يصنف تعميم "الدعاء على اليهود والنصارى" فقهيا على أنه نوع من "الاعتداء في الدعاء"
رغم كثرة الفصائل الجهادية، لم تسجل عمليات نوعية ضد إسرائيل نفذها داعش أو خلايا مرتبطة به.

بعد ثلاثة أشهر عن مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي، أعلن تنظيم داعش بدء "مرحلة جديدة" في تاريخه، عنوانها الرئيسي استهداف إسرائيل.

كُشِف عن هذا التحول الجديد في تسجيل صوتي من 37 دقيقة للمتحدث باسم التنظيم أبي حمزة القرشي، قال فيه إن زعيم داعش الجديد أبا إبراهيم الهاشمي القرشي "عزم على مرحلة جديدة.. ألا وهي قتال اليهود واسترداد ما سلبوه من المسلمين".

وتزامن التسجيل مع إطلاق الولايات المتحدة لخطتها للسلام في الشرق الأوسط. وهي الخطة التي تعهد أبو حمزة القرشي بإفشالها، مهددا بهجمات كبيرة "في قادم الأيام".

وخص القرشي بالذكر فرعي داعش في سيناء (ولاية سيناء) وسوريا (ولاية الشام) بالذكر. ودعاهما إلى قصف إسرائيل بأسلحتهما وصواريخهما، بما فيها "الكيماوية".

لكن، هل يبدو تنظيم داعش فعلا قادرا على تهديد أمن إسرائيل؟ وهل يمتلك القدرة لتنفيذ عمليات في قلب الدولة العبرية؟ وما هي أدواته في المنطقة، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها؟

العدو القريب والبعيد.. مرة أخرى!

شهدت الساحة الفلسطينية، خلال السنوات الأخيرة، ظهور فصائل جهادية متعددة: جيش الإسلام، لواء التوحيد والجهاد، جيش الأمة، كتائب سيوف الحق، جند الله، الجبهة الإسلامية لتحرير فلسطين، جيش القدس الإسلامي، فتح الإسلام، عصبة الأنصار. إلخ.

وفي الوقت الذي لم يتم التحقق ميدانيا من بعض هذه الفصائل، كان للبعض الآخر، خاصة جيش الإسلام ولواء التوحيد والجهاد، حضور واضح. بل إن الأخيرين بايعا داعش سنة 2015.

على أنه رغم تعدد الفصائل الجهادية، لم تسجل عمليات تستحق الذكر داخل الأراضي الفلسطينية أو إسرائيل نفذها تنظيم داعش أو خلايا مرتبطة به.

وظل الأمر في غالب الأحيان محصورا في إعلان إسرائيل أو السلطة الفلسطينية اعتقال خلايا لداعش قبل تنفيذها أية عملية، مثلما حدث عندما كشف جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي توقيف خلية لداعش في مدينة الخليل بالضفة الغربية في نوفمبر 2014، أو إحباط السلطة الفلسطينية لهجوم داخل إسرائيل كانت تخطط له فتاة من الضفة بالتواصل مع عناصر من "داعش" قطاع غزة.

ويبقى أقوى حضور لداعش داخل الأراضي الفلسطينية هو خروج نحو 200 شاب من مؤيدي التنظيم في مسيرة علنية في غزة بداية سنة 2014، ثم العملية الانتحارية التي أودت بثلاثة عناصر من الشرطة الفلسطينية التابعة لحماس في القطاع في صيف سنة 2019.

كل هذا يدفع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة بغزة، والمتتبع لشؤون الجماعات الجهادية في فلسطين، عدنان أبو عامر إلى الاعتقاد بأنه "من الصعب لا في إسرائيل ولا في المنطقة العربية أن يتم أخذ تهديد داعش الأخير باستهداف إسرائيل على محمل الجد".

"داعش كانت لسنوات على حدود إسرائيل في منطقة الجولان وفي سيناء. ولم تستهدف إسرائيل إلا في مرات متباعدة جدا وفي عمليات متواضعة"، يقول أبو عامر. ويشدد أيضا أن وضع داعش الحالي يجعلها أضعف من أن تنفذ عمليات مؤثرة.

