تقرير لجنة التحقيق الأميركية في هجمات 11 سبتمبر التي أسسها الكونغرس.

كانت مخاوف الملا عمر في محلها، فقد اختفت إمارته من الوجود بعد ثلاث أشهر فقط عقب الهجمات.

في الواقع، كان للقاعدة حينها ورقة ضغط قوية أجبرت الملا عمر على الرضوخ. كانت طالبان في حاجة إلى الدعم العسكري للقاعدة في الحملة الواسعة المنتظرة على تحالف الشمال.

في ذلك الصيف، كانت القاعدة تحضر أيضا لاغتيال زعيم تحالف الشمال أحمد شاه مسعود.

يقول تقرير لجنة التحقيق الأميركية إن خالد الشيخ محمد، الموجود رهن الاعتقال في غوانتانامو، يتذكر أن محمد عاطف (أبو حفص المصري) أخبره "أن القاعدة كان لديها اتفاق مع طالبان لاغتيال مسعود، تقوم على إثره الحركة بحملتها للسيطرة على باقي أفغانستان. وكان عاطف يأمل أن يؤدي موت مسعود إلى تهدئه طالبان عندما تحدث هجمات 11 سبتمبر".

وفعلا، اغتيل الزعيم الطاجكي أحمد شاه مسعود يوم 9 سبتمبر 2001، أي يومين فقط قبل اعتداءات نيويورك.

بعد وقوع الهجمات، رفض الملا عمر الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بتسليم قادة القاعدة وإغلاق مقراتها، ما مهد للاجتياح الأميركي وإسقاط طالبان في منتصف ديسمبر 2001.

خلافات مجلس الشورى

انقسم مجلس شورى القاعدة إلى فريقين خلال التحضير للهجمات. اصطف إلى جانب بن لادن كل من خالد الشيخ محمد العقل المدبر للعمليات، أبو حفص المصري (المسؤول العسكري)، وسيلمان أبو غيث (صهر بن لادن ومتحدث باسم القاعدة). فيما وقف ضده من قادة القاعدة أبو حفص الموريتاني (المسؤول الشرعي)، الشيخ سعيد المصري (المسؤول المالي)، وسيف العدل (المسؤول الأمني).

اعتراض أبي حفص الموريتاني، واسمه محفوظ ولد السالك، بالذات كان فريدا من نوعه، خاصة أنه المسؤول الشرعي للتنظيم. وهو رفيق قديم لبن لادن منذ مرحلة السودان (1990-1996).

أعد أبو حفص "ردا شرعيا" مكتوبا ضد الهجمات وسلمه لأسامة بن لادن. كان الرد يقوم على مناقشة النظرة الفقهية للتأشيرة (الفيزا) التي دخل بها منفذو الاعتداءات التسعة عشر إلى أميركا.

"الذين يدخلون مثلا إلى الولايات المتحدة الأميركية بتأشيرات دخول.. نحن وجدنا من الناحية الفقهية أن هذه التأشيرة بمثابة أمان ومن أمنه العدو فالعدو منه في أمان كما هو معروف في الفقه الإسلامي. فلا يجوز له الإخلال بمقتضيات هذا الأمان"، يقول أبو حفص في حوار تلفزيوني سنة 2012.

احتج أبو حفص أيضا بمعارضة طالبان للعملية وقدم قدرة القاعدة على تحمل "ردة فعل على عمل كهذا". وهي الاعتراضات التي أبداها سعيد المصري أيضا.

ضرب بن لادن بالاعتراضات عرض الحائط. "رغم معارضة أغلب أعضاء مجلس الشورى، أصر بن لادن وسارت الهجمات قدما"، يقول تقرير لجنة الكونغرس.

قدم أبو حفص الموريتاني استقالته لبن لادن في آخر لقاء بينهما أسابيع قليلة قبل الأحداث، لكنه يعترف أنه تعهد بأن يبقي كل شيء سريا حتى تتم العملية.

"إذا اقتنع (أسامة بن لادن) في أمر وصمم عليه لو اجتمع الثقلان على أن يُثنوه عنه لما أفلحوا في ذلك، فالشيخ أسامة قرر أن تتم الأعمال كما هي والأحداث كما هي"، يقول الموريتاني.

بعد سقوط طالبان، لجأ أبو حفص إلى إيران رفقة عدد من قادة القاعدة وظل فيها حتى ترحيله إلى بلاده سنة 2012. وهو يعش الآن في موريتانيا.

أبو الفتح الفرغلي يتحدث عن مجموعة أخرى عارضت هجمات 11 سبتمبر خلال مرحلة الإعداد، ويطلق عليها اسم "الضباط المصريين". يتعلق الأمر بمجموعة من الضباط السابقين في الجيش المصري المنتمين إلى تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية والذين التحقوا بساحة "الجهادي الأفغاني" في الثمانينات وساعدوا المجاهدين الأفغان في استعمال الدبابات سنة 1986.

حسب الفرغلي، هؤلاء الضباط، الذين لم يكشف عن أسمائهم، هم من اقترح على بن لادن تأسيس تنظيم القاعدة (1988)، وهم من اقترح عليه دخول الحرب في الصومال صد القوات الأميركية (1993). لكنهم عارضوا هجمات 11 سبتمبر.

أخدود المحنة

دخلت الحركة الجهادية بعد اعتداءات 11 سبتمبر "أخدود المحنة" بتعبير أبي مصعب السوري، وهو منظر جهادي معروف كان على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة.

تسببت اعتداءات 11 سبتمبر في مقتل قرابة 3000 شخص، وفي خسائر مادية مباشرة تجاوزت 55 مليار دولار. لكن فرحة القاعدة لم تدم طويلا.

