تأسس تنظيم حراس الدين سنة 2016 عقب الانفصال عن جبهة النصرة.
تأسس تنظيم حراس الدين سنة 2016 عقب الانفصال عن جبهة النصرة.

لم تكد الرصاصات الأولى تستقر في أجساد المتظاهرين السلميين في درعا ومناطق أخرى في سوريا، حتى بدأ الحراك الشعبي يدخل رويدا طور العسكرة معتمدا على خبرة عشرات الضباط والعسكريين الذين انشقوا عن النظام واصطفوا مع قوى المعارضة.

وفي محاولة منه لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد وتأكيد "نواياه الإصلاحية"، أطلق النظام السوري مئات المعتقلين السياسيين بمن بينهم الكثير من الشخصيات المحسوبة على "التيار الجهادي"، فساهمت الخطوة في تغليب "الطابع الجهادي" للمجموعات المسلحة التي أخذت على عاتقها صد تقدم الجيش السوري على القرى والبلدات المنتفضة. ثم سريعا بدأت أفواج المتطوعين الأجانب تصل إلى سوريا متأثرة بـ"الشعارات الجهادية" التي رفعتها الفصائل المقاتلة واستجابة لـ"فتوى النفير العام" التي أطلقها عدد من مشايخ العالم الإسلامي لاسيما في مؤتمر القاهرة الذي انعقد تحت إشراف الرئيس المصري السابق محمد مرسي في يونيو 2013.

جبهة النصرة وبيعة الظواهري

خلال العام الأول للثورة بدأت هوية المكونات المسلحة في التمايز، وبدا واضحا أن السلفيين الجهاديين هم المتسيدون للمشهد ممثلين بفصيل "جبهة النصرة" الذي نجح في استقطاب العناصر "المهاجرة" إلى صفوفه. ازداد نفوذ جبهة النصرة مع الوقت وباتت قوة عسكرية كبيرة، وتمكنت بواسطة "مكاتبها الدعوية" ونشاطها التطوعي من الاندماج في المجتمع المحلي. في المقابل، عجزت القوى المدنية ممثلة في الجيش الحر والفصائل المعتدلة عن التوافق على صيغة تنظيمية موحدة للم شتاتها.

مع مرور الوقت، تبين أن النفوذ المتزايد لجبهة النصرة لم يثر فقط حفيظة المجتمع الدولي الذي رأى فيها صعودا غير محمود العواقب لفصيل مصنف على لوائح الإرهاب وإنما أثار أيضا قلق "جماعة جهادية" أخرى اعتبرت ظهور فصيل إسلامي قوي بمثابة تهديد لشرعيتها ومنافسا محتملا لسرديتها. زعم أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "دولة العراق الإسلامية" حينها أن الجولاني قائد جبهة النصرة كان مبعوثا من طرفه إلى سوريا لتأسيس جماعة مقاتلة تكون امتدادا لـ"دولتهم"، وأن الجولاني باتت تراوده نوايا الانفصال والاستقلال، واستباقا لأي خطوة في هذا الإطار خرج البغدادي في تسجيل صوتي في 9 أبريل 2013 معلنا دمج تنظيمي جبهة النصرة ودولة العراق الاسلامية تحت مسمى "الدولة الإسلامي في العراق والشام" (داعش).

في اليوم التالي، خرج أبو محمد الجولاني في تسجيل صوتي رفض فيه قرار البغدادي، وأعلن في المقابل بيعته لأيمن الظواهري، مدشنا مرحلة جديدة في تاريخ "التيار الجهادي". ستُعرف جبهة النصرة منذ ذلك التاريخ بتنظيم القاعدة في بلاد الشام، وستخوض صراعا داميا على النفوذ ضد تنظيم داعش.