وكان نادرا قصفُ التنظيم، في أبريل ثم أكتوبر 2017، انطلاقا من سيناء لمستوطنة أشكول المحاذية لقطاع غزة، وكذلك قصف مدينة إيلات الإسرائيلية في فبراير من العام نفسه.

src=

وبدوره، يؤكد الباحث الأردني حسن أبو هنية أن احتمال شن داعش لعمليات عسكرية نوعية ضد إسرائيل يبقى ضعيفا، خاصة "أن إسرائيل لديها خبرة طويلة في التعاطي مع التهديدات الأمينة راكمتها من التعامل مع المقاومة الفلسطينية سواء الإسلامية أو الوطنية".

لكن مؤلف كتاب "تنظيم الدولة الإسلامية: الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية" يشدد مع ذلك أن دعوة داعش الأخيرة ليس مجانية، بل على العكس ملفتة.

"أهم من القيام بعمل عسكري هو هذا التحول في الخطاب. انتقل داعش من العدو القريب إلى العدو البعيد"، يقول.

وتُطلق تسمية "العدو القريب" في أدبيات الحركات الجهادية على الأنظمة المحلية في الدول العربية والإسلامية. وهو خيار المواجهة الذي يتبناه حاليا تنظيم داعش وقبله تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية المصرية. أما "العدو البعيد" فهو أساسا الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، وهو خيار المواجهة لدى تنظيم القاعدة.

لكن منير أديب الباحث المصري في شؤون الحركات الجهادية يعتبر أن التحول إلى العدو البعيد، إن حصل فعلا، فلن يعدو أن يكون مؤقتا. "في الأخير، لن يحيد داعش عن استراتيجية مواجهة الأنظمة العربية"، يقول.

وحسب الباحث المصري، فإن إعلان داعش الأخير هو في الحقيقة محاولة لاستغلال الرفض الشعبي في الدول العربية لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط.

"داعش يحاول أن يحيي تنظيمه من جديد باستغلال سلوك الولايات المتحدة المنحاز لإسرائيل في صفقة القرن، وذلك عبر تبني خطاب يحقق إجماعا عربيا وإسلاميا"، يقول منير أديب.

وبغض النظر عما إذا ما كان رفع شعار الحرب على إسرائيل مؤقتا أو دائما، يقول جاسم محمد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب إنه "يبقى في مثل هذا التوقيت بالذات وبالتزامن مع إعلان صفقة القرن خطوة ذكية في ظل التراجع الذي يعرفه التنظيم".

ويجمع هؤلاء الباحثون على أن تنظيم داعش غير قادر فعليا على مهاجمة إسرائيل، ولا يمتلك القدرة لتنفيذ عمليات عسكرية.

داعش داخل فلسطين؟

تنفي الشرطة الإسرائيلية وجود تنظيم فعلي وحتى خلايا نشطة لداعش داخل إسرائيل. وفي الضفة الغربية، تنفي الأجهزة الأمنية الفلسطينية ذلك أيضا.

أما في قطاع غزة، فحاول داعش أن يقيم بعض الخلايا هناك مستفيدا من وجود تنظيمات سلفية صغيرة على الأرض، مثل جيش الإسلام الذي ينشط في القطاع منذ 2006 والذي أعلن بيعته لداعش في 2015، وبعض بقايا تنظيم "أنصار جند الله".

وجيش الإسلام تنظيم جهادي فسلطيني يقوده ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني يدعى ممتاز دغمش.

في نوفمبر الماضي أصدر جيش الإسلام بيانا ينعى فيه زعيم داعش أبا بكر البغدادي

شارك جيش الإسلام قبل القطيعة مع حماس في عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط سنة 2006. لكن تورطه في اختطاف مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) آلان جونسون في غزة سنة 2007 زرع فتيل التوتر بينه وبين حماس التي استطاعت تحرير الصحافي الأسكتلندي بعد أشهر من اختطافه. وفي سنة 2008، تحول التوتر بين الطرفين إلى مواجهات مسلحة قتل خلالها 11 عضوا من مؤيدي ممتاز دغمش.