في الواقع، ورغم المخاوف التي أبداها عدد من أعضاء مجلس الشورى، لم تتوقع القاعدة حجم الرد الأميركي.

في إحدى الرسائل التي وجدت في مخبأ أسامة بن لادن في أبوت أباد، يقول قيادي في القاعدة: "كانت مضاعفات واستتباعات ضربات الحادي عشر من سبتمبر كبيرة جدا، وربما فوق تصور الكثيرين".

وحسب هذا القيادي، الذي لم يرد اسمه في الرسالة، أقصى ما كان يتوقعه مع رفاقه هو "ضربات أميركية صاروخية وجوية محدودة" (كما حدث عقب تفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام سنة 1998).

في جو الغموض، لم يكن أحد يعرف كيف كان أسامة بن لادن يفكر بالضبط. يقول القيادي في القاعدة "...حتى إني سألت رجلا من أخص أصحابه ممن رافقوه إلى نهاية تورا بورا حتى انفصلوا عنه فيما بعد، فقال لي: لم يكن الشيخ يتحدث في الأمر".

على كل حال، "كان الرد الأميركي كبيرا جدا فوق تصور القاعدة" (رسالة القيادي المجهول). وبالنسبة لأبي مصعب السوري، واسمه مصطفى ست مريم نصار، كانت أحداث سبتمبر "نهاية مأسوية" للتيار الجهادي الذي افتتح "الألفية الثالثة بمذبحة مروعة وأخدود عظيم التهم معظم كوادره وقياداته وأكثر قواعده".

كان السوري موجودا في أفغانستان عند وقوع الهجمات، وقد أسس للتو معسكرا مرتبطا مباشرة بالملا عمر الذي بايعه في أبريل 2001 (خمسة أشهر قبل العمليات)، وكان يعمل مع مجموعته (مجموعة معسكر الغرباء) من خلال وزارة الدفاع في طالبان. لذا، يعتبر أن الهجمات أخذ التيار الجهادي على حين غفلة.

حاليا، يوجد أبو مصعب السوري في السجون السورية، بعد أن تسلمته بلاده من الولايات المتحدة. وكان اعتقل في باكستان سنة 2005.

أكثر من هذا، أطاح الاجتياح الأميركي بإمارة طالبان في أفغانستان التي شكلت الملاذ الأخير للعديد من الجماعات الجهادية، وقتل المئات من كوادرها في معركة الدفاع عن الإمارة.

أحس الجهاديون أيضا بأن الهجمات شوهتهم. "أصبحنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقدم في وسائل الإعلام على أننا نمثل الأزمة التي يتصدى لها كل العالم"، يقول أبو الفتح الفرغلي.

بالنسبة لأبي مصعب السوري، أحسن أسامة بن لادن "صناعة صاعق الانفجار"، لكن فشل في قيادة العالم الإسلامي لمواجهة أميركا.

 

 

خالد الغالي

مواضيع ذات صلة:

صورة أرشيفية لعنصر أمن عراقي
صورة أرشيفية لعنصر أمن عراقي

أثارت أنباء نشرتها وسائل إعلام محلية وناشطين في العراق حول "مقتل" المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، وصانع المحتوى، نور محمد، جدلا في البلاد، فيما لم تؤكد السلطات الأمنية العراقية بعد الحادث بشكل رسمي.

وكان حياة نور، الشهير بـ"نور بي أم" مثير للجدل بسبب الفيديوهات التي كان ينشرها، على الرغم من أن العراق يعتبر من البلدان المحافظة – والخطرة – بشكل كبير.

ونقل مراسل "الحرة" عن مصدر أمني لم يذكر اسمه أن نور "قتل على يد مسلح يستقل دراجة نارية" أطلق عليه النار في حي الداوودي ضمن منطقة المنصور الراقية غربي العاصمة بغداد حيث فارق الحياة على الفور.

وتظهر تسجيلات منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ما يعتقد أنه "حادثة الإغتيال"، لكن موقع "الحرة" لم يتمكن من التأكد من الفيديوهات بشكل مستقل.

ويظهر أحد تلك التسجيلات ما يبدو عملية منسقة اشترك فيها ما لا يقل عن اثنين من سائقي الدراجات، بدا أن أحدهم متنكر بزي عامل توصيل مطعم.

ونقلت وكالة السومرية نيوز المحلية عن مصادرها الأمنية قولها إن نور "قتل بثلاث رصاصات اخترقت جسده".

من هو نور بي أم؟

وفقا للمصادر الأمنية، يبلغ نور من العمر نحو 23 عاما، لكنه يثير الجدل منذ أعوام عد بتصويره فيديوهات يضع فيها المكياج والشعر المستعار، وأحيانا ملابس نسائية.

ومؤخرا، ظهر نور في لقاء على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه إنه "أفضل من ألف امرأة"، لكنه قال في آخر سابق إن "جنسه ذكر".

وأثارت فيديوهات نور خلال حياته الانقسام بشكل كبير، كما أن صوره التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تظهره وهو يتردد على النوادي الليلية بشكل مستمر سواء في بغداد أو في إقليم كردستان.

ومع أن الكثيرين انتقدوا نمط حياته، إلا أن اغتياله الدموي أثار موجة من الصدمة في البلاد.

وانتقد عراقيون استهداف الأبرياء بهذه الطريقة الدموية، بينما حذر آخرون من "فوضى أمنية".

ويشهد العراق باستمرار مقتل ناشطين ومدونين وخبراء أمنيين، وأحيانا مقتل مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي أو استهدافهم قضائيا.

وأتى مقتل نور قبل أيام فقط من الذكرى السنوية الخامسة لمقتل الفنانة والبلوغر العراقية الشهيرة تارة فارس، والتي قتلت بطريقة مشابهة لمقتل نور، على يد سائق دراجة نارية.