القطيعة مع القاعدة

تدهور وضع الفصائل السورية المسلحة وانحسرت الرقعة الجغرافية التي سيطرت عليها، ثم ازداد وضعها سوءا بتقدم قوات النظام على مدينة حلب أهم معقل للمعارضة المسلحة. أمام وضعها المتردي، قررت الفصائل العسكرية بدء محادثات للتوافق على كيان عسكري تتوحد ضمنه معظم المكونات العسكرية. لتحقيق هذه الغاية طالبت الفصائل جبهة النصرة بفك ارتباطها بتنظيم القاعدة أولا قبل الشروع في إجراءات الاندماج.

في هذه المرحلة، أي بداية 2016، كان التواصل بين أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة وبين جبهة النصرة منقطعا لثلاث سنوات تقريبا. لكن أبا الخير المصري القيادي في القاعدة، والذي أطلقت إيران سراحه في 2015 ودخل إلى سوريا مع قادة آخرين، أبرز وثيقة لجبهة النصرة تشير إلى أنه بمثابة الرجل الثاني في تنظيم القاعدة وأن منصبه كنائب للظواهري يخول له البث في قضية انفصال النصرة عن القاعدة.

اتفق أبو الخير مع قيادة جبهة النصرة على إعلان انفصال شكلي بين القاعدة والنصرة مع بقاء البيعة سرا، فإن نجح مشروع اندماج الفصائل تحول الانفصال الشكلي إلى انفصال حقيقي وإلا فستبقى العلاقة التنظيمية قائمة بينهما. وتنفيذا لهذا الاتفاق، أعلن الجولاني في 28 يوليو 2016 تأسيس "جبهة فتح الشام"، وقبله بساعات فقط خرج أبو الخير المصري في تسجيل صوتي أعلن فيه موافقة تنظيم القاعدة على انفصال جبهة النصرة.

كتب أبو الخير إلى كل من أبي محمد المصري وسيف العدل في إيران يخبرهما بما تم التوافق عليه مع جبهة النصرة، لكن جوابهما أتى برفض الخطوة وأخبراه أن التواصل مع أيمن الظواهري بات ممكنا وأن عليه انتظار رأيه في المسألة. لاحقا، وصلت رسالة غاضبة من أيمن الظواهري لام فيها أبا الخير المصري على قراره وأمره بحث جبهة النصرة على العدول عن قرار الانفصال.

وجدت رسالة الظواهري قيادة جبهة فتح الشام، وهي بصدد وضع اللمسات النهائية على مشروع فك الارتباط الكامل وتأسيس كيان يضم عدة فصائل مسلحة باسم "هيئة تحرير الشام". انتشر الخبر بين "الجهاديين" الموالين للقاعدة في سوريا، فشرع عدد من قادتهم لاسيما القادمين من إيران في ترتيب الصفوف استعدادا لإعادة القاعدة الى سوريا.. فكان تنظيم "حراس الدين".

حراس الدين.. الولادة العسيرة

توترت العلاقة بين "هيئة تحرير الشام"، وهو الاسم الذي باتت تعرف به جبهة النصرة، وبين الشخصيات المتمسكة بعلاقتها مع القاعدة، فأصدرت الهيئة في 27 من يوليو 2017 تعميما حظرت بموجبه تأسيس أي جماعة جديدة في الشمال السوري لقطع الطريق أمام مساعي إعادة تأسيس القاعدة. وازداد الوضع احتقانا بخروج الظواهري في تسجيل بعنوان "سنقاتلكم حتى لا تكون فتنة" في 4 من أكتوبر 2017 أدان فيه انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة بشكل واضح.

حاول منظرو "التيار الجهادي" رأب الصدع بين طرفي الخلاف، فأطلقوا لهذا الغرض مبادرة وقع بيانها الأول عدد من رموز التيار، أبرزهم أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي و عمر الحدوشي، لكن بعد شهر فقط من هذه المبادرة وصلت الخلافات إلى نقطة اللاعودة، عندما أقدمت هيئة تحرير الشام على اعتقال شخصيات موالية للقاعدة منها سامي العريدي وإياد الطوباسي وأبو جليبيب الأردني، وسمتهم في بيان لها برؤوس الفتنة.