واستفاد داعش أيضا من بقايا تنظيم "جند أنصار الله" الذي أسسه أبو النور المقدسي، وهو طبيب فلسطيني سلفي اسمه عبد اللطيف موسى. أعلن التنظيم سنة 2009 قيام "إمارة إسلامية" انطلاقا من مسجد ابن تيمية بمدينة رفح، لتندلع معركة بين مؤيديه ومقاتلي حركة حماس بمقتل المقدسي المرتبط بالقاعدة حينها مع 24 آخرين من أنصاره. وبعد تشتت التنظيم، بايع أفراد منه داعش.

أبو النور المقدسي على منبر الجمعة في مسجد ابن تيمية في مدينة رفح حيث أعلن مع أنصاره قيام "إمارة إسلامية".

أخذت هذه التنظيمات على حماس مشاركتها في انتخابات سنة 2006 والقبول بالنظام الديمقراطي الذي تعتبره التنظيمات الجهادية "نظاما كفريا".

لكن عدنان أبو عامر يقول إن هذه التنظيمات، رغم إعلان بعضها بيعة داعش، لم يعد لها وجود حقيقي اليوم. "هذه المسميات لم تعد قائمة في قطاع غزة. كانت في فترات بين 2007 و2010، لكن منذ سنوات قليلة لم تعد هذه المسميات قائمة بشكل تنظيمي. استطاعت حماس تحجيمها".

وحتى في حالة وجودها فإنها "لن تكون سوى مجموعات متناثرة دون أن تتوفر على أجسام تنظيمية وتشكيلات هرمية"، يؤكد الباحث الفلسطيني.

الصورة الوحيدة تقريبا المتدولة على الإنترنت لممتاز دغمش زعيم "جيش الإسلام".

وشددت حماس من ملاحقتها الأمنية لهذه التنظيمات أكثر بعد تفجيرات أغسطس 2019 التي استهدفت عناصر من الشرطة الفلسطينية التابعة لحماس في قطاع غزة وأودت بحياة ثلاثة عناصر منها.

لذلك، يعتبر أبو عامر أنه في ظل السيطرة الأمنية القوية لحماس "من الصعب الحديث عن خلايا نائمة لداعش في القطاع، إلا في حالة أفراد متناثرين بشكل استثنائي. وفي هذه الحالة لا يستطيعون تشكيل تهديد حقيقي لإسرائيل".

ولا يتردد تنظيم داعش في تكفير حركة حماس (أعلن ذلك رسميا منتصف سنة 2015). وهو ما أكده المتحدث باسم داعش في شريطه الأخير واصفا الحركة بـ"حماس الردة والعمالة".

وسبق لداعش في سيناء أن نشر، بداية 2018، شريط فيديو يظهر إعدام أحد عناصر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس. ونفذ عملية الإعدام مقاتل سابق في الحركة.

وفي سوريا أيضا، شهد مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على أطراف دمشق إحدى حلقات الصراع بين داعش وحماس، حيث قام التنظيم في أبريل 2015 بالقضاء على فصيل "أكناف بيت المقدس" المؤيد لحماس والذي كان يسيطر على المخيم قبل اقتحامه من داعش.

سيناء.. مركز تهديد؟

ظلت إسرائيل طوال السنوات الماضية تتهم حماس بالتعاون مع فرع تنظيم داعش في سيناء. وفي يوليو 2015، قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون إن حماس تحارب داعش في القطاع لكنها تتعاون معه في سيناء. وهي الاتهامات التي تنفيها حماس بشدة. 

وتزعم تقارير صحافية إسرائيلية أيضا أن حماس استقبلت في 2015 زعيم تنظيم "داعش" في سيناء شادي المنيعي في قطاع غزة سرا.

ففي مقال على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يقول إيهود يعاري المعلق الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية على القناة الإسرائيلية الثانية إن التعاون بين حماس وداعش يتم "تحت إدارة عدد قليل من القادة رفيعي المستوى في كتائب عز الدين القسام كمبادرة شبه مستقلة، من دون الحصول على موافقة مسبقة من زعيم حماس (حينها) خالد مشعل في قطر أو حتى من نائبه إسماعيل هنية في غزة".