في 28 من نوفمبر 2017، أي بعد يوم واحد من هذا الاعتقال، نشرت مؤسسة السحاب تسجيلا لأيمن الظواهري هاجم فيه قيادة هيئة تحرير الشام بلهجة حادة، ودعا أتباعه إلى التمسك ببيعة القاعدة مهما كانت الظروف.

وتفاعلا مع كلمة الظواهري بدأت المجموعات المسلحة المتأثرة بخطاب القاعدة في الاستقلال والانشقاق. إذ في 5 من ديسمبر 2017، ستظهر مجموعة مسلحة باسم "جيش البادية" ترفع علم القاعدة. وبعد أسابيع ستظهر مجموعة أخرى باسم "جيش الملاحم" والمجموعتان كانتا جزء من هيئة تحرير الشام. وفي 27 من فبراير 2018، سيعلن رسميا عن تأسيس "تنظيم حراس الدين" بقيادة أبو الهمام السوري، وسيضم التنظيم الجديد، إضافة الى جيش البادية وجيش الملاحم، تشكيلات أخرى أهمها "جيش الساحل" و"كتيبة الغرباء" و"سرايا الساحل" و"سرية عبد الرحمن بن عوف" و"كتيبة البتار" و"سريتا الغوطة ودوما وغيرها.

"الرايات الوطنية" تقسم الحراس

تولى أبو الهمام السوري القيادة العامة لتنظيم حراس الدين، وأبو القسام الأردني مسؤولا عسكريا ونائبا له، بينما أسند "الملف الشرعي" إلى سامي العريدي. ولتعويض موارده القليلة وانتشاره المحدود، حاول التنظيم خلق توازنات للقوى عبر الدخول في تحالفات عدة مع فصائل عسكرية  محسوبة على التيار السلفي بدأها بتحالفه مع جماعة "أنصار التوحيد" في أبريل 2018 تحت اسم "تحالف نصرة الإسلام" ثم دخوله في "غرفة عمليات وحرض المؤمنين" مع كل من "جماعة أنصار الإسلام" و"جبهة أنصار الدين" في  نوفمبر 2018، وأخيرا تحالفه مع "تنسيقية الجهاد" و"لواء المقاتلين الأنصار" و"جبهة أنصار الدين" و"جماعة أنصار الإسلام" ضمن "غرفة عمليات فاثبتوا" في يونيو 2020.

اعتمد التنظيم خلال فترة نشاطه على الإغارات الخاطفة وعمليات التفجير في عمق المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، وأكد في مناسبات مختلفة أنه يتبنى أسلوب حرب العصابات كاستراتيجية عسكرية. لكنه شارك في بعض المناسبات مع الفصائل السورية في صد تقدم النظام على مناطق الشمال، وكان ذلك من أسباب تصدعه وانقسامه.

خلال مشاركة التنظيم في معارك ريف حماة ربيع عام 2019 مع فصائل محسوبة على الجيش الحر لمنع قوات النظام من التقدم نحو إدلب، عبر كل من أبو يحيى الجزائري وأبو ذر المصري وهما عضوان في "المجلس الشرعي" لحراس الدين عن رفضهما انخراط التنظيم في المعارك مع فصائل قادمة من منطقة "درع الفرات"، لأن ذلك في اعتقادهما قتال "تحت رايات وطنية" لا تعتبر تطبيق الشريعة غايتها. ومع ازدياد حدة النقد الموجه إلى قيادة الحراس من قبل أبي يحيى الجزائري وأبي ذر المصري وأتباعها، قرر أبو الهمام السوري فصل الرجلين عن التنظيم، لكنهما تمردا على قرار الفصل واعتبراه من صلاحيات "القضاء" حصرا.

 في غضون ذلك، قام أكثر من 300 عضو في التنظيم من أتباع أبي ذر وأبي يحيى برفع دعوى إلى "القضاء الداخلي" للتنظيم للمطالبة بالفصل في النزاع القائم. وتولى أبو عمرو التونسي "قاضي" الحدود والتعزيرات البث فيها. واعتبر هذا الأخير أن قرار الفصل غير نافذ حتى يصدر عن القضاء، واستدعى كلا من أبي الهمام والعريدي وأبي يحيى وأبي ذر للمثول أمامه.

قابلت قيادة التنظيم هذا الإجراء بإصدار تعميمات فصلت بموجبها من التنظيم عددا آخر من الشخصيات منها أبي عمرو التونسي نفسه. ولم يخفف من حدة الأزمة سوى قيام طائرات التحالف الدولي بقصف اجتماع للشخصيات المفصولة عن التنظيم أسفر عن مقتل بعضها وإصابة الآخر، لاحقا انشقت هذه الشخصيات وأسست مجموعات قتالية مستقلة مثل "جماعة أنصار الحق".

نكبة الحراس

كان التوجس والاحتقان السمتين البارزتين في علاقة هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين. وكانت نقاط الخلاف بينهما كثيرة منها: عدم اعتراف التنظيم بحكومة الإنقاذ التي تدير شؤون مدينة إدلب تحت إشراف الهيئة، ورفضه الانضمام إلى غرفة عمليات "الفتح المبين" التي تضم أغلب الفصائل المسلحة في إدلب، إضافة إلى استمرار مطالبته باستعادة الأسلحة والمعدات التي يقول إنها من حقوقه منذ فك جبهة النصرة ارتباطها بالقاعدة.

بعد تشكيل "غرفة عمليات فاثبتوا"، اعتبرت هيئة تحرير الشام الخطوة تهديدا لها لأن الغرفة ضمت "لواء المقاتلين الأنصار" وهي مجموعة مسلحة انشقت لتوها من الهيئة ويقودها أبو مالك التلي، إضافة إلى أبي صلاح الأوزبكي القائد السابق لـ"كتيبة التوحيد والجهاد" والذي تقول الهيئة إنه كان موضوع حكم قضائي لم يمتثل له، فقامت باعتقال كل من الأوزبكي والتلي، لتثير بذلك حفيظة تنظيم حراس الدين.

في خطوة بدت غير محسوبة. قام الحراس في المقابل باعتقال أعضاء في الهيئة من أجل الضغط عليها لإطلاق سراح القادة المعتقلين، فتطور الموقف سريعا إلى تصعيد عسكري طوقت فيه الهيئة مقرات وحواجز التنظيم في مناطق عدة. ووجد هذا الأخير نفسه بعد أقل من ثلاثة أيام من المعارك مجبرا على توقيع اتفاقيات استسلام أخلى بموجبها مقراته ومعسكراته وسلم أسلحته الثقيلة في 25 و26 يونيو 2020. وأصدرت هيئة تحرير الشام بيانا حظرت بموجبه أي نشاط عسكري خارج غرفة عمليات "الفتح المبين" التي تقودها أو استحداث أي كيان ذي طابع عسكري.

لم تكن العلاقة المتوترة مع الهيئة والانقسام الداخلي السببين الوحيدين في انهيار تنظيم حراس الدين، بل كان لعمليات الاغتيال الدقيقة التي شنتها الولايات المتحدة ضد قادته دورها أيضا، فقد خسر التنظيم معظم قادته الكبار في عمليات اغتيال مركزة في مناطق مختلفة بإدلب. من أبرز هؤلاء القادة: أبو القسام الأردني، وخلاد المهندس، وأبو خديجة وأبو جليبيب الأردنيان، وأبو محمد السوداني، وأبو عدنان الحمصي، وبلال الصنعاني، وأبو البراء التونسي وكل هؤلاء من قادة صفه الأول، وأغلبهم من جيل أبي مصعب الزرقاوي والأفغان العرب. وقد خلف مقتلهم فراغا لم يستطع الجيل الجديد من "الحراس" ملأه.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".