ويشير مقال آخر على موقع كارنيغي إلى أن "حماس لا تحبّذ المجموعات الجهادية في سيناء.. إلا أن تأمين الحماية للقياديين في محافظة سيناء، أو على الأقل الموافقة على وجودهم في غزة، يسمح لأجهزة الاستخبارات التابعة لحركة حماس بأن تكون على علم بأماكن تواجدهم في حال حدوث متاعب".

لكن هذه العلاقات، إن صحت، من الصعب أن تبقى متواصلة اليوم في ظل العداوة الشديدة بين الطرفين وعمليات الاستهداف المتبادلة (إعدام عنصر القسام في سيناء، العمليات الانتحارية ضد شرطة حماس، حملة حماس ضد مؤيدي داعش في غزة).

ويُصَعِّب الوضع الجديد مهمة أي استهداف لإسرائيل انطلاقا من سيناء يقف خلفه تنظيم داعش، خاصة مع التحسن الملفت في العلاقة بين حماس ومصر.

"منذ سنة 2017 هناك حالة من التنسيق الأمني المصري الحمساوي عالي المستوى، سواء في تبادل المعلومات الأمنية أو في ضبط الحدود المشتركة بين سيناء وغزة، أو منع تسلسل أي من عناصر داعش للقطاع أو العكس"، يقول عدنان أبو عامر.

أما عن دعوة أبي حمزة القرشي "ولاية" داعش في سيناء إلى قصف إسرائيل بـ"الصواريخ الكيماوية"، فيقول المحلل المصري منير أديب: "هذه مبالغة.. هم لا يمتلكون صواريخ ولا أسلحة كيماوية".

ويؤكد محمد جاسم رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بدوره أن العمليات العسكرية للجيش المصري في صحراء سيناء خلال السنوات الثلاثة الأخيرة مكنت من القضاء على الكثير من ملاذات داعش.

ويبقى أقصى تهديد لداعش لإسرائيل انطلاقا من سيناء، حسب عدنان أبو عامر، هو استهداف مدينة إيلات على البحر الأحمر في أقصى جنوب إسرائيل. لكن هذا الخطر يبقى محدودا.

سوريا.. داعش بدون "خالد بن الوليد"

فقد تنظيم داعش في سوريا قبل عامين أي وجود له بمحاذاة الحدود الإسرائيلية. ففي صيف سنة 2018، أحكمت القوات الحكومية السورية سيطرتها على منطقة حوض نهر اليرموك بريف درعا على الحدود مع إسرائيل والأردن والتي كان يسيطر عليها جيش خالد بن الوليد المبايع لداعش.

وتأسس جيش خالد بن الوليد، منتصف سنة 2016، بعد اندماج ثلاثة فصائل جهادية في المنطقة هي لواء "شهداء اليرموك" وحركة "المثنى الإسلامية" و"جماعة المجاهدين". واستطاع السيطرة على مناطق في جنوب شرق هضبة الجولان الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

حركة المثنى ولواء شهداء اليرموك الفصيلان الرئيسيان المشكلان لجيش خالد بن الوليد

لكنه لم يشكل طوال سنتين أي تهديد لأمن إسرائيل، بل إن وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون قال سنة 2017 إن داعش "اعتذر" عن إطلاق صاروخ تجاه هضبة الجولان!.

"كانت هناك حالة واحدة فقط فتح فيها داعش النار. لكنهم اعتذروا"، قال يعالون الذي كان يتحدث للصحافيين في مدينة العفولة شمال إسرائيل، دون أن يوضح كيف تم الاعتذار.

ومباشرة بعد الهجوم، قامت إسرائيل بقصف مواقع جيش خالد بن الوليد، متسببة في قتل أربعة من عناصره.

اليوم، يبدو أن تهديد داعش لإسرائيل انطلاقا من سوريا ضعيف تماما بعد استسلام مقاتلي جيش خالد بن الوليد للقوات الحكومة السورية التي أحكمت سيطرتها مجددا على المنطقة الحدودية مع إسرائيل والأردن.

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".